اجتمعت بقسيس أمريكي منقطع النظير في النشاط والإخلاص في عمله، وكنا في إرسالية لداع آخر انكليزي وأمريكي أيضا يعني من أهل كندا. فما كاد التعارف يتم حتى بدأ الشاب الأمريكي بالهجوم، ووقعت بيننا معركة جدلية حام وطيسها، فزعم الأمريكي فيما زعم أن النبي محمد ﷺ غلط في قوله يا أخت هارون لأن مريم لم تكن أختا لهارون أخي موسى، كيف وبينهما قرون. قال: وسبب غلط محمد ﷺ أنه علم أن هارون كانت له أخت اسمها مريم التبس عليه الأمر وظن أنها هي أم يسوع. ثم قال: وقد اعترف بهذا “سر سيد” في تفسيره.
الجواب، قلت له: أولا أنتم تزعمون أن محمدا ﷺ أخذ قصص الأنبياء الذي في القرآن من التوراة، ونحن نؤمن أن الله أنزله عليه ما أنزله على موسی. ولنفرض أن قولكم صحيح فأي تلميذ صغير من تلاميذ التوراة يخفى عليه بعد ما بين زمن هارون بن عمران ومريم أم عيسى عليهم السلام، فضلا عن رجل درس التوراة درسا طويلا ليأخذ منها قصصا يعرضه على أحبار يهود المساكنين له والذين يجتهدون جد الاجتهاد أن يجدوا غلطة واحدة يردون بها دعوته ويشيعونها لصد الناس عن الإيمان به؟ أظن أن هذا لا يخطر ببال عاقل، وهو يبطل ما اتهمتم به النبي الأمي ﷺ من أخذ القصة من التوراة. ثانيا أن هذا الاعتراض قد وقع من نصراني عربي من أهل نجران مع أحد الصحابة يقرأ الآية فاعترض عليه فلم يجبه حتى أتى النبي ﷺ وسأله فأجاب بأنهم كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم، فيحتمل أن مريم كان لها أخ اسمه هارون. فقال القسيس لم يكن لمريم أخ بهذا الاسم. فقلت أن إحصاء إخوة مريم ليس في إمكانك وقد مضت عليه دهور، ويحتمل أن أخت معناه شبيهة والتعبير بالأخ والأخت عن المثل معروف عندنا في اللغة العربية لنا عليه شواهد، ويحتمل أنه هارون النبي وأخت هنا معناه سليلة وهو استعمال شائع في اللغة العربية يقال يا أخا همدان وفي الحديث “إن أخا صداء” أذن فهو يقيم، فلا غرابة إذا في نسبة مريم إلى هارون لأنه أحد آبائها الأولين ولا سيما وهو الذي به يفخر ويقتدي، والمقام مقام تأنيب كما يقال للعلوي إذا أتى ما يعاب: ابن الرسول يفعل هذا؟ وأيها كان سقط الاعتراض وبطل.
ثم قلت له: إن اليهود أعلم منكم بكتابهم وأشد الناس عداوة للرسول؛ وكانوا مساكنين له؛ فلو لم يكن للآية وجه بين لملأوا الدنيا صخب، وهم قوم بهت وخصومة بلا سبب، فكيف إذا أتيح لهم سبب كهذا؟ ولو اعترضوا لنقل لها اعتراضهم فيما نقل لنا عنهم من التكذيب والعداوة، وكما نقل لنا اعتراض أخي نجران في هذه المسألة. أما (سر سید) كما يدعوه أهل الهند -أو السيد أحمد خان- كا يعرفه عامة الناس- فما رأيت تفسيره، وهو غير معروف ولا مقروء عند المسلمين والقرآن قد فرغ الناس من تفسيره فيما يتعلق بالقصص منذ زمان.
