وافتنا هذه القصيدة العذرية الرقيقة التي جادت بها قريحة الدكتور الأديب تقي الدين الهلالي يعارض بها القصيدة الغرامية المشهورة للأديب الأندلسي ابن زيدون فأحببنا أن نتحف بها القراء :
اضغط لقراءة نسخة ثانية للقصيدة نشرت في مجلة لسان الدين
هل بعد عشر مضت بالبين تكوينا
يغير الدهر يوما حكمه فينا
وهل ظلام الأسى الغاشي لأنفسنا
يجلوه نور ابتهاج من تلاقينا
متنا ونحن مع الأحياء بعدكم
من لوعة وأسى قد كاد يفنينا
وما لنا باعث إلا لقاؤكم
فالبين يقتلنا والوصل يحيينا
فالشمس ليست بشمس بعد بعدكم
والبدر ليس ببدر في نواحينا
عم الظلام فلا نور يلوح لنا
إلا سنى أمل يبدو أحايينا
يا من لقلب غدا بالشوق محترقا
يذيقه الوجد آلاما أفانينا
يا جنة كان فيها عيشنا رغدا
ولدانها من رحيق الأنس تسقينا
رضوانها بالرضا والبشر يلحظنا
وماء كوثرها السلسال يروينا
وريح أزهارها بالعطر تبهجنا
وظل أشجارها الألفاف يؤوينا
وخمرها دون غول السكر تثملنا
والطير فوق أفانين تغنينا
والدهر في سنة والسعد منتبه
حال بها شرقت غيظا أعادينا
حتى أتانا مريد البين يخدعنا
بالأكل من دوحة الآمال يغرينا
لما أكلنا من المحظور بان لنا
إنا اقتطفنا رزايانا بأيدينا
فأصبح الوصل بينا والصفا كدرا
والأنس حزنا وكاس الراح غِسلينا
وقد هبطنا وأمر الله ليس له
رد إلى الأرض أشتاتا مثاوينا
فالشمل مفترق والهم مجتمع
والشوق يبسطنا واليأس يطوينا
لو كان شوق مقل جسم صاحبه
لكان عن طائرات الجو يفنينا
و أن عتبنا على الأيام جفوتها
أو اشتكينا لها مما يعنينا
فقد عتبنا على من ليس يعتبنا
وقد شكونا إلى من ليس يشكينا
لا يأس من رحمة الوهاب إن له
لطفا بعاصفة البأساء مقرونا
عسى الذي قد شفا يعقوب من حزن
ورد ملك سليمان سيشفينا
يا نازحين وهم في القلب قد سكنوا
وغائبين وهم في الذكر ثاوونا
إنا نحييكم مع كل شارقة
وكل غاربة دوما فحيونا
وطالما هب من أرجائكم أرج
مع الصبا فملا طيبا مغانينا
ما سرنا بعدكم شيء يلذ لنا
إلا وذكراكم تأتي فتشجينا
ولا غفونا غرارا في مضاجعنا
إلا وطيفكم باد يناجينا
وزادني حزنا علمي بأنكم
مثل الذي أنا لاقيه تقاسونا
نعلل النفس بالآمال نبسطها
حينا وتغلبنا أشجاننا حينا
فالقلب منفطر والدمع منهمر
والصبر منعدم والشوق يبرينا
إنا قرأنا الأسى يوم النوى سورا
لكننا لم نلق الصبر تلقينا
بان الحبيب فلاشيء يصبرنا
عنه ولاشيء في الدنيا يسلينا
من كانت الراح و الأوتار تشغله
فما أقام على الحب البراهينا
والحب ذو درجات لا تعد وقد
حُزْنا أعاليها بين المحبينا
خلع العذار غدا في الحب مذهبنا
بحنا استرحنا ولم نعبأ بواشينا
حتى لقد عدل العذال عن عذل
لما رأوا قولهم بالحب يغرينا
وليس يشفي وصال بات مختلسا
والقلب يخفق خوفا من مراعينا
والحب دون عفاف لا بقاء له
فليس غير الهوى العذري يرضينا
أحبابنا ما شككنا في وفائكم
و لا نرى أنكم فينا تشكونا
وإن يكن حال بُعدٌ دون وصلكم
فأنتم على وداد لا تحولونا
ونحن نعلم لا ريب يخامرنا
بأنكم مثل ما نلقي تلاقونا
والغدر في الحب ذنب ليس يغفره
إلا الذي حاد عن نهج المحقينا
لا خير في ثقة ليس مبادلة
بين المحبين إخلاصا و تمكينا
عليكم من سلام الله أطيبه
ما غنت الورق في الأغصان تلحينا
وفاح مسك وما هب النسيم على
روض يضاحك فيه الورد يسرينا
وما تحرك قلب من صبابته
فعاد تحريكه بالوصل تسكينا
مجلة دعوة الحق: العدد 32 – العدد 10 عدد ممتاز لنهاية السنة 2 – صفر 1380هـ – يوليوز 1960م – ص: 109