المجال الرئيسي للاستفادة:
كان المجال الرئيسي الذي توخيت الاستفادة فيه من العلامة الهلالي، هو مجال النحو والعربية والأدب، فقد كان للأستاذ الهلالي باع طويل في العلوم كلها، إلا أنه كان يعرف في المجتمع الجامعي والبيئة العلمية هناك بعلو كعبه في علوم السنة، وكان قد جمع بين حفظ متون الحديث وكتاب الله تعالى مع اطلاعه الواسع على المسائل الفقهية والدينية، وأوال الأئمة وتصلبه في العقائد واستنباطه لما هو أقرب إلى الكتاب والسنة، ولذلك فإن جماعة بغداد طلبت منه إلقاء محاضرات في كلية تدريب المعلمين حول المواد الدينية مما يتعلق بالتفسير وشرح الأحاديث والفقه الإسلامي، ولكنه كان ينتهز الفرص خلال إلقائه هذه المحاضرات أمام طلابه لشرح المسائل النحوية والاستشهاد بكلام الفحول من شعراء العرب، وإعراب العبارات الغامضة بحيث يتضح المعنى، وينحل اللغز.
برنامج دراسي للاستفادة العلمية:
وكم كنت سعيد الحظ بما قد تكرم به أستاذنا الهلالي من وضع برنامج لي تتيسر به الاستفادة منه في مجال العربية والآداب والتعبير والإعراب، وخاصة بعدما ما رأى حرصي على ملازمتي إياه وانتهازي لهذه الفرصة التي أتاحها الله لي عنده، ولقد قرر لي كتابا في النحو وهو شرح شذور الذهب لابن هشام أقرؤه عليه بشيء من التحقيق واستعراض مسائل الإعراب من كل باب، والتفهم لوجوه وفروق ومعاني النحو التي لها دور كبير في بلاغة الكلام وتذوق اللغة وصحة التعبير، وكتابا آخر في الشعر العربي إذ وقع اختياره على ديوان الحماسة الذي يعتبر من أحسن دواوين الشعر العربي وأجمعها لأصناف الشعر وأبوابه.
وذلك عدا الاستفادات المنوعة التي كنت أحظى بها مع ملازمتي إياه طوال أوقات عمله، فقد كنت أذهب معه إلى الجامعة وأحضر معه في كل حصة دراسية كان يدرس فيها درسا من الحديث والتفسير ويلقي فيها محاضرات حول مختلف المواضيع من العربية واللغة والإعراب، وكنت لا أفارقه حتى يأذن لي بالعودة إلى مقري، أو يشتغل هو بنفسه أو بأمور خاصة لا شأن لي بها.
تباشير خير مع كل صباح:
كنت أعيش في جو ديني صالح مع إخوة في الدين في مقر جمعية إنقاذ فلسطين وكان في موقع جميل وعلى باب المعظم من بغداد، وكنت أقضي كل أوقاتي بعد العودة من الدراسة في نشاطات دينية لا يخلو منها يوم في هذا المركز الديني، مع جماعة من الإخوة المحبين ممن كانوا يكرمونني ويعطفون علي بحبهم ويرون في أخا عزيزا جاء إليهم من الهند لغرض علمي وديني فحسب، ولقد كان كثير منهم يعرفونني من خلال كتابتي في مجلة “البعث الإسلامي” وبصفتي مدير تحرير لها آنذاك.
ورغما من تعارفي إلى هؤلاء الإخوة في الدين وقضاء لحظات طيبة في مجالسهم واجتماعاتهم ونشاطاتهم الدعوية كنت أترقب بصبر نافذ كل مساء صباح النهار القادم الجديد الذي أتوجه فيه على جناح شوق نحو محلة “الأعظمية” حيث كان يسكن أستاذي الجليل الدكتور محمد تقي الدين الهلالي، وألازمه مع لحظة حضوري لديه إلى ما شاء الله أن أبقى معه.
فكنت أرافقه إلى الجامعة إذا كانت له هناك محاضرات صباحية، وبعد العودة منها كنت أتابع دروسي أمامه في منزله وأقرأ له ما كان يأمرني بقراءته من كتب المراجع أو الكتب الجديدة التي كانت تأتي إليه كهدية من مختلف الجهات والمكتبات وأحيانا كان يطلب مني قراءة المجلات والجرائد التي كانت ترد إليه بالبريد وخاصة محلة “دعوة الحق” التي طالما تضمنت بحوثه العلمية ومقالاته الأدبية المفيدة، وبعدئذ كنت استأذنه للعودة إلى مقري، وذلك في الأغلب بعد ظهر كل يوم.
