وقد قرأت على سبيل المصادفة مقالات مسهبة في نصرة البهائيين الثلاثة الذين حكمت عليهم محكمة الناضور الإقليمية بالقتل مستندة إلى إخلالهم بالأمن العام وإیقاد نار الفتنة بين أبناء الشعب المغربي المسلم. ولما كان جمهور القراء المغاربة لا يفهمون كل ما في تلك المقالات من الدسائس والمغالطات أردت أن أكشف النقاب عن بعض عباراتها فأقول: جاء في مجلة الأطلس بعددها الثالث وتاريخ فاتح أبريل 1963 ما نصه: أتوجه إلى كل ضمير طاهر، وأشفع مقالي ببعض البيانات التي ستزيد المتنورين النبهاء يقينا بالجور الذي لحق إخواننا البهائيين المحكوم عليهم بالإعدام ظلما وعدوانا. وقد نشرت مقالا مطولا في مجلة دعوة الحق في جزئها الخامس، رمضان 1382 تحت عنوان حكم المرتد في الإسلام، نقلت فيه آيات القرآن وأحاديث الرسول وإجماع المسلمين من زمان النبي إلى يومنا هذا على وجوب قتل المرتد، وذكرت كذلك شواهد وحوادث تبرهن على أن الحكم الصادر على البهائيين بالقتل مطابق للقانون الدولي باعتبار المرتد مرتكبا للخيانة العظمی، خيانة دولته ووطنه، لأن الإسلام الذي ينص الدستور على أنه دين الدولة ملكا وحكومة وشعبا لا يفرق بين الدين والدولة. فمن خان الدين فقد خان الدولة، ومن خان الدولة فقد خان الدين. فإن كان حكم محكمة الناضور ظلما وعدوانا لزم قائل ذلك القول بأن حكم الرسول صلى الله عليه وسلم وحكم القرآن والصحابة والتابعين وجميع أئمة المسلمين، كله ظلم وعدوان. وهذه ردة وخيانة للدين والدولة والشعب في أعز شيء لديهم، وهو دينهم. ثم قال البهائي، هذه آراء البهائية في عدد من المسائل الكبرى التي تشغل بال البشر. سئل عبد البهاء، من هو البهائی؟، فقال البهائی هو فقط، الإنسان الذي يحب البشر جميعا، يحب الإنسانية ويجتهد في خدمتها، ويعمل في سبيل السلم.
قوله يحب البشر جميعا. كيف يحب البشر من يخون شعبه وأمته ويكذب كتاب الله ورسول الله وجميع المسلمين ويطعن في عقيدتهم الطاهرة. قوله يحب الإنسانية ويجتهد في خدمتها تقدم فيما نقل من الصحف المصرية أن عبد البهاء وأتباعه لم يكونوا يخدمون ولا يحبون من البشر إلا المستعمرين أعداء السلم والإنسانية. فإن كان ذلك خدمة الإنسانية، فما هي محاربة الإنسانية؟ قوله، ويعمل في سبيل السلم. كل واحد في هذا الزمان يدعي أنه يعمل في سبيل السلم، فجميع المستعمرين، حتى بورتغال وحكومة جنوب إفريقيا لا يستحون أن يدعوا أنهم يعملون في سبيل السلم، ولكن أفعالهم تكذب أقوالهم. وهنا يحسن بنا أن نذكر حكاية الصياد الذي كان يصيد العصافير ويذبحها، وكان أعمش العينين تسيل عيناه بالدمع، والعصافير مكتوفة حوله، فقال أحدها لجاره، صاحبنا قد أخذته الرأفة والشفقة عينيه أما ترى عينيه تدمعان؟ فقال له صاحبه، يا أحمق لا تنظر إلى عينيه، ولكن انظر إلى يديه اللتين لا تكفان عن الذبح. وإلى ذلك أشار الشاعر بقوله :
وكنت كذباح العصافير دائبا ** وعيناه إن وجد عليهن تهمل
فلا تنظري ليلى إلى العين وانظري ** إلى الكف ماذا بالعصافير تفعل
قوله، البهائي هو الذي يتمتع بجميع الكمالات الإنسانية سبحان الله. ما أقل حیاء قائل هذا الكلام، أفخدمة الاستعمار والكذب على الله وتكذيب رسوله وكتابه، وتحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله، ونقض العهد وخيانة الشعب من الكمالات الإنسانية، إذن فما هي النقائص الخنزيرية؟ ثم قال، قال عبد البهاء في العدل أنه أن يتحرر الإنسان من جميع الخرافات ومن كل تقليد. يريد بالخرافات هنا، معجزات الأنبياء ونزول الوحي عليهم وإجماعهم على قيام الساعة، والبعث والجزاء الأخروي، ومراده بالتقلید اتباع النبي والقرآن. إذا كانت المعجزات والوحي وقيام الساعة من الخرافات، فكيف يكون ادعاء رجل فارسي نكرة في بلده وقومه أنه إله ورسول، وكيف يكذب الناس الأنبياء الذين أرسلهم الله لجمع الناس على توحيده وتمجيده وإقامة الحق والعدل ووعدهم بالنصر فأتم عليهم نعمته وأسسوا دینا آمنت به مآت الملايين منذ آلاف السنين لأجل أن يصدق هيان بن بیان، وضل بن ضل، نكرة لا تعرف في ادعائه الربوبية والرسالة، وقد مضى على هذا الادعاء أكثر من مائة سنة فلم يقم به لا دين ولا دولة، ولم يسعد به أي شعب، ولا جمع شمل أي أمة، ولا ظهر على يده أي خير للبشر إلا خدمة الاستعمار وبث التفرقة والفتنة، وتصید ضعاف العقول واستئجار الطماعين الكسالی. قوله حتى يتمكن وهو يحس بمعنى الوحدة، من ينظر إلى الأشياء جميعها بتبصر ويرى علامات الله واضحة جلية. يريد بالوحدة هنا، وحدة الوجود، وهي أن جميع المخلوقات هي الله فباعتبار الأشكال والصور، تسمی مخلوقات، وباعتبار المادة هي الله، تعالى عن قوله علوا كبيرا، وإذا كان كل شيء في الوجود هو الله، فلماذا حصر الربوبية والرسالة في نفسه، فالقائلون بوحدة الوجود من قدماء اليونانيين والهنود ومن اتبعهم لا يخصون شخصا دون شخص، ولا إنسانا ولا حیوانا، وهذا مما يبطل دعواه.
