تقويم اللسانين مستقيم
وقد عدلت في تعديلك عن العدالة
(4)
16- الحياة السياسية، والحياة الثقافية، والحياة الاقتصادية، وما أشبه ذلك من العبارات المأخوذة من اللغات الأوربية بعد ترجمتها ترجمة فاسدة قولهم: الحياة السياسية، والحياة الفكرية، والحياة الاقتصادية، والحياة الزوجية، فيكون للشخص الواحد أنواع من الحياة، والحياة في كلام العرب: واحدة، وهي نقيض الموت، كما في لسان العرب والقاموس وغيرهما، وتستعمل في المجاز على النحو الذي ذكره الراغب في غريب القرآن حيث قال:
الحياة تستعمل على أوجه، الأول للقوة النامية الموجودة في النبات والحيوان، ومنه قيل نبات حي، قال عز وجل ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ وقال تعالى: ﴿وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا﴾ ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾.
الثانية للقوة الحساسة، وبه سمي الحيوان حيواناً، قال عز وجل: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ﴾ وقوله تعالى: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا﴾ وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فقوله: إن الذي أحياها، إشارة إلى القوة النامية. وقوله: لمحي الموتى، إشارة إلى القوة الحساسة.
الثالثة للقوة العاملة العاقلة كقوله تعالى: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ﴾ وقول الشاعر:
لقد ناديتَ لو أسمعتَ حياً
ولكن لا حياة لمن تنادي
والرابعة عبارة عن ارتفاع الغم، وبهذا النظر قال الشاعر:
ليس من مات فاستراح بميت
إنما الميت ميت الأحياء
وعلى هذا قوله عز وجل: ﴿ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم﴾ أي هم متلذذون لما روى في الأخبار الكثيرة في أرواح الشهداء.
والخامسة: الحياة الأخروية الأبدية، وذلك يتوصل إليه بالحياة التي هي العقل والعلم قال الله تعالى: ﴿اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ وقوله ﴿يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾ يعني بها الحياة الأخروية الدائمة.
والسادسة: الحياة التي يوصف بها الباري، فإنه إذا قيل فيه تعالى: هو حي، فمعناه: لا يصح عليه الموت، وليس ذلك إلا لله عز وجل.
والحياة باعتبار الدنيا والآخرة ضربان: الحياة الدنيا والحياة الآخرة قال عز وجل:«فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا» وقال عز وجل: ﴿اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ﴾ وقال تعالى: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ﴾ أي الأعراض الدنيوية، وقال: ﴿وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا﴾ وقوله تعالى: ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ﴾ أي حياة الدنيا.
وقوله عز وجل: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى﴾ كان يطلب أن يريه الحياة الأخروية المعراة عن شوائب الآفات الدنيوية. وقوله عز وجل: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ أي يرتدع بالقصاص من يريد الإقدام على القتل، فيكون في ذلك حياة الناس. وقال عز وجل: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ أي من نجاها من الهلاك. وعلى هذا يكون قوله مخبرا عن إبراهيم: ﴿رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ، قَالَ: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾ أي أعفو فيكون إحياء. اهـ
فالحياة في اللغة نقيض الموت قال تعالى في سورة الملك:(2) ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ قال البيضاوي: قدرهما، أو أوجد الحياة وأزالها حسبما قدره، وقدم الموت لقوله: ﴿وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ﴾. اهـ
وقال تعالى في سورة النجم (44) ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا﴾ ومقابلة الموت بالحياة في الكتاب العزيز، جاءت في مواضع كثيرة.
ومن الاستعمال الفاسد، قولهم: فلان اعتزل الحياة السياسية. يريدون بذلك، اعتزل السياسة، فيقحمون لفظ الحياة تقليداً للغات الأجنبية، وليس في إقحامه فائدة، ولكنه يخدش وجه البلاغة العربية ويمسخها. والحاصل أن الإنسان ليس له إلا حياة واحدة، متى زالت مات، فيجب على الأديب أن ينزه كلامه عن ذلك الاستعمال، ولا يستعمل لفظ الحياة إلا في الموضع المناسب له كما جاء في كتاب الله. وفي لسان العرب، سواء أراد الحقيقة أو المجاز.
قوله إيضاح لكلام الراغب: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا﴾ قال البيضاوي: مثل به من هداه الله سبحانه وتعالى، وأنقذه من الضلال، وجعل له نور الحجج والآيات يتأمل بها في الأشياء، فيميز بين الحق والباطل، والمحق والمبطل. اهـ
أقول: شبه الله الضالين الذي لا يهتدون إلى الحق، ولا يتمسكون به بالأموات. وأهل الهدى والاستقامة بالأحياء فالمراد بالقوة العاملة العاقلة في كلام الراغب التي تعمل عملا صالحا، وتعقل الحق وتميزه من الباطل.