وتجادلنا في مسائل أخرى في عدة مجالس وفي آخر مجلس طلب إلي أن آتيه في إرساليته في بلد يبعد عن هذا نحو 4 ساعات في القطار إذا وجدتُ فرصة، ليبدي لي من حججه ما لم يبد من قبل، فوعدته بذلك. وبعد شهر كتب إلى يستحثني على الإتيان إليه، فتوجهت إليه، فتناظرنا من الصبح إلى الليل، ووجدت عنده القرآن ترجمته بالانكليزية، وقد خط على مواضع ظن أنه فاز فيها ببغيته، منها قوله تعالى (فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا) فقال في اعتراضه: هذه وحشية وقسوة، وكيف تحبس المرأة في بيت مسدود ليس له باب وتترك بلا أكل ولا شرب حتى تموت! فأعلمته أنه لم يفهم معنى الآية، وأن الإمساك في البيوت معناه المنع من الاختلاط أو الخروج، لأن المرأة التي قد أتت الفاحشة غير مأمونة على نفسها فتمسك في البيت مع محارمها. فتعجب من سوء فهمه.
ولما كان الليل وقد مللنا من المناظرة قال لي -وقد تناول صحيفة- أتعرف مصطفی كمال؟ فقلت نعم! قال فما رأيك في إصلاح الكماليين؟ قلت لم يعملوا إلا فسادا. فضحك وقال: نعم عملهم فساد للإسلام، وأما في الحقيقة فإنهم يعملون صالحا لقومهم. قلت ما هو العمل الصالح الذي عملوه؟ فقال: اسمع، وأخذ يقرأ في الصحيفة. فقطعت عليه قراءته وقلت: من فضلك أخبرني ما هي هذه الصحيفة، لأعرف ما أسمع وأعلم مصدره. فقال: هذه نشرة خاصة لدعاة النصرانية البروتستانتية في الهند تبحث في كل شيء يكون صالحا للنصرانية. فقلت: فاقرأ. فقرأ ما ترجمه “عقد شباب الترك مؤتمرا حضره أدباء الترك وأفاضلهم، وخطب الخطباء فتكلم بعضهم وبين وحشية الدين الإسلامي وبربريته وقال: إننا سعداء بخروجنا من ذلك الدين، ولو بقينا فيه إلى هذه الأيام لكنا اليوم مشتغلين بتلك المذبحة البربرية التي يقوم بها المسلمون في مثل هذه الأيام ضد الغنم المسكينة -يعني الضحايا وكان ذلك في أيام عيد الأضحى من السنة الماضية 1351هـ- وخطب آخر فقال: أيها السادة لا يخفى عليكم أن أجدادنا أخذوا الإسلام بحضارته كاملا تاما، ونحن اليوم تركنا الحضارة الإسلامية وولينا وجوهنا نحو الحضارة الأوربية، وكل حضارة لها وجهة دينية تمازجها وتلازمها، ولم نر قط حضارة مجردة من الدين، فإذا أردنا أن تأخذ الحضارة الأوربية حقيقة يجب علينا أن نأخذها كاملة تامة كما فعلنا في الحضارة السابقة، أعني يجب علينا أن نأخذ النصرانية التي هي دين أهل هذه الحضارة الجديدة، وإلا كانت حضارتنا ومدنيتنا بتراء (تصفيق حاد). وبعد انتهاء الخطب قرر المجتمعون أن يرفعوا عريضة إلى الحكومة يقترحون عليها أن تتخذ النصرانية دينا اھ.
