شِعْر الدكتور محمد تقي الدين الهلالي المدرس في كلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة
وقلت في أحد الرؤساء من أهل المغرب كان يحارب توحيد الله واتباع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وغره منصبه فأخذ يبعث الجواسيس ليحضروا دروسي وجمعني معه مجلس فأراد أن يوبخني ويهددني فأغلظت له القول ولم أعبأ بتهديده فكاد لي ولجماعتي السلفيين الذين معي كيدا عظيما فرد الله كيده في نحره كما جاء في القصيدة. وكم حاول أعداء السنة إطفاء نور الله تعالى فأحبط الله أعمالهم وتفضل بالنصر على أنصار توحيد الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فله الحمد والشكر ونسأله أن يجعلنا منهم ويحيينا ويميتنا على الحنفية ملة إبراهيم والحمد لله رب العالمين.
لقد طال ليلي والجوى مالئ صدري
وبرح بي شوق إلى ربة الخدر
أقضي نهاري دائم الفكر والأسى
وليلي تسهاد إلى مطلع الفجر
وأكتم أسراري حذار من العدى
ومهما أبح فالحب أفقدني صبري
تذكرت أيام الوصال فكاد من
تذكرها قلبي يطير من الصدر
فيا ويح قلبي ما يلاقي من الهوى
ومن فرط آلام الصبابة والهجر
وعاذلة جاءت بلوم كأنه
نعاب غراب للفؤاد عذابيري
ولست بسال لو أطلت ملامتي
فكفى عن الإسفاف والمنطق الهجر
وكيف سلوى بعد ما شاب مفرقي
وأنفقت في حبي لها زهرة العمر
ألم تعلمي أن الملام وأن غدا
عديما من الجدوى فبالحب قد يغرى
وطفت بلاد الله شرقاً ومغرباً
على قدمي طورا وطورا على مهر
وأنضيت بعرانا وحلقت في السما
على جائبات الجو كالنجم إذ يسرى
وطورا على فلك عظيم كأنه
ثبير يروع الحوت في لجة البحر
حليف اغتراب في ثواء ورحلة
وإن كنت في أهل كثير ذوي وفر
(وما غربة الإنسان من شقة النوى
ولكنه) في الدين والخلق والبر
إلى الله أشكو غربة الدين والهدى
وطغيان أهل الكفر والفسق والغدر
وأرعن غمر جاء يرعد مبرقا
يحرق أنيابا من الغيظ والكبر
فقلت له شؤشؤ لك الويل إنما
وعيدك تطنان الذباب على النهر
وليس يضير النهر صوت ذبابة
ومهما دنت تردى وتهوى إلى القعر
أتوعد سنات الرسول بمحوها
تعرضت للتدمير ويلك والثبر
ومن يقل سنات الرسول فإنه
يعذب في الدنيا وفي فتنة القبر
ويسأله فيه نكير ومنكر
وما من جواب عنده غير لا أدري
وذي سنة الجبار في كل من غدا
يحارب دين الله في السر والجهر
ألم تدر أن الله ناصر دينه
وموقع أهل البغي في دارة الخسر
وكم قد سعى ساع لإطفاء نوره
بكيد فرد الله كيده في النحر
وتنصر إشراكا وفسقا وبدعة
وناصر هذي خاسر أبد الدهر
دعا المصطفى قدما عليه بلعنة
ومن يلعن المختار فهو إلى شر
وتلعنه الأملاك من فوق سبعة
كذلك أهل الارض في السهل والوعر
تحدد للوعاظ ما يدرسونه
وأنت يمين الله أجهل من حمر
(لقد هزلت حتى بدا من هزالها
كلاها) وحتى سامها كل ذي عسر
تدس جواسيسا لئاما بوعظهم
لتلفيق أخبار من المين والمكر
لقد فقت الاستعمار في اللؤم والخنا
وفي الكيد والبهتان والختل والختر
تحارب من يدعو لسنة أحمد
وتلك لعمرو الله قاصمة الظهر
فيا ناطح الطود المتين بهامة
مدورة جوفا حذار من الكسر
وليس يحيق المكر إلا بأهله
وحافر بئر الغدر يسقط في البئر
وكم حافر لحدا ليدفن غيره
على نفسه قد جر في ذلك الحفر
وكم مشرك طاغ تردى بشركه
وسادن قبرياء بالخزي والخسر
وكم رائش سهما ليصطاد غيره
أصيب بذاك السهم في ثغرة النحر
هل أنت يا مغرور إلا معبد
حقير كفأر صال في غيبة الهر
وقبرة أضحى لها الجو خاليا
من النسر والثعبان والباز والصقر
فلا تفرحن يوما سيأتيك صائد
ويسقيك كأس الحتف كالصاب والصبر
(فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة
وإن كنت تدري) زدت وزرا على وزر
(وإن أنت لم يفخر عليك كفاخر
ضعيف ولم يغلبك) كالساقط القدر
(فيا عجبا حتى كليب تسبني
