قوله، ولو أنني لم ألقن شيئا لكنت في غنى عن مشكل الله؟ أقول، تعالى الله عن قولك علوا كبيرا. إن الله غني عنك كما قال تعالى في سورة الزمر (إن تكفروا فإن الله غني عنكم)، وقال تعالى في سورة لقمان (ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ) وقال تعالى في سورة فاطر (39 فمن كفر فعليه كفره، ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا). ويحكى أن لبنانيا إسمه حَيُّون كان نصرانيا فأسلم فوقع بسبب ذلك نزاع بین المسلمين والنصارى، فقال أحد الشعراء قصيدة في الإصلاح بينهم منها قوله:
مازاد حَيُّون في الإسلام خردلة ** ولا النصارى لهم هم بحَيُّون
على أنك لا تجد دينا فيه من التسامح، حتى في هذا الزمان مثل دين الإسلام. فلو كنت یهودنا وكتبت مثل هذه المقالات طعنا في دين اليهود لقامت عليك القيامة، ولم تستطع السكن في الملاح، لأن اليهود يقاطعونك ويحاربونك أينما ذهبت. ولو كنت كاثولكيا في ألمانيا وهي من ارقى الشعوب فإن الكنيسة لا تمهلك حتى تطعن في عقائدها، بل يكفي أن تتأخر عن دفع ضريبة الكنيسة، فتأتيك الشرطة وتأخذك إلى السجن، فإن أردت أن تكفر بالمذهب الكاثولكي لتتخلص من الضريبة وغيرها، وجب عليك إجراء معاملات قانونية ليست بالأمر اليسير، وحينئذ تنبذك الكنيسة نبذ الحذاء المرقع وتحرمك فتنضم إلى قائمة المحرومین ويمقتك الناس وتتأذى بذاك كثيرا من الوجهة الاجتماعية وحتى الاقتصادية. وأخبرني البروفسور هونرباخ، من أساتذة جامعة بُن أنه لو سكن في قرية لما قدر أن يتخلف عن حضور الصلاة يوم الأحد في الكنيسة، وإلا لحقه أذى كثير من سكان القرية، أما في المدينة، فالكنائس كثيرة، ولا يبحث أحد عن أحد، أما الضريبة فلا بد من دفعها مع احترام الكنيسة. قوله، والبهائيون ينتسبون إلى رسولهم، وهم متأكدون من أن الله قال على لسان عبده بهاء اللاه. أقول، أنظر كيف يتناقض هذا الكاتب الكاذب؟. ألم يقل من قبل أن البهائيين يؤمنون بالنبي محمد وأنه دخل على أيديهم كثير من اليهود والنصارى في الإسلام؟ فكيف يؤمن بالنبي محمد من يعتقد أن خليفة ماني المسمی ببهاء اللاه رسول من الله نسخ دین محمد ورسالته، فليخسأ قائل هذا وليعض بأبر أبيه. إن محمدا خاتم النبيين. هكذا قال الله تعالى، ولا مبدل لكلمات الله وقد مضى أربع عشرة مائة سنة وحاول المتنبؤن من مسيلمة الكذاب والأسود العنسي وسجاح إلى بهاء اللاه الكذاب، فلم يستطيعوا أن يبدلوا كلام الله.
يا ناطح الجبل الراسي بهامته ** أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل
على الصخرة المحمدية تحطم الباب وأكلته الكلاب، وتحطم البهاء عبد الاستعمار، ونزيده الميم فصير البهائم.
قوله، أقولها بكل صرامة، متجها إلى ملك البلاد المؤتمن على سلامة سكانها وراجيا منه أن يفرض احترام حرية العقيدة بدون تقنين ولا تحفظ، في دائرة احترام القانون وحرية الأغلبية ودين الأمة الرسمي. أقول، هذا كلام ينقض بعضه بعضا، لأن الحكم على البهائيين مستند إلى دين الأمة الرسمي وإلى القانون. وإذا كنت تطمع في جلالة الملك أن ينقض حكما حكم الله ورسوله به وأجمع عليه المسلمون على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم ليرضيك أنت وبضعة أشخاص من المأجورين الذين باعوا دينهم وشرف أمتهم بثمن بخس، فسلم على أشعب، فإنك أطمع منه في المحال. إن الملك لا يفرض، فالله هو الذي يفرض ومحمد رسول الله يبلغ، والملك ينفذ، ولو كنت تعلم شیئا من الإسلام لما فهت بهذا الكلام، ألا تعلم أن الذي أجلس الملك على العرش وأنشأ الدولة المغربية، هو الإسلام؟ ألا تعلم أن للمَلك بعد الإيمان بالله ورسوله صلة وآصرة لا تنفصم عروتها بمحمد رسول الله الذي يكذبه البهائيون ويزعمون أن دينهم القذر نسخ دينه الحق ولعمري ما نصحت لملك البلاد وما عليك بعد الخطأ إذا لم تنصح لله ولا لرسوله ولا للشعب الذي أنت منه بالجسد، فكيف تنصح للملك؟ ألم تسمع بحديث المرأة المخزومية التي كانت تستعير المتاع فتجحده فأمر محمد رسول الله بقطع يدها وكانت شريفة في قومها. فشق ذلك على الناس وبعثوا أسامة بن زید حبيب رسول الله وابن مولاه زيد بن حارثة ليشفع عنده فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم على حبيبه أسامة، وقال له: أتشفع في حد من حدود الله؟ واللہ لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها. إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الضعيف قطعوه، وإذا سرق الشريف تركوه. والملك الحسن الثاني جدير بأن يواجه كل شفيع في المجرمين بمثل هذا الجواب الذي قاله نبيه وجده الذي نال به ذروة الشرف.
