6) قوله عليه الصلاة والسلام: “إن الله لا يسألكم عن أحسابكم ولا عن أنسابكم يوم القيامة، إن أكرمكم عند الله أتقاكم. هذا يقضي على ما تعتقده العامة من المغاربة إذ تزعم أن الأحساب والأنساب تنجي أصحابها من عذاب الله وتوجب لهم الكرامة عند الله. ومن أقوالهم في ذلك (سيدتنا تعرف أولادها يوم القيامة) يريدون بذلك فاطمة عليها السلام. ومقصودهم، أن من كان من ذريتها وغمط حقه في الدنيا وترك نسيا منسيا ولم يلتفت إليه، ففاطمة ستعرفه في الآخرة وتدخله الجنة وتظهر فضله. ولا يقتصرون على ذلك بل يزعمون أن من أحب آل البيت وهم في اعتقادهم أولاد فاطمة فقط يدخلونه الجنة ويضمنونها له، ولا حاجة به إلى العمل. ويقول بعض الجهال له، إن النار لا تمس جسمك حتى تمس جسمي أنا فيصدق ذلك الغمر ويطمئن. وهذا تكذيب لجميع آيات الوعيد والأحاديث المفسرة لها. افلا يعلم هؤلاء الجهال أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم وهو الشفيع المشفع إذا لم يصحبها إيمان وعمل لا تنجي صاحبها من عذاب الله ولا توجب له الكرامة عند الله. قال الإمام ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء}، يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم إنك يا محمد لا تهدي من أحببت أي ليس إليك ذلك. إنما عليك البلاغ والله يهدي من يشاء وله الحكمة البالغة والحجة القاطعة. كما قال تعالى:{ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء}، وقال تعالى:{وما أكثر الناس ولو حرصت بمومنين}، وهذه الآية أخص من هذا كله، فالله تعالى قال:{إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين}، أي هو أعلم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الغواية.
وقد ثبت في الصحيحين أنها نزلت في أبي طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان يحوطه وينصره ويقوم في حقه ويحبه حبا طبعيا لا شرعيا، فلما حضرته الوفاة وحان أجله دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان والدخول في الإسلام فسبق القدر فيه واختطف من يده فاستمر على ما كان فيه من الكفر ولله الحكمة التامة. قال الزهري: حدثني سعيد بن المسيب عن أبيه وهو المسيب بن حزن المخزومي قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عم، قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله. فقال أبو جهل وعبد الله بن أمية: يا أبا طالب، أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعودان له بتلك المقالة حتى كان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “والله لأستغفرن لك مالم أنه عنك”. فأنزل الله تعالى:{ماكان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى}. وأنزل في أبي طالب:{إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء} فلو كانت المحبة وحدها تنفع أو تشفع أو تدفع لكانت مجبة رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعت أبي طالب عمه.
7) قول ابن كثير: ومن عصاه من خلق الله كائنا من كان فليتبرأ منه. فقوله كائنا من كان هو منطوق الآية وهو ما دلت عليه الواو في عصوك، فلا يخرج عنه أحد من آل البيت أو غيرهم، وقد نطقت الأحاديث بذلك، وتقدم بعضها وسيأتي التعليق عليها.
قوله: يا صباحاه: جرت عادة العرب أن تدعو بمثل ذلك إذا أغار عليها عدو في الصباح والناس غافلون ليأخذوا حذرهم ويدافعوا عن أنفسهم. وأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يجمعهم بذلك النداء ليحذرهم من عذاب الله ان استمروا فى الكفر والمعصية. والتب والتباب: هو الهلاك والخسران. وقصد أبو لهب بذلك شتم النبي صلى الله عليه وسلم. وأسند التباب في الآية إلى يديه، لأن الإنسان يتولى أكثر الأعمال بيديه كما قال تعالى: {ذلك بما قدمت يداك}، أي بما قدمت بيديك وغيرهما من جوارحك كاللسان والسمع والبصر والفؤاد والرجلين ومثل ذلك مألوف في كلام العرب.
جريدة الميثاق: عدد 01 صفر 1383هـ موافق 24 يونيو 1963م. ص: 3
أجزاء السلسلة:
حقوق آل البيت مالهم وما عليهم (1)
حقوق آل البيت مالهم وما عليهم (2)
حقوق آل البيت مالهم وما عليهم (3)
حقوق آل البيت مالهم وما عليهم (4)
حقوق آل البيت مالهم وما عليهم (5)
حقوق آل البيت مالهم وما عليهم (6)
حقوق آل البيت مالهم وما عليهم (7)
حقوق آل البيت مالهم وما عليهم (8)