اقتُرِح علي قبل سنوات أن ألقي كلمة باللغة الألمانية على وفد ألماني جاء لزيارة المغرب، فلبيت الاقتراح وحضر الوفد، عدد أفراده رجالا ونساء من جميع أنحاء ألمانيا سبعة عشر، وكان ذلك في بلدية المدينة الجديدة بمكناس وكان ذلك مساء الأحد 24 من المحرم سنة 1388 هـ موافق 21/4/68م، ونص الكلمة:
أيها السيدات والسادة أحييكم تحية طيبة، وأرحب بكم، وقد اقترح ان ألقي على مسامعكم كلمة في فضائل الإسلام، بلغتكم الألمانية، فلبيت الطلب للاجتماع بكم، وسأتكلم باختصار، ثم أكون مستعدا لإجابة ما يرد علي من أسئلة.
ما معنى الإسلام
قال عالم إنكليزي: الإسلام هو التسليم والانقياد لإرادة الله تعالى، يمكنكم أن تقولوا: وكيف نعرف إرادة الله تعالى؟ فأجيب بأننا نعرفها بواسطة الرسل الذين أرسلهم الله إلينا، كنوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد (صلوات الله عليهم أجمعين) ويمكنكم أن تقولوا: إن هؤلاء الرسل جاءوا بشرائع مختلفة، فأقول: إن شرائعهم، وإن كانت مختلفة، فإنها لا تختلف في أمرين عظيمين:
أولهما: توحيد الله بالاعتقاد أنه هو الله الذي خلق السموات والأرض، وهو خالق كل شيء، ومدبر كل شيء، فلا يعبد إلا الله، ولا يتوجه إلا إليه بطلب الحاجات وتفريج الكربات، ولا يستعان إلا به.
ثانيهما: إقامة العدل والمساواة بين جميع الناس. فإذا نحن اعتقدنا هذين الأصلين، وتمسكنا بهما حق التمسك نستطيع أن نعيش بسلام، متعاونين على الصالح العام، وفي ذلك سعادتنا جميعا.
وقد علمنا الإسلام أن نعتقد أن عيسى المسيح من أعظم رسل الله، وأن أمه صديقة طاهرة، وأن الله تعالى أرانا معجزة دلتنا على أنه قادر أن يخلق ولدا بلا أب، وأن يهبه مريم العذراء. وهذه العقيدة عندنا تساوي عقيدتنا بصدق محمد صلى الله عليه وسلم، فمن لم يعتقدها فليس بمسلم. والإسلام يأمرنا أن نؤمن بجميع الأنبياء والرسل، من عرفنا منهم ومن لم نعرف، لأن الله بعث في كل أمة رسولا، ولم يهمل أمة من أمم.
فإن قيل: إذا كان هذا هو اعتقاد المسلمين فلماذا نراهم في العصور الأخيرة متأخرين؟ فالواجب: أن المسلمين حين كانوا متبعين للقرآن وهدى محمد صلى الله عليه وسلم متمسكين بسنته، حاكمين بشريعته، كانوا أسعد الناس وأغناهم وأعظمهم رقيا وحضارة وأعزهم، فلما تركوا اتباع القرآن والرسول ذهبت قوتهم وسعادتهم، واجتماعهم وتعاونهم، وانحطوا إلى الحالة التي هم فيها.
الأسئلة والأجوبة
1 ـ ما رأى الإسلام في هذه الحضارة الأوربية؟ وهل يستطيع المسلم أن يجمع بين التمسك بالإسلام والأخذ بنصيب من الحضارة الأوربية؟
الجواب: أن الإسلام يرحب بالحضارة الأوربية بمكتشفاتها ومخترعاتها وصناعاتها، ولا يتنافى معها أبدا، بل يرغب فيها ويحض عليها ضمن قواعده وأصوله وهو في ذلك رابح غير خاسر.
2 ـ كيف يستطيع العمال في المعامل والمصانع أن يؤدوا الصلوات الخمس؟
الجواب: أن الصلاة هي عماد الإسلام، ولا يمكن أن يقوم الإسلام بلا صلاة، وليس فيها مشقة ولا تعويق عن العمل، لأن كل صلاة من الصلوات الخمس تتم في خمس دقائق، ولا يحتاج المصلي أن يتوجه إلى معبد، بل يصلي في مكان شغله، فإن الأرض كلها مسجد في نظر الإسلام.