قوله، فإما أن يكون المغرب بلاد الحرية والدمقراطية، وفي هذه الحال يجب سراح المحكوم عليهم دون مناقشة. ألم تكن بريطانيا بلاد الحرية والدمقراطية فلماذا حكمت بالقتل على (جورج) الذي كان يذيع باللغة الانكليزية إبان الحرب في إذاعة برلين؟ أليست فرنسا بلاد الحرية والديمقراطية، فلماذا قتلت حكومة الجنرال دیكول السابقة جميع المتعاونين مع جيش الاحتلال الألماني، وهم خلق كثير، وعلى رأسهم الزعيم (لافال)؟ وفي هذه الأيام نفذ حكم القتل بالرصاص في زعيم شيوعي إسباني بعد مضي خمس وعشرين سنة على كونه محاربا في صفوف الثوار لأنه يدعو إلى مذهب لاتريده الحكومة الإسبانية، ولسنا نقتدي بها ولا بغيرها، وإنما ذكرنا هذا واحتججنا به، لأن الخصم يسلمه. فإن كانت الدمقراطية مطابقة لما حكم الله ورسوله والمسلمون به فلا إشكال وإن كانت مناقضة لذلك الحكم فأبعدها الله، فإن أسلافنا لم يسعدوا إلا بالإسلام، فكل شيء يخالفه فلا خير فيه، على أننا قد برهنا على أن ذلك الحكم ديمقراطي في الصميم، والدمقراطية شيء والفوضى شيء آخر.
قوله، أما إذا اعتدی صاحب العقيدة (أ) على صاحب العقيدة (ب) فليستعد صاحب العقيدة (أ) لانتقام صاحب العقيدة (ب)، في حين أن بقاء كل منهما عند حده يضمن للجميع السلامة. هذه حقيقة إنسانية فوق الدين وفوق الفلسفة الخ. أقول ليس فوق الدين شيء عند المغاربة لأنهم مسلمون محمدیون، فالدين عندهم فوق كل شيء. وليس عندنا دين يوسم بالباء ولا بالجيم، وإنما عندنا دين -أ- وحده. وقد نجم في التاريخ سفهاء متهوكون وأرادوا أن يحدثوا دين الباء فباءوا بغضب من الله وقضى عليهم، وصاروا كأمس الدابر. فمنهم البرغواطيون أتباع صالح البرغواطي. فإنهم أقاموا دينا ودولة داخل الدولة المغربية، وبقيت دولتهم مائتي سنة، و كانت نهايتها نهاية كل خائن لوطنه وشعبه مفتر على الله مرتد عن الإسلام. وأراد أبوالطواجين أن يحدث دين الباء أيضا. واتبعه قوم فأهلكهم الله وباروا. وهذا تهديد من الكاتب فإنه انتقل من طلب الرحمة إلى التهديد. ومقصوده بـ (أ) الإسلام، وبـ (ب) البهائية، فإذا اعتدی أتباع (أ) علی أتباع (ب) ينتقم انباع (ب) من أتباع الألف، وإن سالموهم يسالموهم. ونصح هذا الكاتب العبقري الفريقين بالتعایش السلمي:
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا ** أبشر بطول سلامة يا مربع
إن البرغوطيين والطواجنيين، وإن وافقوا البهائيين في الردة والكفر والخيانة والإجرام، فانهم أقل منهم خسة ونذالة لأنهم جاءوا بدين مغربي خارج من المغرب، ولم يأتوا بدين مجوسي أجنبي، لأن الكذب والافتراء سهل، كل إنسان يقدر عليه، فلا حاجة إلى أن يسرق ويجلب من الخارج. ولذلك كان لأولئك الضلال من النجاح في باطلهم أول الأمر ما لم يكن لباب جهنم ولا لبهاء اللاه. قوله، ولذلك لا يخيفني شيء لا موت ولا بعث. أقول قد قال ذلك أبو جهل وجماعته فانكروا البعث وأنكروا رسالة المنقذ الأعظم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذهم الله بعذابه في الحياة الدنيا وفي الآخرة. وصدق الله العظيم إذ يقول في سورة الزمر (25-26 كذب الذين من قبلهم فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون. فأذاقهم الله الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعملون).
وليسمح لي القراء الكرام إن أعطيت هذيان هذا الكاتب المحموم فوق مايستحقه من الاهتمام وأطلت عليهم في بيان تناقضه وأباطيله الواضحة، وهذا أوان مسك عنان القلم سائلا الله تعالى أن يحق الحق ويزهق الباطل.
(يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون. هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون).
تقي الدين الهلالي
جريدة الميثاق: عدد 15 رجب 1383هـ موافق 2 دجنبر 1963م. ص: 3.