قلت له: قد قرأت هذا الخبر في صحفنا منذ أسبوع. فضحك وقال: لعله أحزنك؟ فقلت: كلا، ليس فيه ما يحزنني ولا ما يسرك. ولعلك نسيت وأنت عالم بأحوال الدين أن إخراج دین راسخ في النفس وإدخال دين آخر يحل محله بالإجبار من أبين المحال، لأن الجلد والحبس والتغريم والتعذيب إنما يقع على الجسم لا على النفس، ولا تخضع القلوب في أمر الدين إلا لسلطان البرهان فهو وحده الذي يفتح القلوب (كما قلت لك حين تناظرنا في انتشار الإسلام وزعمت أنه نشر بالسيف)، وأما الأسلحة الحربية فإنما تفتح البلدان. وانظر إلى اليهود هل لقي أحد مثل ما لقوا من العذاب في البلاد النصرانية، فلو كان العذاب يفتح القلوب ما بقي يهودي في أوربا وأمريكا. وأؤكد لك أن الأمة التركية إذا استثنيت هؤلاء المفسدين الذين ذكرتهم هي اليوم أشد منها تمسكا بالإسلام أمس، وقد قال الشاعر العربي:
وزادني شغفا في الحب أن منعت
أحب شيء إلى الإنسان ما منعا
فقال: صحیح، القياس يقتضي ذلك، فقلت له: وأما تقبيح أولئك السفهاء للأضاحي فهو اعتراض موجه إليك أكثر مني، ففي الديانة النصرانية أضاحي لعلها أكثر من أضاحي الإسلام، بل قرأت في كتاب نشرته الجمعية الدينية بلندن أن هارون عليه السلام أخذه شاة فاعترف بذنوب الأمة على رأسها ثم أمر بها فأخذت إلى الصحراء حيث لا ماء ولا كلأ وتركت حتى ماتت. فحاول أن يؤولها بإطلاقها تأكل من نبات الأرض وتشرب الماء حتى تموت، فأثبت له أن النص لا يحتمل ذلك، وقلت له: إن الإسلام يمنع مثل هذه القسوة على الحيوان، وتضييعه بلا فائدة، وحرمان الناس عن أكل لحمه، فقال: هذه رموز لا يقصد بها صورها. فقلت: ألا يمكن أن يرمز بشيء لا ضرر فيه على الحيوان ولا على الإنسان؟ فقال ألستَ تؤمن بالتوراة؟ فإذا كان ذلك فيها أفتكفر به ؟ فقلت: لا أعتقد وجوده في التوراة. ودخلنا مرة أخرى في معركة التحريف. ثم قلت له: وفي ذلك الكتاب أن الله قدم ابنه الوحيد (تعالی وتنزه) قربانا ليطهر به النصارى وحدهم من الخطيئة، فإن كان هنالك أمر يخالف العقل في القرابين والضحايا فهو عندكم لا عندنا.
والكلام الذي دار بيننا يطول، وكنت أريد أن أفرغ ما أذكر منه في قالب مقالة، ولم أجد فرصة فأجلته حتى قرأت مقالة لفخر العرب ورئيس الجهاد الإسلامي العربي الأمير شكيب أرسلان أطال الله بقاءه في الرد على الأستاذ فريد أفندي وجدي، وكان من جملة ما احتج به الأمير أن حركة الترك لو كان فيها صالح الإسلام لساءت النصارى، والحقيقة أنها سرتهم. فهب أن المسلمين جاهلون بلداء لا يقدرون على تمييز الحقائق وقد فهموا حركة العصبة العابثة في بلاد الترك على غير وجهها، فإذا نقول في الأوربيين والأمريكيين، أهم أيضا مغفلون لا يعرفون عدو الإسلام من صديقه، إذا فلماذا كانوا جالبين على الحكومة العثمانية بخيلهم ورجلهم ومتألبين عليها أَلِأنها كانت عدوة للإسلام والعلم والعقل كما زعم حسين رءوف في خرصه وبهته، فلما أوهنوها ثم أماتوها هدأ روعهم واطمأن بالهم حين تأسست الحكومة الكمالية نصيرة الإسلام والعلم؟ بخ بخ! بل اف وتف! للمكابرين المحاولين تغطية الشمس بالغربال
من كان يخلق ما يقول ** فحيلتى فيه قليلة
إن هذا لشاهد صحیح ومصداق لما أفاده الأمير أثابه الله رضاه وأما من جنح إلى غير هذا فقد نظر إلى المستهلكين بعين الفرنسيين والايطاليين وهي عين الاستخفاف والاستسفاه وعدَّهم أطفالا كما عدَّوهم، اذ كلما عملوا طامة في المغرب وضج المسلمون في الشرق فسَّرها سفراؤهم بوجه جميل، فكذلك من يكابر لزحزح المتواترات القطعية التي يعلمها الانسان كما يعلم أنه إنسان. وقد قال الله تعالى (إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد). وفي الحديث: “دع ما يريبك إلى مالا يريبك”.