وإذا كان البهائي الحقيقي هو الذي يحب جميع البشر ولا يحقد على أحد، فلماذا أبغضتم حكام محكمة الناضور والأساتذة كنونا وعلالا الفاسي وإدريس الكتاني وسلقتموهم بألسنة حداد، أليسوا من البشر، أليسوا من الله بزعمكم؟ (ومن عندكم للتبعيض) فإذا أبغضتموهم وشتمتوهم فقد أبغضتم إلهكم وشتمتوه وطعنتم في عدالته بمقتضى وحدة الوجود. فعلی حسب عقیدتكم الحكم على البهائيين كان من الله، لأن الوجود واحد. ففيم تطعنون ومن تحاربون وتعيبون، أفلا تعلقون؟ قوله في البهائي، أنه يرى وجه الحبيب، وهو الله، في كل وجه. فلماذا لم تروه في وجوه حكام محكمة الناضور والأساتذة الذين نصروا الله ورسوله وأخلصوا لدينهم ولوطنهم ولملكهم ولدستورهم، ومداده لم ينشف بعد، فهببتم أنتم لنقضه بالتدخل في القضاء، وقد نص الدستور على استقلاله، وبالدفاع عن الخائنين الناقضين. للعهد بطعنهم في الإسلام الذي هو دين الدولة الرسمي. فلو كنتم بهائيين حقيقين لرأيتم وجه الحبيب في وجوه أولئك الرجال الأبرار المخلصين الذين قضوا بالحق والعدل. ثم نقل عن عبد البهاء أنه قال: عذب المسيح وقبل راضيا كل ما قاساه، لأن روحه خالدة. أقول، يريد بذلك إثبات القبض على المسيح وتعذيبه وصلبه، فنقول كذب عبد البهاء وفجر، وصدق الله إذ يقول في سورة النساء (157-158 وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم، وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه مالهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا، بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكیما). ثم نقل عنه أنه قال: يجب عليه، أي البهائي أيا كانت الظروف والأحوال أن يكون حليما، أن يحب عدوه، ويعتبر الذي يحب الشر كما يعتبر الذي يحب الخير.
ومضى في مثل هذا الكلام أقول، لماذا لم تكونوا حلماء مع حكام محكمة الناضور والأساتذة الذين ردوا باطلكم فإما أن تعتبروهم مواطنين صالحين يطبقون العدالة ويحترمون القانون فيجب عليكم أن تحبوهم بحكم جميع القوانين والشرائع ومقتضيات العقول وإما أن يكونوا أعداءكم يريدون لكم الشر فيجب عليكم أن تحبوهم بحكم إنجيلكم الجديد وبحكم الإنجيل القديم الذي سرق متبوعكم منه هذا الكلام ليموه به على الناس وهو أبعد الناس عن العمل به.
ثم قال كتب بهاء اللاه إلى الملكة فكتوريا يقول: إن الدواء الناجع الذي أمر به الرب لشفاء العالم هو اتحاد شعوبه حول قضية عالمية وإيمان مشترك. لماذا كتب البهاء إلى ملكة بريطانيا، وما الذي يصله بها أليس خدمة الاستعمار الذي هو شر لعنة وقعت على البشرية وبماذا كتب إليها؟ لم يطلب منها الرفق بالضعفاء المعذبين في بلاد الهند بأنواع العذاب على يد زبانيتها المستعمرين بل كتب إليها يصف لها الدواء وهي غنية عن دوائه، فعندها القسيسون للأدوية الروحية وعندها أفضل أطباء العالم للأدوية البدنية وإنما كتب إليها ليقدم إخلاصه وخدمته للاستعمار ويقبض ثمنها سحتا يأكله في بطنه وكيف علم أن الرب أمر به وما معنى الإيمان المشترك؟ ربه الذي أمره به هو الجنيه الانجليزي والإيمان المشترك بينه وبين سادته المستعمرين هو الإيمان بالظلم والاستعباد.
تقي الدين الهلالي
جريدة الميثاق: عدد 1 جمادى الثانية 1383هـ موافق 19 أكتوبر 1963م. ص: 3.