قوله (وقد ناديت) البيت: يروى بعده:
ولو نارا نفخت بها أضاءت
ولكن أنت تنفخ في رماد
شبه الشاعر من يدعى إلى النجدة وعمل الخير والإحسان ولا يستجيب لذلك بالميت، فنفى عنه الحياة، وشبهه في البيت الثاني بالرماد الذي لم يبق فيه شيء من النار. وشبه من يدعوه إلى فعل الخير والإحسان بمن ينفخ في رماد، راجيا أن يوقد منه ناراً. ومثل ذلك قولهم: فلان يضرب في حديد بارد، قال الشاعر يهجو رجلا اسمه سعيد، ويصفه بالبخل:
هيهات تضرب في حديد بارد
إن كنت تطمع في نوال سعيد
والصواب أن يقال: الشؤون الاقتصادية، والشؤون السياسية، والشؤون المنزلية، والشؤون الزوجية، الخ. ويقال: اعتزل التمثيل بدلاً من قولهم: اعتزل الحياة التمثيلية، وهجر الرياضة البدنية، بدلا من قولهم: اعتزل الحياة الرياضية.
17- استعمالهم الإمكانيات بمعنى الطاقة والقدرة أو الإمكان
وهذا اللفظ الدخيل ترجمة فاسدة للكلمة الأجنبية (Possibilities) ولا حاجة بهم إلى هذا التعبير المستعار الركيك، فإن فنون القول في لغة الضاد كثيرة طيبة لا ضيق فيها، فبدل أن يقول الشخص: ليس عندي إمكانيات للإقدام على هذا العمل، يسعه أن يقول: لا أستطيعه، لا طاقة لي به، لا يمكنني، لا سبيل إليه، إلى غير ذلك من الكلمات الطيبة العربية الخالصة الأصيلة، فإن هذا المعنى موجود منذ وجد العرب والعجم، وفي لغتهم عبارات تفي به على أحسن وجه، فما بالنا نترك جواهرنا مهملة، ونستعير أحجار الأجانب، فمتى نعيد للغتنا شبابها وأصالتها وخلوصها، إن بقينا نتكفف الأعجمين، ونعرض عن كنوزنا وتراثنا؟!
قال ابن منظور في اللسان: قال أبو منصور: ويقال: أمكنني الأمر يمكنني فهو ممكن، ولا يقال: أنا أمكنه، بمعنى أستطيعه، ويقال: لا يمكنك الصعود إلى هذا الجبل، ولا يقال أنت تمكن الصعود إليه. اهـ
أقول: ومن كتاب هذا الزمان من يقول: أمكن لي ولا يمكن لي، متوهما أن الفعل لازم فيعديه باللام، وهو خطأ.
18- أجاب على
ومن الشائع في هذا الزمان قولهم: أجاب على سؤاله، ولا يمكنني الجواب عليه، والصواب تعدية الفعل (بعن) فيقال: أجاب عن سؤاله.
قال في اللسان: والإجابة رجع الكلام تقول: أجابه عن سؤاله. اهـ
وتجيء على بمعنى (عن) قال القحيف:
إذا رضيت علي بنو قشير
لعمر الله أعجبني رضاها
قال ابن هشام في المغنى بعد إيراده هذا البيت شاهداً على مجيء (على) بمعنى (عن) ويحتمل أن رضي ضمن معنى: عطف. وقال الكسائي: حمل على نقيضه وهو سخط. اهـ.
وقال العيني والصبان مثل ما قال ابن هشام في تضمين (رضي) معنى عطف، أي فلذلك عدي (بعلى). والشاعر يضطر إلى مثل ذلك، وأما الناثر فله مندوحة عن استعمال النادر وهؤلاء الكتاب الذين يستعملون (على) بعد «أجاب» جاهلون بالنحو، لا يعرفون أنه يتعدى بعن، وكيفما كان الأمر، فإن هذا الاستعمال ليس من الأخطاء الفاحشة في النثر، أما في الشعر، فهو جائز لا يعاب.
19- القيم الدينية والأخلاقية:
ومن المعلوم أن القيم هنا جمع قيمة، ولا معنى لاستعمالها هنا. قال ابن منظور في اللسان: والقيمة واحدة القيم والقيمة ثمن الشيء بالتقويم. اهـ
وإذا قلنا: القيم الدينية أو القيم الأخلاقية، يكون المعنى: الأثمان الدينية، والأثمان الأخلاقية، والدين والأخلاق لا تقويم فيهما ولا بيع ولا شراء، وهذا الاستعمال أيضا مأخوذ من اللغات الأجنبية، ولا ينبغي استعماله في العربية، ولا حاجة إليه، لأن استعمال الأخلاق ومكارم الأخلاق، والتمسك بالدين، وما أشبه ذلك، يغني عنه، وليس هذا من المخترعات حتى نبحث له عن اسم، أو نترجم اللفظ الأجنبي، ونستعمله!!