كتب أخرى للمطالعة الخاصة:
وقد وضع لي الأستاذ الجليل قائمة من الكتب لكي أدرسها وأستفيد منها بمطالعتي الخاصة، منها شرح الألفية لابن عقيل الهمداني الذي قال فيه أبو حيان قولته الشهيرة: ما تحت أديم السماء أنحى من ابن عقيل، وشرح الألفية لابن هشام الذي أسماه (أوضح المسالك في ألفية بن مالك) وشرح الألفية لأبي الحسن علي نور الدين بن محمد الأشموني (المتوفى سنة 900هـ) وأسرار العربية، لإمام العربية عبد الرحمن بن محمد بن أبي سعيد الأنباري (513-577هـ) وكان قد صدر الكتاب بتحقيق عالم الشام الكبير العلامة محمد بهجة البيطار رحمه الله، وكذلك، أشار علي بمطالعة كتاب الأمالي لأبي علي القالي، والكامل للمبرد، وخزانة الأدب للبغدادي، وكتاب البيان والتبيين للجاحظ.
أما في الشعر العربي فكان ديوان الحماسة لأبي تمام في الدرجة الأولى عنده، ودواوين الشعر الأخرى للشعراء الجاهليين، مع المعلقات السبع، وللشعراء الإسلاميين، كديوان حسان بن ثابت والفرزدق وجرير، والشريف الرضي، وكان يتناول المتنبي بالنقد اللاذع ويعتبره في طبقة عادية من الشعراء المكتسبين، ولذلك كان كلامه خاليا في معظم الأحوال من الروح الفنية، ومن العاطفة والوجدان، وطالما يتضمن ألحانا لغوية وإعرابية لا تخفى على أهل العلم والبصيرة والنقد.
طلبت إليه أن يوجهني في شأن الكتابة والتعبير العربي، فقبل ذلك، وأمرني بالكتابة حول موضوعات تتعلق بالتراجم والرحلات وأحداث الحياة والمجتمع، فكنت أكتب وأعرضها عليه أحيانا فكان يتناولها بالإصلاح والإرشاد والتهذيب، ويشير خلال ذلك إلى نقاط مهمة ذات فوائد عظيمة، وإلى الأسلوب الصحيح للتعبير العربي الخالص مع الابتعاد عن التعبيرات الأجنبية التي دخلت في العربية عن طريق اللغة الفرنسية واللغة الانجليزية.
خطبة الجمعة في جامع الدهان:
هذا الجامع مبني على الطراز الجديد، وهو من الجوامع الجديدة التي يؤمها الشباب المسلم والعلماء وأهل العقيدة السلفية الذين يبتعدون عن الجوامع التي فيها قبر أو ضريح، وقلما يخلو الجوامع القديمة في بغداد من القبور والضرائح وكان العلامة الهلالي مسئولا عن إلقاء خطبة الجمعة في هذا المسجد، فكان من عادتي أن أبكر إليه صباح كل جمعة، وأقرأ عليه من كتب السنة والتفسير ما يأمرني به، وذلك استعدادا للخطبة وصلاة الجمعة في هذا المسجد الذي كان يأتي غليه حشد عظيم من الناس لاستماع الخطبة، وأداء صلاة الجمعة فيه ذاك أن الأستاذ الهلالي كان يتناول في خطبه البليغة مسائل المسلمين ومشكلاتهم ويعرضها على مرآة الكتاب والسنة، ويوازن بين ما يعيش فيه المسلمون اليوم وما عاش فيه المسلمون السابقون. وطالما كان يستشهد في أثناء خطبته بنصوص الكتاب والسنة، وشواهد التاريخ الإسلامي، فكانت بمثابة درس ديني عظيم يخاطب العقول، ويؤثر في النفوس، بجانب ما كانت تتمثل فيها من بلاغة الكلام وفصاحة البيان، وإظهار الإعراب والتركيز على صحة التعبير والأداء ما لا يخفى على المطلعين العارفين.
قبسة من أنوار الوحي:
وضع الأستاذ الكبير كتابا للطلاب الذين كان يدرسهم في الجامعة، في “دار المعلمين العليا” وضمنه قبسات من كتاب الله تعالى وطائفة من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتناول كل ذلك بشرح علمي وديني مستفيض حتى تكونت مجموعة طيبة للطلاب والمدرسين جميعا استوفت الجوانب اللازمة للتربية الدينية وبناء السيرة الإسلامية، وقد اهتم الأستاذ بطبع الكتاب على نفقته الخاصة وسلمه إلى المطبعة طالبا من صاحبها الاهتمام الكبير بطباعته، والإسراع في إخراجه في صورة جميلة أنيقة، وفعلا بذل صاحب المطبعة اهتمامه بتجميع الحروف وإصدار الملازم، فكان الأستاذ يمر على المطبعة كل يوم ويستلم الملازم الجديدة يطلع عليها ويأمرني بقراءتها ويملي على تصحيح الأخطاء فكنت أوشر عليها وأصوبها على حاشية كل صفحة.