والعمال يمكنهم أن ينقسموا قسمين: جماعة تصلي وجماعة تقوم بالعمل، ثم تجيء الجماعة التي صلت وتسير دولاب العمل، وتذهب الجماعة التي لم تعمل فتصلي. على أن أكثر الصلوات شرعت في أوقات الراحة كالمغرب والعشاء والصبح والظهر، وقد رخص الإسلام للجماعة والفرد في حالة الاضطرار أن يجمعوا بين الظهر والعصر، وأن يجمعوا بين المغرب والعشاء في أول وقت العشاء.
3 ـ قالت سيدة: كيف يستطيع العمال في معاملهم أن يصوموا رمضان من الفجر إلى الغروب، إذا صاموا يتعطل العمل؟
للجواب: فقلت لها: قبل أن أجيب عن سؤلك أرجو أن تسمعي قصة أقصها عليك، كنا في “بن” بألمانيا سنة 1938، وكنت آكل في (بانسيون) يدعى صاحبه (هر شميت) فلما قرب دخول رمضان قلت له أرجو من فضلك أن تؤخر غذائي من الزوال إلى الساعة السادسة بعد الغروب لمدة ثلاثين يوما، فقال: ولماذا؟ قلت له: قد أقبل رمضان، وهو شهر الصيام يصوم فيه المسلمون من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فقال لي: لا تأكل شيئا أصلا؟ فقلت: لا، فقال لي: إذن تموت، فقل لا أموت إن شاء الله، فقال لي: اعلم أن بلادنا باردة يحتاج فيها الإنسان إلى أكثر مما يحتاج في بلادكم، فقلت له: اجبني عن تأخير الغذاء، فقال لي وزوجته إلى جانبه: نستطيع أن نحضر لك غذاءك في الساعة السادسة كما طلبت إلا في يوم الأحد، فإن الخدام لا يشتغلون، وزوجتي هي التي تحضر العشاء، فلابد أن تنتظر إلى الساعة الثامنة، فقلت: قبلت: وكنت في ذلك الوقت مصابا بقرحة المعدة وقد اتفق الأطباء على أن المصاب بها يجب أن يأكل في كل ساعتين أو ثلاث ساعات قليلا من الطعام، فعصيت أمرهم.
وقبل أن أبدأ في الصيام وزنت في الميزان الذي يسجل الوزن من تلقاء نفسه (أوتوماتيك) وحفظت البطاقة التي فيها مقدار وزني، فلما انتهى رمضان وزنت نفسي فألفيتني قد زاد وزني أربعة أرطال، وأخذت البطاقتين إلى (الهر شميت) وفيها تاريخ الوزن فلما قرأهما تعجب كثيرا وقال لي: مادام الإنسان في الحياة لا تزال تنكشف له أمور كان يجهلها، والآن أجيبك عن سؤالك:
اعلمي أن الإنسان مركب من روح وجسم، والسلطان للروح لا للجسم، والعبادة غذاء الروح، فإذا قوى الروح أعطى الجسم قوة خارقة للعبادة، ونحن المسلمين منذ ألف وأربعمائة سنة نصوم رمضان، وأشغالنا ماضية لم تتعطل، وعلى سبيل التنزل والافتراض نقول: إن العامل المسلم لا يشتغل في رمضان إلا أربع ساعات بدلا من ثماني ساعات، فكم يخسر؟
الجواب: يخسر مائة وعشرين ساعة في السنة لأن العمل عندنا جائز في جميع الأيام لا يجب علينا تركه في أي يوم من أيام الأسبوع، وأنتم تجبرون على ترك العمل نصف يوم السبت ويوم الأحد بتمامه فتخسرون اثنتي عشرة ساعة في كل أسبوع، زيادة على أيام الأعياد الكثيرة، كعيد الميلاد وعيد الفصح وغيرهما، فإذا ضربنا اثنتي عشرة ساعة في اثنين وخمسين عدد الأسابيع السنة يكون الخارج ستمائة وأربعا وعشرين ساعة (624).
فكيف ترين النسبة بين ما يخسر المسلمون بسبب الصيام، على فرض أنهم يخسرون، وبين ما يخسره المسيحيون؟ فما أعظم الفرق بين مائة وعشرين ساعة وستمائة وأربع وعشرين ساعة، فتعجب السامعون وأبدوا إعجابهم بهذا الجواب المسكت.
