باقي أجزاء السلسلة: [1] [2] [4]
قالوا: وأيضا فنقول: لمن قال أنه يستدركها بالقضاء أخبرنا عن هذه الصلاة التي تأمر بفعلها هي التي أمر الله بها أم هي غيرها؟ فإن قال هي بعينها، قيل له والعامد بتركها حينئذ ليس عاصيا، لأنه قد فعل ما أمر الله به بعينه فلا يلحقه الإثم والملامة، وهذا باطل قطعا. وإن قال ليست هي التي أمر الله بها. قيل له فهذا من أعظم حججنا عليك إذا ساعدك أن هذه غير مأمور بها.
ثم نقول أيضا: ما يقولون فيمن تعمد تفويتها حتى خرج وقتها ثم صلاها أَطَاعَة صلاتة تلك أم معصية؟ فإن قالوا: صلاته طاعة وهو مطيع بها خالفوا الإجماع والقرآن والسنة الثابتة، وإن قالوا في معصية، قيل: فكيف يتقرب إلى الله بالمعصية وكيف تنوب المعصية عن الطاعة؟ فإن قلتم هو مطيع بفعلها عاص بتأخيرها، وهو أنه إنما تقرب بالفعل الذي هو طاعة لا بالتفويت الذي هو معصية، قيل لكم: الطاعة هي موافقة الأمر وامتثاله على الوجه الذي أمر به، فأين أمر الله ورسوله ممن تعمد تفويت الصلاة بفعلها بعد خروج وقتها حتى يكون مطيعا له بذلك. فلو ثبت ذاك لكان فاصلا للنزاع في المسألة.
قالوا: وأيضا فغير أوقات العبادة لا تقبل تلك العبادة بوجه كما أن الليل لا يقبل الصيام وغير الشهر الحج لا يقبل الحج وغير وقت الجمعة لا يقبل الجمعة، فأي فرق بين من قال: أنا أفطر النهار وأصوم الليل. أو قال: أنا أفطر رمضان في هذا الحر الشديد وأصوم مكانه شهرا في الربيع، أو قال أنا أؤخر الحج من شهره إلى المحرم؟ أو قال أنا أصلی الجمعة بعد العشاء الآخرة. أو أصلي العيدين في وسط الشهر – وبين من قال أنا أؤخر صلاة النهار إلى الليل وصلاة الليل الى النهار؟ فهل يمكن أحدا قط أن يفرق بين ذلك.
قالوا: وقد جعل الله سبحانه للعبادات أمكنة وأزمنة وصفات فلا ينوب مكان عن المكان الذي جعله الله مكانا میقاتا لها كعرفة ومزدلفة ومنى ومواضع الجمار والمبيت والصفا والمروة ولا تنوب صفة من صفاتها التي أوجبها الله عليها عن صفة. فكيف ينوب زمان عن زمانها الذي أوجبها الله فيه عنه.
قالوا: وقد دل النص والإجماع على أن من أخر الصلاة عن وقتها عمدا أنها قد فاتته كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله، وما فات فلا سبيل إلى إدراكه البتة. ولو أمكن أن يدرك لما سمي فائتا ، وهذا مما لا شك فيه لغة وعرفا، وكذلك هو في الشرع وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يفوت الحج حتى يطلع الفجر من يوم عرفة، أفلا تراه جعله فائتا بفوات وقته لما لم يكن أن يدرك في يوم بعد ذلك اليوم وهذا بخلاف المنسية والتي نام عنها فإنها لا تسمی فائتة، ولهذا لم تدخل في قوله: الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله، قالوا: والأمة مجمعة على أن من ترك الصلاة عمدا حتى يخرج وقتها فقد فاتته. ولو قبلت منه وصحت بعد الوقت لكان تسميتها فائتة لغوا وباطلا، وكيف يفوت ما يدرك.
قالوا: وكما أنه لا سبيل إلى استدراك الوقت الفائت أبدا فلا سبيل إلى استدراك فرضه ووصفه.
قالوا: وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أحمد وغيره: من أفطر يوما من رمضان من غير عذر لم يقضه عنه صيام يوم من أي شهر أراد؟
قالوا: وقد أمر الله سبحانه المسلمين حال مواجهة عدوهم أن يصلوا صلاة الخوف فيقصروا من أركانها ويفعلوا فيها الأفعال الكثيرة، ويستدبروا فيها القبلة ويسلموا قبل الإمام، بل يصلون رجالا وركبانا حتی لو لم يمكنهم إلا الإيماء أتوا بها على دوابهم إلى غير القبلة في وقتها. ولو قبلت منهم في غير وقتها وصحت لجاز لهم تأخيرها إلى وقت الأمن وإمكان الإتيان بها. وهذا يدل على أنها بعد خروج وقتها لا تكون جائزة ولا مقبولة منهم مع هذا العذر الذي أصابهم في سبيله، وجهاد أعدائه. فكيف تقبل وتصح من صحيح مقيم لا عذر له البتة، وهو يسمع داعي الله جهرة فيدعها حتى يخرج وقتها ثم يصليها في غير الوقت. وكذلك لم يفسح في تأخيرها عن وقتها للمريض بل أمره أن يصلي على جنبه بغير قيام ولا ركوع ولا سجود إذا عجز عن ذلك، ولو كانت تقبل منه وتصح في غير وقتها لجاز تأخيرها إلى زمان الصحة. فأخبرونا أي كتاب أو سنة أو أثر عن صاحب نطق بأن من أخر الصلاة وفوتها عن وقتها، وتصح منه وتبرأ ذمته منها ويثاب عليها ثواب من أدى فريضته؟ هذا والله ما لا سبيل لكم إليه البتة حتى تقوم الساعة. ونحن نوجدكم عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما قلناه وخلاف قولكم.
جريدة الميثاق: عدد 1 شعبان 1382 هـ / 28 دجنبر 1962 م. ص: 2 و 7