وهكذا كان يبذل اهتمامه الكبير بطباعة الكتاب ويحب أن تتم في أسرع فرصة حتى يمكن توزيعه على طلابه رجاء أن يتسع نطاق فوائده الدينية ويستفيد منه الطلاب الذين كانوا بأشد حاجة إليه في مادتهم الدينية، ولما صدر الكتاب ووصلنا به إلى الجامعة وعرضه الأستاذ على طلابه استبشروا به وفرحوا، وأقبلوا إليه يزفون، وتناولوه بأيد من الشوق واللهفة وبشيء كثير من التقدير والإعجاب.
إفادته القيمة خلال الدراسة:
وفي دروس النحو والإعراب كان ينتهز الفرص للإفادة العلمية وإلقاء مسائل الباب، مما لم يكن الطلاب يعرفونها في أغلب الأحوال ولا كان المدرسون يعتنون بها أثناء تدريسهم لكتب النحو والإعراب بوجه عام، فعلى سبيل المثال: الجار والمجرور أو الظرف إذا كانا صفة أو حالا أو خيرا أو صلة فإن متعلقهما يكون واجب الحذف، ويقدر وصفا أو فعلا، إلا في الصلة فلا يقدر إلا فعلا، مثل الجار والمجرور إذا كان صلة “الله يعلم ما في قلوبكم” في قلوبكم جار ومجرور متعلق بفعل محذوف وجوبا، تقديره: الله أعلم ما كان أو ما ثبت في قلوبكم، ولا يجوز أن يكون التقدير بوصف يعني، كائن أو ثابت، والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
أما إذا كان الظرف صلة فمثاله “ما عندكم ينفد وما عند الله باق” عندكم ظرف متعلق بفعل محذوف وجوبا، تقديره: كان أو استقر، ولا يجوز أن يكون وصفا يعني: كائن أو مستقر، والجملة صلة الموصول ولا محل لها من الإعراب.
وبهذا الأسلوب كان يركز على تفهيم القواعد الأساسية وتحبيب مسائل الإعراب كفن له أهمية كبرى في العلوم كلها، وأن القلم واللسان لا يكادان يستقيمان بدون إتقان وجوه الإعراب ومسائله وأبوابه وأحكامه.
وكان يوصي طلابه بمطالعة كتب الشواهد، للاطلاع على الموضوع والتعمق فيه، كشرح الشواهد للعيني، وشرح الشواهد، المغني للسيوطي، وشرح الشواهد، المغني للأمير، ومغني اللبيب لابن هشام.
تركيزه على صحة النطق إعرابا وحركات:
لم يكن يقدر أي طالب مهما كان ذكيا أو شاطرا أن يفلت من مؤاخذاته على الأخطاء في النطق أو الإعراب والحركات وقد أرشدني في هذا المجال إلى أخطاء تقع في وضع الكلمات مثلا تحريك عين الكلمة في ساكنها وإسكان العين في متحركها. وضم فاء الكلمة وكسرها فيما هي بفتح الفاء، وهكذا لم يكن يغفل شيئا من هذا النوع أبدا، بل وكان يضغط عليه ضغطا كاملا، ويستشهد على قوله من نصوص الكتاب والسنة ثم الشعر الجاهلي وكلام العرب الأقحاح.
سألته ذات مرة عن كلمة “المشربة” فقال: لأنهم كانوا يخصون الغرف للشرب، وكذلك الشارب، الشعر الذي يكون على شفة الإنسان العليا، ذلك لأنه يشارك الشفة في عملية الشرب فكأنه يشرب أيضا، كما يسمون الشوارب، الساكنين على ضفة النهر الذين يشربون من مائه باستمرار، ويسمون الشوارب مجاري الماء في الحلق، لأنها تكون شريكة في الشرب دائما، والشربة بالضم تسمى الحمرة التي تكون في الوجه وتبدو كأنها شربت الدم الآن.
