باقي أجزاء السلسلة: [1] [2] [3]
فصل في قول أبي بكر الصديق الذي لم يعلم أن أحدا من الصحابة أنكر عليه. قال عبد الله بن المبارك: أخبرنا إسماعیل ابن أبي خالد عن زيد، أن أبا بكر قال لعمر بن الخطاب: إني موصيك بوصية إن حفظتها: إن لله حقا بالنهار لا يقبله بالليل، وحق بالليل لا يقبله بالنهار، وإنها لا تقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة. الحديث.
قالوا: فهذا أبو بكر قال: إن الله لا يقبل عمل النهار بالليل ولا عمل الليل بالنهار، ومن يخالفنا في هذه المسألة، يقولون بخلاف هذا صريحا. وأنه يقبل صلاة العشاء الآخرة وقت الهاجرة. ويقبل صلاة العصر نصف النهار. قالو: فهذا قول أبي بكر وعمر وابنه عبد الله وسعد بن أبي وقاص وسلمان الفارسي وعبد الله بن مسعود والقاسم بن محمد بن أبي بكر وهذيل العقيلي ومحمد ابن سيرين ومطرف بن عبد الله وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم وغیرهم، قال: شعبة عن يعلى بن عطاء عن عبد الله ابن خرش، قال رأى ابن عمر رجلا يقرأ في صحيفة قال له: ما هذا القارئ؟ إنه لا صلاة لمن لم يصل الصلاة لوقتها، فصل ثم اقرأ ما بذلك. انتهى. ثم بين ابن القيم أن النفي هنا متوجه لصحة الصلاة وأقام الدليل على ذلك ثم قال: إن عبد الله بن مسعود كان يقول: إن للصلاة وقتا كوقت الحج فصلوا الصلاة لميقاتها. فهذا عبد الله قد صرح أن وقت الصلاة كوقت الحج. فإذ كان الحج لا يفعل في غير وقته، فما بال الصلاة تفعل في غير وقتها؟ إلى هنا كلام ابن القيم باختصار.
تنبيه:
قوله فيما تقدم: لا يفوت الحج حتى يطلع الفجر من يوم عرفة فيه خطأ واضح، لأن الحج لا يفوت بطلوع فجر يوم عرفة، إنما يفوت بطلوع فجر يوم النحر وهو اليوم العاشر وقد اتضح رجحان القول: بين من ترك الصلاة متعمدا حتی خرج وقتها لا يمكن قضاؤها أبدا لا خلاف في ذلك عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين، وما ظهر من الخلاف بعد ذلك لا يلتفت إليه لقوله تعالى: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنه ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم) فعلى من ترك الصلاة عمدا أن يتوب إلى الله ويعاهده عهدا صادقا أن لا يخرجها عن وقتها أبدا فيما يستقبله من عمره ويكثر من النوافل والاستغفار والله غفور رحيم.
وأما من فاتته الصلاة بإغماء أو جنون حتی خرج وقتها فليس عليه قضاء ولا إثم لأن العقل شرط في التكلف، بخلاف النائم والناسي فإنهما يقضيانها، وهي أداء في حقهما لأنهما لم يخاطبا بها إلا بعد الاستيقاظ والذكر. قد وجدت الإمام ابن القيم رحمه الله أفاض في ذكر الادلة، فكل ما كنت أريد أن أقوله ذكره وزاد عليه، وهو الذي “إذا قال لم يترك مقالا لقائل”.
فهذا الذي أعتقد أنه الحق وأدين الله به، ولي في ذلك من أصحاب رسول الله والتابعين لهم أحسن قدوة والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.