رأي البهائيين في عدد من المسائل الكبرى
بقلم الدكتور تقي الدين الهلالي
ثارت قضية البهائية في المغرب بشكل يلفت الأنظار منذ الحكم على بعض البهائين في الناضور، فتبنتها بعض الصحف المغربية واتخدت مجلة “الأطلس” منها وسيلة للحمل على علماء الإسلام، وتبين أن وراء الأكمة ما وراءها وأن هناك مؤامرة على البقية الباقية من معالم الإسلام في هذه الديار، لذلك اتخذنا هذه القضية من قضايانا الكبرى التي نعمل جاهدين لملاحقتها وإحقاق الحق فيها كقضية التعريب والحكم بالشريعة الإسلامية واستقلال التعليم الدینی و محاربة الفساد وما إلى ذلك من مخلفات الاستعمار وبقايا سياسته التي تنخر کیاننا الاجتماعي وتأتي على مقوماتها الدينية والخلقية.
وفي نطاق هذا الالتزام ننشر اليوم للعالم الدكتور تقي الدين الهلالى هذا المقال الضافي الذي أخرج فيه خبء تلك النحلة الفاسدة، وكر عليها بالنقض المقوض لبنيانها المغشوش، مذكرين بأن صحيفتنا هذه ما أنشئت إلا لمحاربة الزيغ والانحلال، ونظرا لكونها ليست بمجلة تختص بالبحث العلمي المجرد ولا بجريدة إنما تهتم بالأخبار، فإنها قد اختارت طريقا وسطا بین، لمعالجة ادوائنا المزمنة وامراضنا المستعصية. ولن يكبر مقال مثل هذا على علة كبرى مثل علة البهائية. وشكرا للدكتور وشكرا لقرائنا المومنین.
يقول المثل العربي (عش رجبا، ترى عجبا) لأني من المعترفين بأن أكثر المسلمين في هذا الزمان مصابون بمرض التعصب والجهل بما في الإسلام من سماحة ويسر وأن ذلك قد أحدث ردود فعل في شبانهم، ولا سيما الذين رضعوا منهم لبان المدارس الاستعمارية ولم يطلعوا على الإسلام الصحيح، ولكني لم أكن أظن أن الدعوة البهائية التي خذلت في عقر دارها في بلاد إیران، مع ما يوجد هناك من شعوبية قديمة وحديثة وبغض للعرب أولهم وآخرهم بدون استثناء للنبي وآله وصحبه والتابعين لهم بإحسان. وقد حقد هؤلاء الشعوبيون على العرب، لأنهم كانوا قبل الإسلام تحت سيادة ملوك بني ساسان وأكاسرة فارس، فدار الزمان دورته، وجاء الإسلام بما فيه من توحيد الله وعقيدة الحق في سهولة ويسر وأخلاق كريمة كالعدل والمساواة والحلم والتواضع ومحو الطبقات والإقطاع والاستعباد التي كانت تدور عليه دولة الأكاسرة الملقبين (بخسرو) و (شاهنشاه) وأعوانهم من الدهاقین وأمراء الإقطاع. لقد قضى العرب المسلمون بسهولة على دولة بني ساسان ودخلت بلاد فارس في الإسلام في زمان أمیر المؤمنین عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأصبحت من المراكز المهمة للحضارة العربية الإسلامية، فظهر فيها من ثمرات علوم العرب والإسلام ما ملاء خزائن العالم علما ونورا، وأصبحت المدنية الكسروية وآثارها أمام تلك الحضارة العربية الإسلامية كعجوز شمطاء فانية، فغاظ ذلك جماعة أسلموا ظاهرا ولم تخرج من قلوبهم المجوسية الزردشية والمانوية، ولما كان عددهم قليلا وعلموا أنهم عاجزون عن محاربة العرب والإسلام جهارا بالسلاح أخذوا يدسون الدسائس ويكيدون ويظهرون بحركات مختلفة وألوان شتى في كل زمان ليحاربوا الدعوة المحمديه من وراء الستار بالمكر والخديعة وتشكيك عوام المسلمين بضروب من المخرقة وأنواع من الزندقة، تارة بادعاء حب آل البيت والتشيع لهم وتارة بالتستر تحت مذهب الباطنية وزنادقة الصوفية، فيبنون الشيوعية القديمة، وهي الاشتراك في الأموال والنساء اشتراكا مطلقا، لا يحرم أما ولا بتنا ولا أختا فضلا عن غيرهن. فالغلاة الذين يعتقدون أن الله حل في علي بن أبی طالب وفي الأئمة آل بيته من بعده، ولا تزال طوائف موجودة منهم إلى يومنا هذا، ومنهم كان القرامطة الذين غزوا الكعبة وانتزعوا منها الحجر الأسود وكسروه وأخذوه إلى الأحساء، وهي مقرهم (شرقي المملكة السعودية اليوم وبقي عندهم مدة حتى تغلب عليهم المسلمون وأخذوا الحجر الأسود وربطوه بالفضة وردوه إلى مكانه.