كأن أباها) من لؤي ومن فهر
أتغتر بالإمهال تحسب أنه
عدمتك إهمالا وذا ديدن الغمر
وما نحن إلا خادمون لسنة
أتت عن نبي الله ذي الفتح والنصر
وخادم سنات الرسول حياته
كخادمها من بعد ما صار في القبر
وما غاب إلا شخصه عن عيوننا
وأنواره تبقى إلى الحشر والنشر
فيا مبغضي هدى النبي ألا أبشروا
بخزي على خزي وقهر على قهر
سلكتم سبيلا قد قفاها إمامكم
أبو جهل المقصوم في ملتقى بدر
وعاقبة المتبوع حتم لتابع
كما لزم الإحراق للقابض الجمر
فإن أنتم كذبتم بوعيده
فكم كذبت من قبلكم أمم الكفر
فصب عليهم ربهم سوط نقمة
فصاروا أحاديث المقيمين والسفر
(فيارب هل إلا بك النصر يرتجى
عليهم) إليك الأمر في العسر واليسر
قلوا سنة المختار يبغون محوها
وكادوا لها فاجعل لهم كيدهم يفري
هم استضعفونا اليوم من أجل أننا
قليل وقد يعلو القليل على الكثر
ولا سيما أن كاد لله قائما
وأعداؤه للبغي من جهلها تجري
وإدراك إحدى الحسنين محقق
لمن يقتدي بالمصطفى من ذوي الحجر
ومن ظن أن الله مخلف وعده
وخاذل أنصار النبي بذا العصر
فذاك غليظ الطبع أرعن جاهل
عريض القفا بين الورى مظلم الفكر
تكفل بالنصر العلي لحزبه
حياتهم هذى وفي موقف الحشر
ففي غافر قد جاء ذلك واضحا
ولكنه يخفى على الفدم والغمر
سلام على أنصار سنة أحمد
فهم أولياء الله في كل ما دهر
إليهم أجوب البر والبحر قاصدا
فرؤيتهم تشقى السقيم من الضر
هم حفظوا الدين الحنيف وناضلوا
عن الحق بالبرهان والبيض والسمر
هم خلفوا المختار في نشر سنة
بفعل وأقوال تلألأ كالدر
هم جردوا التوحيد من كل نزعة
من الشرك والإلحاد والزيغ والمكر
فلا قبة تبنى على قبر ميت
ولم يعبدوا قبرا بذبح ولا نذر
ولا بطواف أو بتقبيل تربة
فذلك فعل المشركين ذوي الكفر
ولا رحلوا يوما لغير ثلاثة
مساجد خصت بالفضائل والأجر
ولم يستغيثوا في الشدائد كلها
بغير إله الناس ذي الخلق والأمر
ولم يصفوا الرحمن إلا بما أتى
بنص كتاب الله والسنن الزهر
يقرون آيات الصفات جميعها
كما فعل المختار مع صحبة الغر
فلو كان في التأويل خير لبادروا
به فهم الفرسان في النظم والنشر
(أولئك آبائي فجئني بمثلهم
إذا ما) اجتمعنا في المجالس للفخر
وقد أكمل الرحمن من قبل دينه
فلم يبق من زيد لزيد ولا عمرو
بمائدة قد جاء بالنص ختمه
وإتمام أنعام يجل عن الحصر
وكم زائد في الدين أصبح ناقصا
يبدل دين الله بالحدس والحذر
ومن ظن تقليد الأئمة منجيا
فأفتى بتقليد فياله من غر
كمنتحل عذرا ليغفر ذنبه
أضاف له جرما تجدد بالعذر
ألا إنما التقليد جهل وظلمة
وطالبه خلو من العلم والخير
كطالب ورد بعدما شفه الظما
جرى خلف آل لاج في مهمة قفر
فإن قمت بالإفتاء أو كنت قاضيا
فإياك والتقليد فهو الذي يزري
وجرد سيوفا من براهين قد سمت
عن الحدس والتخمين والسخف والهتر
وطرفك سرح بالكتاب فإنه
رياض حوت ما تشتهيه من الزهر
ومن بعده فاعلق بسنة أحمد
فأنواره تسمو على الشمس والبدر
ولا تحكمن بالرأي إلا ضرورة
كما حلت الميتات أكلا لمضطر
ومهما بدا أن القضاء على خطا
أقيم فبادر للرجوع على الفور
ومن يقض بالتقليد فهو على شفا
كهشوا غدت في كافر حالك تسري
ومن يفت بالتقليد فهو قد افترى
وفي النحل نص جاء في غاية الزجر
لعمرك ما التقليد للجهل شافيا
وأما نصوص الوحي فهي التي تبري
وصل وسلم يا إله على النبي
صلاة تدوم الدهر طيبة النشر
فدونكما بكرا عروبا خريدة
مهفهفة غيدا عروسا من الشعر
يضئ ظلام الليل نور جمالها
وليس لها إلا القراءة من مهر
قصدت بها نصرا لسنة أحمد
وناصرها لا شك يظفر بالنصر
وعدتها تسعون من بعد خمسة
وأختمها بالحمد لله والشكر
محمد تقي الدين الهلالي
المصدر: مجلة الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، السنة 5، العدد 2، شوال 1392هـ، نوفمبر 1972م – صفحة : 23