عود إلى الحوار الذي جرى بيني وبين القسيس الأمریكی. بعدما سألني عن رأيي فيما عمله الكماليون متضاحكا مظهر الشماتة، وأجبته بما ذكرت من قبل، سألته أنا أيضا: أتعرف برناردشو كاتب أرلندا بل كاتب العالم؟ فقال: نعم أعرفه. فأخذت مجلة ذي مسلم رفيو وكانت فيها مقالة برنارد شو الذهبية في الإسلام فقلت له: اقرأ. فقرأها فلما أتمها علته الرمضاء وقال: إن هذا الرجل كافر وهو أكبر أعداء النصرانية. فقلت أليس هو نصرانيا؟ فقال: لا ليس بنصراني، بل هو ملحد. فقلت: إني كنت أظن أن أهل وطنه كلهم نصارى ومتعصبون جدا، فقال أولئك الكاثوليكيون الروميون أتباع الكنيسة الرومية وليسوا في اعتقادنا نصارى بل هم وثنيون يعبدون الأوثان علانية في كنائسهم ويستبيحون سفك الدماء وسائر المنكرات التي يتبرأ منها المسيح في سبيل نشر نحلتهم، ونحن براء منهم ومن أعمالهم. قال: ونعود إلى برناردشو فيقول: إن ناشئة قد نشأت في المسلمين أتقنوا المراوغة والبروبغندة والمشاغبة، وكان المسلمون الأولون يتنزهون عن هذا، فمن ذلك أنهم جمعوا ما كتبه رينان الفرنسي الزنديق الشهير وبرناردشو وأمثالهما واحتجوا علينا به زاعمين أن هؤلاء الكتاب نصارى وأن طعنهم في المسيحية اعتراف منهم ببطلانها وذلك كله باطل ومشاغبة، فإن كل من يعلم شيئا من أحوالهم وتيقن أنهم ليسوا نصاری. ولو أردنا أن نعمل كما تعملون لاحتججنا عليكم بأقوال الكماليين في الإسلام.
فقلت: أن الكماليين لم يذموا الإسلام ويمدحوا النصرانية حتى تكون لكم حجة في ذمهم، بل انسلخوا من الأديان كلها. وأما برنادشو فهب أنه ليس نصرانيا ولكنه ليس مسلما فمدحه للإسلام حجة لنا. فقال إنما فعل ذلك ليغيظ النصارى. فقلت: لو أراد غيظهم لأسلم.
ثم قال: إن عدم معرفتكم لأوربا وأمريكا يوقعكم دائما في الأغلاط. أنتم تظنون أن أوربة وأمريكة نصرانیتان وأهلهما يدينون بدين المسيح وأنهم يغيرون على بلدانكم انتصارا لدينهم المسيحي. ألا فاعلموا أن أهل أوربا وأمريكا كفار وليس فيهم من النصارى إلا قليل جدا. وأضرب لك مثلا ببيتنا، فليس فيه نصراني غيري أنا، وأما أمي وأبي وإخوتي وأخواتي فكلهم كفار وقد حاولوا أن يفتنوني في ديني ويردوني عنه حين علموا تديني فلم يفلحوا، وسبب غلطكم هذا أن تقيسون النصرانية على دينكم فإن كل من ولد من أبوين مسلمين يكون مسلما ولا يحتاج الى دخول في الإسلام، أما عندنا فليس كذلك، فالولد يولد غير نصراني فإذا ميز وأراد ان يكون نصرانيا ذهب إلى القسيس ودخل على يديه في الدين كما يدخل الوثني سواء، فإن لم يفعل فليس بنصراني. هذه حقيقة ديننا ولعلك بعدها لا تحتج علي بقول أحد ممن يقال أنهم نصارى حتى تحقق أمره. فقلت إن ديننا ليس كما ذكرت فإنه لا يحكم على الصبي حكمه على البالغ، ولكن الصبي يولد على الفطرة وهي الإسلام ويكون مسلما تبعا لوالديه ولا تكليف عليه ويؤمر والداه أن يعلماه الإسلام تعليما عمليا لينشأ عليه حتى إذا بلغ وجب عليه أن يدخل في الإسلام دخول تكليف والتزام لجميع ما يوجبه الإسلام من علم وعمل. وقد صرح