وقلت لها: إن اليهود يحرم عليهم أن يشتغلوا يوم السبت هم وخدامهم ودوابهم وسياراتهم وسائر آلاتهم بالقياس على الدولب من مساء يوم الجمعة إلى آخر يوم السبت بالإضافة إلى أعيادهم الكثيرة، وإذا كانوا مساكنين للمسيحيين كيهود أوربا وأمريكا يلزمهم تعطيل يومين في كل أسبوع، فهل تعطلت أشغالهم وتأخرت أعمالهم؟
وعند ذلك قام رجل وهو الدكتور كيزكوكر GEZ. Dr Keeke وارتجل خطبة طويلة بليغة أطراني فيها وأطرى فصاحتي بالألمانية، وذلك ما لا أوافقه عليه، لأن اللغة التي لا تشتغل في كل يوم بالتكلم والكتابة والقراءة لابد أن تنقص بنسيان بعض ألفاظها، ويقل انطلاق اللسان بها. ثم أثنى على ما شاهد الوفد في المغرب من النشاط والنظافة، وخصب الأرض واعتدال الجو، وجمال المناظر، ووداعة السكان، وذكر بالخصوص وجود الليمون المسمى بالبرتقال بكثرة واستمتاع الوفد به.
وقد أخبر الخطيب في أول خطبته أنه يتكلم باسم الوفد المؤلف من سبعة عشر من جميع أنحاء ألمانيا الاتحادية. واقترحت على السيد الرئيس أن يطلب من ذلك الخطيب أن يكتب له مضمون خطبته، لأنه مهم جدا.
وبهد انتهاء خطبة الخطيب شكرته على ثنائه وعلى مدحه لوطننا وإعجاب الوفد بما شاهده فيه، وأخبرته أن المغاربة يحبون الألمانيين من قديم الزمان ونحن نرجو الله تعالى أن يكون ذلك اليوم الذي توحد فيه ألمانيا ويجتمع شملها، ويتم ازدهارها وسعادتها جد قريب، هذا ويشارك في هذا الرجاء كل منصف ومحب للحرية والعدالة في أنحاء العالم، فصفقوا تصفيقا عاليا، كما صفقوا مثل ذلك عند نهاية كلمتي الأولى، وعند نهاية الأجوبة ودعتهم وانصرفت.
وهذه ترجمة كلمة الدكتور (كيز كوكر GEZ. DR. Keeker) التي ألقاها بالنيابة عن الوفد الألماني المرافق له جوابا عن كلمتي:
حضرة المحترم الأستاذ الدكتور الهلالي، نشكركم كثيرا من صميم قلوبنا على حديثكم الذي شرحتم فيه مبادئ الإسلام، وبينتم الأصول التي تجمع بين ديننا ودينكم، وهي الاعتقاد بأن الله إله واحد، يجب علينا الانقياد والتسليم لإرادته سبحانه، والرغبة في أن نعيش بسلام مع جميع الشعوب متحدين متعاونين على الخير العام، وقد تأثرنا أشد التأثر حين رأينا مئات من الناس يجتمعون في المساجد لأداء الصلاة في أوقاتها.
إن أعضاء وفدنا جاءوا من جميع أنحاء ألمانيا الغربية فهم يمثلونها كلها من ميونخ (جنوبا) إلى هامبورك (شمالا) ومن فرانكفورت (غربا) إلى هانوفر (شرقا) لقد عرفنا بلادكم، وشاهدنا فيها كثرة أشجار البرتقال واستمتعنا بما اشترينا منه في الأسواق، ونحن نعرف آثار ثقافة أسلافكم في برتغال وإسبانيا.
ونحن نريد أن نستمتع زيادة على ما شاهدناه بالتجول مدة أسبوع لمشاهدة المغرب الجديد العصري ولقد رأينا المدن القديمة، والمدن الحديثة والعصرية وقد تأثرنا كثيرا بتطور الصناعة، والأعمال الفلاحية في الأراضي الخصيبة والأراضي القليلة الخصب، وقد دهشنا بما رأيناه من نظافة المزارع والعناية التي يبذلها الفلاحون في كل مكان.
وقد شاهدنا في كل مكان أن هذا الشعب المغرب في وضع يمكنه من السيطرة على مقدراته، وسيتبوأ المقام الطيب اللائق به في أسرة الشعوب الأوربية وقد تأثرنا بالخصوص بمشاهدة كثرة الصبيان والشباب في بلادكم، وحيثما توجهنا رأينا الرغبة في التعلم والنظام، ونحن مسرورون بهذا التطور الذي نشاهده في المغرب الجديد. ونحن على يقين أن شعبكم الفتي سيتقدم كذلك في المستقبل.
ونعيد شكركم على هذه الفرصة التي أتحتموها لنا للتعرف على شعبكم، أما أنتم أيها الأستاذ المحترم، فإني أثني أطيب الثناء على إجادتكم للغة الألمانية.
GEZ DR Keeker الدكتور كيز كوكر
مجلة دعوة الحق، العدد 170 (العدد 4 – السنة 18) – جمادى الأولى 1397هـ / ماي 1977م – ص 32-34