اعلموا وفّقكم الله لسلوك سواء السّبيل وحفظكم من الوقوع في مهاوي الجهالة أنّ المؤمنين جميعا أولياء الله ومن لم يكن وليّ الله فهو عدوّ الله وقد رأينا كتاب الله جعل النّاس فريقين أولياء الله وأعداء الله وبيّن أوصاف الفريقين لكن ولاية الله تتفاوت تفاوتا عظيما فمن المُسلمين من يكون حظّه منها ضئيلا جدا حتّى يكون ظاهره بأعداء الله أشبه منه بأوليائه وهذا الذي يُخلف عليه سوء الخاتمة لانهماكه في المعاصي وجهله بما جاء به كتاب الله وسنّة نبيّه ولقلّة نصيبه من أسباب الولاية التي ذكرها الله في قوله (أَلَاۤ إِنَّ أَوۡلِیَاۤءَ ٱللَّهِ لَا خَوۡفٌ عَلَیۡهِمۡ وَلَا هُمۡ یَحۡزَنُونَ * ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَكَانُوا۟ یَتَّقُونَ * لَهُمُ ٱلۡبُشۡرَىٰ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَفِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ) فجعل الله الإيمان والتّقوى شرطا في نيل الولاية والإيمان والتّقوى يتوقّفان على معرفة ما يُؤمن به المرء وما لا يُؤمن به وما يتّقيه وما يعمله وقال الإمام ابن عاشر رحمه الله :
وحاصل التّقوى اجتناب وامتثال
في ظاهر وباطن بذا تُنال
وإنّما يعرف ذلك بمعرفة الكتاب والسّنّة اللّذين هما موضوع درس المُصلحين، فمن النّاس من يُفّقه الله إلى العلم والعمل فيزيد إيمانه وتقواه فتكون درجة ولايته عالية عظيمة إلى أن يبلغ إلى الصّدّيقيّة ومنهم من يقلّ إيمانه وتقواه ويستزلّه الشّيطان ويُزيّن له مُعاداة العلماء واتّباع الجهّال فيضلّونه حتّى يبلغ إلى دركة الفسق ويكون نور إيمانه ضعيفا مع اشتداد رياح البدع والأهواء فربّما أدركته عناية سابقة فتاب ورجع إلى الله باتّباع الكتاب والسّنّة والسّلف الصّالح ورُبّما انطفأ نور إيمانه فمات على سوء الخاتمة عياذا بالله ولِياذا به. وبين الفاسق والصّديق درجات كثيرة حسب تفاوت النّاس في الإيمان والتّقوى.
الحكم بالصّديقيّة
الصّدّيقيّة هي الولاية الكبرى وهي ما أخفاه الله وحرّم على عباده أن يتقدّموا بين يديه فيدعوا لأنفسهم أو لغيرهم إلاّ على سبيل الظّنّ والرّجاء فلا بأس أن يقولوا في رجل أنّه صالح ونرجو أن يكون من أهل الولاية الكبرى ولا يجزمون إلاّ إذا أخبر الله ورسوله عن أحد أنّه صدّيق أو من أهل الجنّة فإنّهم يجزمون بذلك ويُؤمنون. هذه هي عقيدة أهل السّنة وليس الرّقص والجهل والحفلات الكنسية بسبيل إلى الولاية البتّة والمُصلحون يُحبّون أولياء الله الكاملين ويدعون النّاس إلى اتّباعهم وقد كان الإمام مالك وأصحابه كالشّافعي وأحمد ويحيى وعبد الله بن يوسف وغيرهم من أهل الولاية الكُبرى ولا يُمكن لوليّ من أهل القرون الأخيرة أن يبلغ مبلغهم فهم أولى بالاتّباع لأنّهم من أهل القرون المُفضّلة والمُصلحون يتّبعونهم فهل يتّبعهم أضدادهم فهذا الميزان بين أيديكم أيّها المُنصفون فزنوا واحكموا ولا تتّبعوا الهوى وتشطّوا في الحكم.
محمّد تقيّ الدّين الهلالي
جريدة الصراط السوي، السنة 1، العدد 6، الإثنين 11 رجب 1352هـ، 30 أكتوبر 1933م – ص: 3و6