عاش ما يربو على مائة عام وطاف خلالها القارات فكان في الهند ونجد وفي المانيا وفرنسا، وهو مغربي الأصل والنشأة والولادة كان آخر أعماله أستاذاً في الجامعة الإسلامية بالمدينة.
يقولون عنه أنه يتحدث الإنجليزية والفرنسية والألمانية والأردية ويكتب مؤلفاته باللغة العربية. في عام 1412هـ كنت في المغرب العربي وبالتحديد في مدينة فاس والدار البيضاء وبهما التقيت بالشيخ تقي الدين الهلالي وأمضيت معه بعض الوقت وترددت على منزله. كما تم التجوال معه في مدينتي فاس والدار البيضاء ومن حوله التلاميذ الذين يحفون به ويتتلمذون عليه وهم قليل، إذ كان الشيخ رحمة الله حاد الطبع قوي الخصومة ضد خصمه ومعارضيه.
ذهبت معه إلى المسجد لأداء الصلاة جماعة فأوقفنا عند باب المسجد وقال ننتظر حتى يكمل هؤلاء الكفار صلاتهم، يعني بالكفار التيجانيين، وقد ألف كتاباً كفر فيه اصحاب الطريقة التيجانية.
وللشيخ الدكتور مؤلفات كثيرة طبع الكثير منها. وهو شاعر عريق في الشعر. كان الشيخ تقي الدين يملأ المجلس بحديثه المتواصل وذكرياته الغابرة عن تجواله في العالم، ولكن عاطفته وشوقه وحبه لشعب الجزيرة العربية. وقد تتلمذ على مشايخ نجد ومنهم الشيخ عبد الله بن عبداللطيف آل الشيخ المتوفى سنة 1339هـ وهو عالم نجد ومفتيها في وقته. وقد تأثر به الهلالي واستفاد منه في علم التوحيد والعقائد والسير وذكر حوادث الزمان وتاريخ آل سعود حتى تأصل ذلك في قلب الفتى المغربي.
تقي الدين الهلالي يتحدث كثيراً عن الملك فيصل وعبقريته. قال ذات يوم لقد ذهب الملك فيصل إلى فرنسا والتقى بدكتور فرنسي شهير فعرض عليه الإسلام فقال ذلك الفرنسي أنا اعترض على الإسلام فكيف أسلم. فقال الملك فيصل لو درست الإسلام بلغته العربية لأسلمت. قال الهلالي فانصرف ذلك الدكتور إلى دراسة اللغة العربية ثم درس الشريعة فأسلم بعدها وحسن إسلامه وهاهو يدافع عن الاسلام بدحض الشبه التي كانت عالقة في ذهنه هو وغيره.
وكما أسلفت فإن الشيخ الهلالي حاد الطبع يستثيره أدنى خلاف مع خصمه. فقد رد على التيجاني بكتاب مطبوع، كما رد على جماعة التبليغ، وهو على خلاف مع الشيخ أبي الحسن الندوي إذ كان هو أحد أساتذة ندوة العلماء وزامل الشيخ الندوي في ندوة العلماء في لكنو بالهند. فكان رحمه الله لايتورع أن ينال من أبي الحسن وصوفيته !
أما من يرضى عنهم الشيخ الهلالي وفي مقدمتهم سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز، إذ كان يكن له الود والمحبة ويعترف بفضله وعلمه. واستقر آخر حياته بالدار البيضاء إلى أن توفي رحمه الله وغفر له. وقد أهدى لي جملة من كتبه ومؤلفاته المطبوعة وفيما علمت أن ما يزيد على عشرين مؤلفاً في فنون العلم قد كتبها وطبعها ويهدي الكثير منها لاحبابه وأصحابه. كان شخصية نادرة بحدة ذكائه وصبره وجلده وطول عمره وتقلبه في آفاق المعمورة. ولقد أشرف على طباعة وتصحيح ترجمة معاني القرآن الكريم باللغة الألمانية وشارك في إعدادها وانجازها غفر الله له ولجميع المسلمين وصلى الله على محمد.
أعلام وعلماء عايشتهم
بقلم/ إسماعيل بن سعد بن عتيق
جريدة الجزيرة: عدد 20 فبراير 1998