علماؤنا في كتب العقائد بأن أول ما يجب على المكلف معرفة الله تعالى ولا يكون الرجل مسلما عندنا بمجرد كون والديه مسلمين وإن لم يلتزم ما أوجبه الإسلام. فقال: إني خالطت المسلمين هنا ورأيت أحوالهم غير ما ذكرت، فقلت ليس كل المسلمين محققين لأمور الإسلام، فإن كنت في شك مما ذكرت لك أتيتك بالدليل من كتب الإسلام. ثم قلت له: قد ادعيت أن دين المسيح دين محبة ورحمة وهو بريء من أذية الناس بسبّ أو ضرب فضلا عن القتل، فماذا تقول في الحروب الصليبية؟ فقال: إن جميع المحاربين فيها كانوا فساقا عن دين المسيح، وكانوا يحاربون للعصبية الجاهلية، ولأغراض الملوك، وقد غرُّوا الجَهَلة من العامة بأنهم يدافعون عن دين المسيح وقبر المسيح. فقلت إن نصاری الأرض كلهم أجمعوا على ذلك القتال. فقال: لا بل أنكره كثير من القسيسين والرهبان وتبرؤوا منه كما هو موجود في كتب التاريخ. ثم قلت: عندي هنا خطبة لكانون إسحاق وهو قسيس من انكلد خطبها في كنيسة كونكرس. وقد اعترف فيها للإسلام بحقيقته وفضله على النصرانية. فقال: أرني إياها. فأريته إياها في صحيفة هندية نقلتها عن (تايمز) اللندنية. فلما قرأها قطب وجهه وقال: إن كثيرا من القسيسين منافقون قد باعوا دينهم بثمن قليل، وههنا في الهند أكثر القسيسين مأجورون للحكومة ومنافقون. فقلت: إنك جعلت المسيحية عنقاء مغرب، مع أن الأرض مملوءة بأهلها إذ كفرتَ أهل أوربا وأمريكا، ثم كفرتَ القسيسين وبقيتَ وحدَك. فقال: لا يهمني ذلك. وأخذ الإنجيل ووضع سبابته اليمنى عليه وقال: الذي يهمني هو اتباع هذا والدعوة إليه كما أمر المسيح، ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.
ثم تباحثنا في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فأظهر أولا الإيمان بهم، ثم لما حميت المناظرة جحد كتب الأنبياء إلا التوراة وقال: إن التوراة إنما هي كتاب قانون ليس فيها كمال روحی ولا حب ولا رحمة، ولذلك جاء المسيح ليتم الدين، وتعليمه روحی، ودينه ليس بدين قوانين، بل هو حب ورحمة وسعادة روحية.
قلت له: إن تحريم تعدد الزوجات وإيجاد تعطيل يوم الأحد بدلا من السبت وغيرهما مما نسبته أنتَ نفسك إلى المسيح هو من القوانين والشرائع لا من الكلام الروحي.
ثم تكلمنا في عصمة الأنبياء، فأنكرها ورماهم بالكبائر الموبقات. فحمدت الله على دين الإسلام وعلمتُ أن وقوف النصرانية في وجهه من الأوهام والأحلام، كيف وقد أجمع الأحرار كلهم من علماء العصر على أنه لا يوجد دين على وجه الأرض يستطيع مقاومة الإسلام أو يتفق مع المعقول والمصالح اللازمة للبشر سوی هذا الدين الذي هو دين جميع أنبياء الله ودين الفطرة، ولولا أن المنتسبين إليه رغَّبوا الناس عنه وحجبوه بأعمالهم المقبوحة لما تجرأتْ عليه هذه النابحات، ولعَمَّ معظم أهل الأرض في زمان قليل. ومع ذلك فيجب أن نعمل ولا نيأس من روح الله، إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون.
محمد تقي الدين الهلالي
مجلة الفتح: العدد 359 (العام 8) – 3 جمادى الأولى 1352هـ – ص: 4-7