هذا عدا الكلمات الكثيرة التي تكرم بشرحها وتصحيح نطقها أو حركتها، وكان يكره التجاوز عن استعمال الكلمات الفصيحة إلى استعمالها عامية أو دارجة، ويأمرني بالابتعاد عن اللهجات العامية والفرار عنها في كل مناسبة، ويقول: إن اللغة العربية أصبحت شبه ميتة في بلدها ومهدها، فقد تركها أهلها واختاروا مكانها اللهجات العامية التي تعارض روح هذه اللغة، ويقول: لولا الكتاب والسنة لما بقيت للغة العربية أي باقية، واندرست اللغة العربية وأصبحت أثرا من آثار التاريخ.
غيرته على العربية، قصة طريفة:
بلغ من شدة غيرته على اللغة العربية بحيث إذا سمع أحدا يتكلم بلغة مشبوهة يغضب عليه ويوصيه بالالتزام بالفصحى، إذ لم يكن هو نفسه يرضى في أي حال بأن يستعمل لهجة عامية مع أحد، حتى مع أهله وأولاده، وبالمناسبة حضرتني قصة طريفة حكاها لي، وهي أنه لما سافر إلى مصر بطريق البحر وركب القطار من بور سعيد متجها إلى القاهرة، جاءه مفتش التذاكر في القطار وطلب منه تذكرة السفر قائلا: “ورأ” (1) فلم يفهم الأستاذ كلامه وظن أنه يطلب منه الذهاب إلى الوراء، ولكنه أعاد نفس اللهجة وقال: “ورأ” فوقف من مكانه وتأخر قليلا إلى الوراء، فقال له بعض الركاب: لا، لا! إنه يطلب منك التذكرة، فأخرجها واراها المفتش، ثم تناوله باللوم على التخاطب بمثل هذه اللغة العامية، وأوصاه بالتكلم باللغة العربية السليمة.
وقصة أخرى شبيهة بالأولى حدثت له في القاهرة، وهي أنه لشراء بعض الحاجيات وقف على مخزن تاجر، فسأله عما يريد شراءه بقوله: “عاوزيه” فلم يفهم معناه الأستاذ وبقي محتارا لما يقول، وظن التاجر أنه لم يسمع كلامه فرفع صوته بقوله السابق وقال بشيء من التأني ورفع الصوت “عاوزيه” وقبل أن يرد العلامة الهلالي بكلام، عاد قائلا: “ما بتعرف عربي” وفهم العلامة كلامه هذا، ورد عليه بقوة وثقة وغيرة “لا أعرف إلا العربية” وهنالك انطلق التاجر يتكلم بالعربية الفصحى وسأله “ماذا تريد” (2).
انتقاده لطريقة تعليم العربية بغيرها من اللغات:
سألته ذات يوم خلال شرحه لعبارة غريبة، ما هي الطريقة الصحيحة لتعليم اللغة العربية في البلدان الأعجمية كالهند مثلا، فانبرى قائلا من غير تأخير: هي أن نعتمد في تعليم اللغة العربية على اللغة العربية نفسها، ولا ينبغي أن نترجمها إلى لغة، فالطالب مهما كان مبتدئا ومتوحشا ولكنه بشيء من الصبر والمثابرة يعود إلى رشده، ويستطيع أن يفهم العربية بالعربية، ولكن ذلك يتوقف على المعلم واجتهاده في التعليم وإخلاصه للطلاب، وكان يتناول معلمي اللغة العربية في بلاد الهند بالنقد اللاذع، ويقول: إن العيب كل العيب في مدارس الهند العربية أن المدرسين فيها يعتمدون على لغة “أردو” حتى في تعليم مادة اللغة العربية والنحو والإعراب والأدب العربي، وكان يستنكر هذه الطريقة ويلح على التعليم باللغة والعربية، ويعتبره الطريق الصحيح النافع.
وقد اتفق له أن حضر في دروس علماء الهند في مدارسهم يوم كان في الهند، وذكر لي أنه حضر يوما حلقة درس لديوان المتنبي في إحدى المدارس الكبرى، وكان الأستاذ يشرح بيتا من شعر المتنبي بعيدا عن مراد الشاعر، فسأله العلامة الهلالي عما إذا كان شرحه يطابق مفهوم كلام الشاعر، فغضب عليه الأستاذ وقال لتلاميذه: اقرأوا، فإنه حمار لا يعرف شيئا (عبر عن هذا المعنى بلغته الأردية) فكان العلامة الهلالي سيء الظن بمدرسي اللغة العربية في الهند، وحتى كان يعارض الكتاب الجدد والأدباء المزعومين، ويتناول أسلوبهم الأدبي بنقد لاذع، وخاصة التعابير التي استوردوها من اللغات الأجنبية ودمجوها بالعربية، على أنها لغة غنية لا تحتاج إلى ذلك في أي حال، وسئل عن طه حسين وأدبه، فاكتفى بأن يقول: إنه أعمى البصر والبصيرة، وقال مرة: إنه حمار يحمل أسفارا من الغرب.
