مولده ونسبه:
قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر في كتاب الاستيعاب “ولد بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة. وقال الحافظ ابن حجر في الإصابة: “إنه ولد بعد الفجار الأعظم بأربع سنين، وذلك قبل المبعث النبوي بثلاثين سنة، ورواية ابن عبد البر أوضح وعليها يكون النبي صلى الله عليه وسلم أسن من عمر بن الخطاب بثلاث عشرة سنة”.
فأما نسبه فهو عمر بن الخطاب بن نفيل العدوي القرشي أبو حفص وأمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة المخزومية. قاله الحافظ ابن عبد البر وابن حجر وقال ابن هشام: “وكان عمر لحنتمة بنت هشام بن المغيرة وعلى هذا تكون أمه أخت أبي جهل بن هشام بن المغيرة”..
وقال أبو عمر بن عبد البر: “وقالت طائفة في أم عمر: حنتمة بنت هشام بن المغيرة ومن قال ذلك فقد أخطأ. ولو كانت كذلك لكانت أخت أبي جهل بن هشام بن المغيرة وليس كذلك وإنما هي ابنة عمه. فإن هاشم بن المغيرة وهشام بن المغيرة أخوان. فهاشم والد حنتمة أم عمر وهشام والد الحارث وأبي جهل. وهشام بن المغيرة هذا جد عمر لأمه كان يقال له ذو الرمحين”.
صفته الخَلقية:
قال الحافظ ابن حجر في الإصابة: “وأخرج ابن أبي الدنيا بسند صحيح عن أبي رجاء العطاردي قال: كان عمر طويلا جسيما أصلع أشعر شديد الحمرة كثير السبلة في أطرافها صهوبة وفي عارضيه خفة”.
وروى يعقوب بن سفيان في تاريخه بسند جيد إلى زر بن حبيش قال رأيت عمر أعسر أصلع آدم قد فرع الناس كأنه دابة قال فذكرت هذه القصة لبعض ولد عمر فقال سمعنا أشياخنا يذكرون أن عمر كان أبيض فلما كان الرمادة وهي سنة المجاعة ترك أكل اللحم والسمن وأدمن أكل الزيت حتى تغير لونه وكان قد احمر فشحب لونه.
وروى الدينوري في المجالسة عن الأصمعي عن شعبة عن سماك كان عمر أورح كأنه راكب والناس يمشون والأورح الذي يتدانى عقباه إذا مشى.
وأخرج سعد بسند فيه الواقدي كان عمر يأخذ أذنه اليسرى بيده اليمنى ويجمع جراميزه ويثب على فرسه فكأنما خلق على ظهره”.
وقال الحافظ ابن عبد البر في الاستيعاب “وكان آدم شديد الأدمة طويلا كث اللحية أعسر أيسر يخضب بالحناء والكتم”.
نكتفي بهذا القدر من صفة خلقه بفتح الخاء وفيها ألفاظ تحتاج إلى توضيح ليعم النفع القراء كلهم قويهم وضعيفهم.
الفجار: قال في اللسان: “قال الجوهي الفجار يوم من أيام العربة وهي أربعة أفجرة، كانت بين قريش ومن معها من كنانة وبين قيس عيلان في الجاهلية وكانت الدبرة على قيس وإنما سمت قريش هذه الحرب فجارا لأنها كانت في الأشهر الحرم، فلما قاتلوا فيها قالوا قد فجرنا فسميت فجارا.
والصهوبة: حمرة شعر الرأس واللحية.
والأعسر: هو الذي يشتغل بيده اليسرى والأعسر الأيسر وهو الذي يشتغل بيديه جميعا. وقد روي أن عمر كان كذلك.
والأدمة: الحمرة وهي حمرة ناشئة عن بياض لأنه جاء في وصف عمر أنه كان أبيض وقوله فرع الناس: أي كان أطول منهم، وقوله كأنه على دابة: أي إذا مشى مع القوم فكأنه راكب لطول قامته.
شحب لونه: شحب اللون ككرم، وشحب كمنع تغير لونه مع هزال أو عمل أو جوع أو سفر.
