باقي أجزاء السلسلة: [2] [3] [4]
بقلم: الدكتور تقي الدين الهلالي
كتب إلي السيد أحمد بن عبد الله من الدار البيضاء يسألني عن حكم قضاء الفوائت المتروكة عمدا، والتمس مني أن أجيبه على صفحات جريدة “الميثاق” وهأنذا ألبي طلبه فأقول بسم الله الرحمن الرحيم وبه أستعين.
اعلم أن الفوائت على قسمين، أحدهما فوائت الصلاة بسبب النوم والنسيان. والثاني فواتها بتركها عمدا. وهناك قسم ثالث وهو فواتها بسبب زوال العقل. ولكل من هذه الأقسام حكم معلوم مما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم. وسأسوق أولا كلام ابن القيم في كتاب الصلاة ثم أعقبه بما يفتح الله به:
قال الإمام ابن القيم في كتاب الصلاة له “فصل”
وأما الصورة الثانية وهي ما إذا ترك الصلاة عمدا حتى خرج وقتها فهي مسألة عظيمة تنازع فيها الناس، هل ينفعه القضاء ويقبل منه أم لا ينفعه ولا سبيل له إلى استدراكها أبدا؟ فقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد ومالك يجب عليه قضاؤها ولا يذهب القضاء عنه إثم التفويت، بل هو مستحق للعقوبة إلا أن يعفو الله عنه. وقالت طائفة من السلف والخلف من تعمد تأخير الصلاة عن وقتها من غير عذر يجوز له التأخير، فهذا لا سبيل له إلى استدراكها ولا يقدر على قضائها أبدا ولا يقبل منه، ولا نزاع بينهم أن التوبة النصوح تنفعه.
ولكن هل من تمام توبته قضاء تلك الفوائت التي تعمد تركها فلا تصح التوبة بدون قضائها أم لا تتوقف التوبة على القضاء فيحافظ عليها في المستقبل ويستكثر من النوافل، وقد تعذر عليه استدراك ما مضى هذا محل الخلاف. ونحن نذكر حجج الفريقين:
قال الموجبون للقضاء: لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم النائم والناسي بالقضاء وهما معذوران غير مفرطين، فإيجاب القضاء على المفرط العاصي أولى وأحرى، فلو كانت الصلاة لا تصح إلا في وقتها لم ينفع قضاؤها بعد الوقت في حق النائم والناسي. قالوا: وقد صلى صلى الله عليه وسلم العصر بعد المغرب يوم الخندق، ومعلوم قطعا أنهم لم يكونوا نائمين ولا ساهين عنها، ولو اتفق النسيان لبعضهم لم يتفق للجميع، قالوا: وكيف يكون المفرط بالتأخر أحسن حالا من المعذور فيخفف عن المفرط ويشدد على المعذور.
قالوا: وإنما أنام الله سبحانه وتعالى رسوله والصحابة ليبين للأمة حكم من فاتته الصلاة وأنها لا تسقط عنه بالتفويت بل يتداركها فيما بعد. قالوا: وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من أفطر بالجماع في رمضان أن يقضي يوما مكانه، قالوا: والقياس يقتضي وجوب القضاء فإن الأمر متوجه على المكلف بفعل العبادة في وقتها، فإذا فرط في الوقت وتركه لم يكن ذلك مسقطا لفعل العبادة عنه.
جريدة الميثاق: عدد 1 رجب 1382 هـ / 28 أكتوبر1962م. ص: 2.