اتساعه العلمي ونظرته العميقة:
كان حافظا لمتون الأحاديث بما لا يأتي عليه الحصر، كما كان واسع الاطلاع على جوانب لغوية بفروقها ومفاهيمها ولهجاتها ونطقها وحركتها، ولذلك فلم يكن أدنى خطأ في النطق أو الحركة جديرا بالصفح أو الغفران عنده، بل كان يؤاخذ على ذلك ويشرح الصحيح من الخطأ، ويأتي له بالدليل من القرآن والسنة أو من كلام العرب، ويدلي بملاحظاته اللغوية والأدبية.
وكان يتقن عدة لغات عالمية مثل الانجليزية والفرنسية والألمانية ويوازن بين تعابيرها وتعابير العربية ويشير إلى اللهجات الخاطئة والتعابير الدخيلة الشائعة بين الأدباء والكتاب المعاصرين، ويقول: لا أدل من ذلك على انتقاصنا للغتنا ولهجاتنا، وإصابتنا بمركب نقص في مجال العلم والأدب.
وقفت ذات يوم على أسماء الشهور التي تبدأ من كانون الثاني وينتهي بالكانون الأول، وسألته عن بعض تفاصيلها فقال إنها سريانية وأملى علي بيتا بالعربية يتعلق بأسماء هذه الشهور وهو كما يأتي:
بكانون شبوط فذر يا أنيس من *** يرى الموز حرزا آب أيلول
وعد لي الأسماء كلها بالترتيب الآتي:
كانون الثاني (يناير) شباط (فبراير) آذار (مارس) نيسان (أبريل) أيار (مايو) تموز (يونيو) حزيران (يوليو) آب (أغسطس) أيلول (ديسمبر).
وكان يرى أن الكتاب الموثوق به في المفردات اللغوية هو القاموس، للفيروز آبادي، ولسان العرب، لابن منظور.
ثناؤه على خدمات العلماء والأئمة المجتهدين:
كان كثير الثناء على الخدمات العلمية والدينية التي قام بها علماء المسلمين وأئمة الإسلام المجتهدين في مجال نشر الدين وتحبيب اللغة العربية وتعميم الفقه الإسلامي في الأمة الإسلامية، لم يكن ينقص مكانة هؤلاء الأعلام من الأمة، ولا كان يقلل من الاحترام لخدماتهم العظيمة في الإبقاء على نقاء الدين وشخصيته العملاقة، إنما اعترف بعبقريتهم، وأثنى على مجهوداتهم المقبولة عند الله تعالى.
وكان يخص شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العظيم ابن قيم الجوزية بالتقدير والاحترام نظرا إلى الخدمات العلمية والدينية العظيمة التي وفقهما الله إليها، وبالأخص في تصحيح عقائد المسلمين وإنقاذهم من البدع والضلالات، بقوة البراهين وصلابة الحجة التي أودعها في مؤلفاتهم وكتبهم الجليلة، وبإخلاصهما لله تعالى الذي كان السر في توفيقهما ونجاحهما وإقبال المسلمين عليهما وانتفاعهم بهما.
ولقد كان الأستاذ الهلالي سببا كبيرا في معرفتي ما لهؤلاء الأعلام من منة كبرى على الأمة الإسلامية في العلم والإيمان، والدين والعقيدة.
ويكفيني هذا القدر القليل من القدر الكثير في هذا الموضوع، ولا يسعني في الأخير إلا أن أتوجه إلى الله تعالى طالبا منه الجزاء الأوفى لأستاذي الكبير في آخرته، لقاء منته الكبيرة علي، ومعروفه الذي صنع إلي بالعلم والأدب وبالثقة العظيمة باللغة العربية والعلوم الإسلامية، التي شحن بها نفسي، ولولا أن أستاذي الكبير ومربي الجليل العلامة السيد أبا الحسن علي الحسني الندوي غمرني بخاصة لطفه وشفقته ولولا أنه أتاح لي هذه الفرصة الغالية لما تمكنت اليوم من كتابة هذه السطور بهذه اللغة الكريمة، والله المسئول أن يتولى جزاء الأستاذين الكبيرين بأحسن وأوفى ما يجزي به عباده المؤمنين المخلصين.
وصلى الله على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه وبارك وسلم.
سعيد الأعظمي الندوي
مجلة البعث الإسلامي: العدد 6، المجلد 32، ربيع الأول 1408هـ/ أكتوبر ونوفمبر 1987م – ص: 80-90