وهذا من مناقب عمر التي لا يتصف بها إلا خليفة نبي لأن المجاعة في العادة لا تصيب إلا عامة الناس، أما الرؤساء فلا يجوعون وعمر رضي الله عنه فضل الجوع وترك الطيبات من الطعام عند قلته إيثارا للعامة على نفسه. رحمه الله ورضي عنه فويل لمن يتنقصه من المبتدعين الضالين.
قوله سعد: لعل الصواب ابن سعد.
وجراميزه: ثيابه ويدل على ذلك أن عمر كان رياضيا، قوي الجسم لأن ركوب الخيل بالصفة المذكورة لا يتأتى إلا لقليل من مهرة الرياضيين.
وفي ذلك دليل على أن المسلم ينبغي له أن يكون قوي البدن مرتاضا. قال الله تعالى في سورة البقرة في قصة طالوت حين قال بنو إسرائيل لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله فأخبرهم أن الله سبحانه بعث لهم طالوت ملكا. فقالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال. فظنوا لجهلهم أن الملك خاص بالأغنياء فرد عليهم نبيهم بقوله: “إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم”.
فالملك لا يكون أهلا للملك بسبب ثروته وكثرة ماله، ولكن لقوة جسمه وعلمه وتقواه. فإن مال الدولة يكون بيده وهو الذي يقسمه طبقا لما أمر الله به أن يقسم فما حاجته إلى المال. وهكذا قال العرب أهل مكة: “لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم” (الزخرف: 31) فرد الله عليهم بقوله “أهم يقسمون رحمت ربك” (الزخرف: 32) فظنوا لجهلهم أن النبوة لما كانت الرئاسة ملازمة لها لا تكون إلا لمن كان غنيا كثير المال وقوة الجسم، والرياضة البدنية من السنة التي اتصف بها الأنبياء ولنبينا محمد صلى الله عليه وسلم الحظ الأوفر من ذلك فقد ثبت في صحيح البخاري أنه سابق عائشة أم المؤمنين فسبقته فلما ثقل جسمها باللحم سابقها مرة فسبقها وقال لها: “هذه بتلك”.
وقوله: يخضب بالحناء والكتم: ذكر الحافظ في الفتح عن جماعة من الصحابة أنهم كانوا يخضبون بهما وقد جاء مثل ذلك عن النبي. وقلت في ذلك شعرا.
إني لأخضب بالحناء والكتم وأقفو بذلك خير العرب والعجم
محمدا وأناسا مـن صحابتـه كانوا مصابيح تجلو داجي الظلم
والكتم: يسمى بالعامية العراقية “الوسمة” وهو نبات شديد الخضرة وصفة الخضاب بها أن يخضب الرأس أو اللحية أو هما معا بالحناء ويبقى ثلاث ساعات ثم يغسل غسلا جيدا ويخضب بالكتم وبعد ساعة يغسل الشعر فيصير أسود.
صفته الخُلقية
قال الحافظ الذهبي في تذكره الحفاظ: “أبو حفص العدوي الفاروق وزير رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أيد الله به الإسلام وفتح به الأمصار وهو الصادق المحدث الملهم الذي جاء عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لو كان بعدي نبي لكان عمر” الذي فر منه الشيطان وأعلى به الإيمان وأعلن الأذان.
قال نافع بن أبي نعيم عن نافع عن ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه. واين مثل أبي حفص فما دار الفلك على مثل شكل عمر هو الذي سن للمحدثين التثبت”. انتهى.
وقال ابن عبد البر في الاستيعاب ما نصه:
قال الزبير وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أشراف قريش وإليه كانت السفارة في الجاهلية، وذلك أن قريشا كانت إذا وقع بينهم حرب، أو بينهم وبين غيرهم بعثوا سفيرا وإن نافرهم منافر أو فاخرهم مفاخر رضوا به ولقبوه منافرا أو مفاخرا.
المصدر: مجلة الوعي الإسلامي، السنة السابعة – العدد 83 – ذي القعدة 1391 هـ – 21 ديسمبر 1971 م