وهؤلاء القرامطة أهانوا المسجد الحرام وربطوا فيه خيلهم، فقطع الله دابرهم وأخمد نار فتنتهم. ومنذ ثلاثين سنة ظهر في شمال العراق رجل منهم يتظاهر بالتصوف في قرية فأضل أهلها واخترع لهم اجتماعا رجالا ونساء وأخبرهم أنهم يصلون إلى حالة الفناء، فتسقط عنهم التكاليف، ولا يبقى شي محرم عليهم، ثم أخذ يأمرهم بإطفاء الأنوار في وقت اجتماعهم لذلك الذكر الشيطاني وإذا اعتراهم الفناء وقع كل رجل منهم على امرأة، وهو لا يعلم من هي وقد تكون ابنته أو غيرها من محارمه، اطلع على ذلك أهل القرى المجاورة، وأكثروا من رسائل الشكوى الى الحكومة العراقية، فبعثت لجنة فثبت بعد البحث والتحقيق أن ذلك واقع، وحكم على الشيخ الصوفي الكردي بالنفي إلى كركوك ستة أشهر ونزل عند ابن عمه أحمد خانقة في تكيته بكركورك (التكية بلغة المغاربة الزاوية) فضج أهل كركوك وطلبوا من الحكومة العراقية أن لا تنجس بلدهم بذلك الزنديق، لأن اهل قريته يزورونه في كل يوم رجالا ونسا فينتقل الشر إلى مدينة كركوك نفسها فلم تسمع الحكومة العراقية شكواهم سماع قبول، فاجتمع علماء كركوك وأصدروا فتوی بكفر كل من يذهب إلى دار أحمد خانقة أو تكیته وقد شاهدت ذلك الشيخ الزنديق في تكية أحمد خانقة حين زرت کرکوك للمرة الأولى حوالي سنة 1934.
وكنت أريد أن أختصر الكلام هنا خوف الإطالة والبعد عن الموضوع، ولكني تخيلت أشباح بعض القراء نلتمس منی استيفاء الكلام. لما أردت زيارة الشمال نصح لي الحاج نعمان الأعظمي مدير دار العلوم في بغداد وأبرز علماء العراق في ذلك الزمان، أشار على أن لا أنزل في الفندق، لأن فيه مناكر من السكر والفساد وكتب لي توصية إلى الشيخ أحمد خانقة وأخرى الى الشيخ عبد الباقي، وكلاهما من شيوخ الصوفية، ولكل منهما تكية، فيها خلوات عديدة للمريدين المنقطعين للعبادة. فلما وصلت إلى تكية الشيخ أحمد خانقاة وجدت ذلك الشيخ الإباحي، وظننته هو الشيخ أحمد خانقاة فأخبرني أنه ابن عمه، وأن الشيخ أحمد مسافر وسیأتي غدا. وقال لي إن شئت أن تنتظره أعطيك خلوة تنزل فيها ضيفا مكرما فلم أشأ ذلك، وذهبت إلى الشيخ عبد الباقي، وهو الذي أخبرني بهذه القضية. ثم أن الشيخ الذي نفي إلى كركوك أليس هو صاحب الفكرة وصاحبها الذي علمه إياها شيخ جاء من إیران متظاهر بالزهد والخمول.
وقد ظهر الداعي الأول للبهائية ميرزا علي محمد (الميرزا) مثل الطالب عند (المغاربة) في أواسط القرن الثالث عشر الهجري، فيكون قد مضى على ظهوره نحو مائة وثلاثين سنة، ولم يؤمن به من أهل بلده إلا الشذاذ، وستطلع على نهايته فيما بعد. والعراق جارة لإيران التي هي بلاد البابية والبهائية، ولم يزل البهائيون يبذلون الجهود في نشر دينهم في العراق فلم يحصلوا على طائل. ثم دخلوا بلاد العرب وقدم لهم الاستعمار الانكليزي والفرنسي جميع المساعدات فلم يحصلوا على طائل. ولا أظن أنهم سيجنون من البلاد المغربية ثمرة أحسن مما جنوه في بلادهم وفي العرب. وهؤلاء المغاربة المتحمسون لنصرة البهائيين لم يؤمنوا بالبهائية ما لم يؤمنوا بالإسلام وإنما ينصرون البهائية كما قيل (بغضا لعلي لا حبا لمعاوية) في قلوبهم غیظ وحقد على الإسلام لأنه منعهم من شهواتهم وإطلاق العنان لغرائزهم الحيوانية، وزادهم تعصب الفقهاء وخرافات الطرقيين وتدجيل الدجالين نفورا، فاتخذوا من نصرة البهائيين سلما لمحاربة خصومهم المسلمين. وبعد هذا التمهيد أعود إلى الموضوع فأذكر تاريخ البهائية وبعض معتقداتها مع التعليق عليها باختصار.
جاء في مجلة الأزهر في جزءها الصادر في شهر رجب سنة 1382. ظهر میرزا علي محمد في أواسط القرن الثالث عشر الهجري وادعی أنه المهدي المنتظر، وأنه جاء بدين جديد. وكانت نهايته أن انتقم منه المسلمون من أهل بلده فرموه بالرصاص وألقوا جثته في الفضاء ولم يدفنوه، وكان يلقب نفسه بالبابا فأطلق على دينه لفظ البابية. وبقي بعض الناس متأثرين بدعوته إلى أن ورد الميرزا حسین علي بن الميرزا عباس بمدينة طهران سنة 1310 للهجرة وانتحل حسين علي نحلة البهائية، وسمى نفسه بهاء الله. ومنذ ذلك الحين صارت البابية بهائية. وقد استعان حسین علي على بث دينه بأعداء وطنه الروس. وبعد وفاة حسين علي قام بالدعوة بعده ابنه عبد البهاء، وأكب هذا على كتب الفلسفة اليونانية وكتب الباطنية واتصل بالاستعمار الانكليزي والفرنسي وأخلص لهما الخدمة فجمع بسبب ذلك أموالا طائلة. ومات سنة 1940 هـ. قال كاتب مقال مجلة الأزهر: وبموته خسرت الامبراطورية الإنكليزية أخلص عبيدها. والبهائية مقتبسة من الزندقة القديمة، الباطنية ، وهي حيری بین عبادة صنم وعبادة عدم. قال، وللبهائية آراء على قمة الفساد، فهم يرون الرسول أي رسول كان ربا وعبدا، ويؤمنون بوحدة الوجود، ويفسرون (ختم النبوة) تفسيرا يحقق أن الوجود لا ولن يخلو من رسل، ویكفرون بالمعجزات و بإعجاز القرآن، وتؤمن البهائية بربوبية البهاء، وتطعن في أدلة الرسل، وبراهين الإسلام، وتزعم أن نحلتها ناسخة للإسلام. والبهائية كفر جبان، والتوحيد عندها هو معرفة الأجساد البشرية التي حلت فيها (الحقيقة الأهلية) ولا بد من وسائط في الدين هم شيوخه. وللبهاء وحده يصلى البهائيون وإلی قبره وحده يحجون، وقد قال لهم، من توجه إلي فقد توجه إلى المعبود. والصلاة تسع ركعات فقط، والقبلة هي قصر البهاء. والزكاة 19 في المائة، وشهور السنة 19 شهرا، والشهر 19 يوما، والميراث تشريع جديد والربا مباح، والجهاد محرم، وعقوبة الزني دية مسلمة إلى بیت العدل، أي بيت ماله. انتهى ما أردت اقتباسه، بعضه بألفاظه، وبعضه بالمعنى.
جريدة الميثاق: عدد 1 جمادى الأولى 1383هـ موافق 20 شتنبر 1963م. ص: 3 و9.