20- الأسرة:
ومن ذلك تعبيرهم عن أهل البيت الواحد (بالأسرة)، وهو من استعمال جهلة المترجمين، ترجموا به لفظ (Family) الإنكليزي وأخيه الفرنسي، وكانوا يترجمون هذا اللفظ من قبل (بعائلة) فعاب ذلك عليهم النقاد، لأن العائلة في اللغة العربية هي المرأة الفقيرة قال تعالى في سورة الضحى: ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى﴾ أي وجدك فقيراً فأغناك. وقال تعالى في سورة التوبة (28): ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً، فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ أي إن خفتم فقراً، فانتقلوا إلى ترجمته (بأسرة) وهو انتقال من خطأ إلى خطأ آخر، والعبارة الصحيحة هي: بيت، أو أهل بيت، قال تعالى في سورة هود (73) ﴿رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ وقال تعالى في سورة الأحزاب (33) ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ فأهل البيت في آية هود: إبراهيم وسارة زوجه ومن يكون معهما على سبيل التبعية ونحوها. والمراد بأهل البيت في آية الأحزاب النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه وأولاده والتابعون كالموالي.
وقال تعالى في سورة الذاريات (36) ﴿فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ والمراد بالبيت هنا لوط وأهل بيته إلا امرأته، فإن الله استثناها من الناجين وجعلها من الهالكين. أما معنى الأسرة فدونك ما قاله صاحب اللسان: وأسرة الرجل: عشيرته ورهطه الأدنون، لأنه يتقوى بهم. اهـ
وقال تعالى في سورة الإنسان (28) ﴿نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ﴾ قال البيضاوي: أحكمنا ربط مفاصلهم بالأعصاب. اهـ
فالأسر هو إحكام الربط وقوته، ومن ذلك سميت عشيرة الرجل (أسرة) لأنه يتقوى بهم.
وقال الصبان في حاشيته على الأشموني عند قول ابن مالك في التنازع في العمل من ألفيته:
واختار عكسا غيرهم ذا أسرة
ما نصه: ضبطه الشيخ خالد بفتح الهمزة، وفسره الغزى: بالجماعة القوية، لكن في القاموس: الأسرة (بالضم): الدرع الحصينة، ومن الرجل الرهط الأدنون. اهـ
وقال ابن منظور في اللسان: وفي الحديث: زنى رجل في أسرة من الناس. الأسرة: عشيرة الرجل. وأهل بيته. اهـ
وقال في مجمع البحار: وفيه (أي في الحديث) زنى رجل في أسرة من الناس. الأسرة: عشيرة الرجل وأهل بيته، لأنه يتقوى بهم. اهـ والمراد بأهل بيته هنا هو المراد بعشيرته الأقربين، لا زوجته وأولاده فقط.
أما قولهم: أسرة المدرسة، يعنون المدير والمدرسين فيها، وأسرة تحرير الصحيفة يعنون مؤسسها والمحررين فيها، ورئيس التحرير، فله وجه، وهو مقصود ابن مالك بقوله المتقدم:
واختار عكسا غيرهم ذا أسرة
أي ذا جماعة قوية، شبه المتعاونون على أمر بالأقارب، فاستعير لهم لفظ الأسرة بجامع التعاون في كل.
21- النشاطات
ومن ذلك استعمالهم النشاطات، يريدون بها الأعمال، وهو أيضا مأخوذ من جهلة المترجمين لكلمة Energy الإنكليزية، وقد أولع في استعماله عامة الكتاب حتى الذين لا يعرفون شيئا من اللغات الأجنبية. ومن سوء الحظ أن أكثر الخطباء والكتاب صاروا يأخذون لغتهم من الصحف والمجلات والإذاعة، لا من الدراسة، والقرآن وكلام العرب البلغاء، كما يجب أن يفعلوا وكما كان الناس يفعلون في زمان شباب اللغة العربية، فإلى الله المشتكى.
قال ابن منظور في اللسان: النشاط ضد الكسل، يكون ذلك في الإنسان والدابة. نشط نشاطا، فهو نشيط، ونشطه هو وأنشطه، الأخيرة عن يعقوب. الليث: نشط الإنسان ينشط نشاطا، فهو نشيط طيب النفس للعمل، والنعت ناشط، وتنشط لأمر كذا. وفي حديث عبادة: بايعت رسول الله صلى الله عليه ويلم على المنشط والمكره. المنشط مفعل من النشاط، وهو الأمر الذي تنشط له وتخف إليه وتؤثر فعله، وهو مصدر بمعنى النشاط. اهـ
فقد رأيت أن معنى النشاط ليس هو المعنى الذي يقصدونه، والنشاط مصدر لا يجمع، إذ لا حاجة إلى جمعه، فإنه يدل على القليل والكثير، كما قال تعالى في سورة الفرقان (14): ﴿لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا﴾ فلم يقل الله تعالى: لا تدعوا ثبوراً واحداً وادعوا ثبورات كثيرة، لأن الثبور مصدر يدل على القليل والكثير، فإذا أردنا الكثرة وصفناه ولم نجمعه.
قال ابن منظور في اللسان: وفي حديث الدعاء: أعوذ بك من دعوة الثبور، هو الهلاك، وقد ثبر يثبر ثبوراً. وثبره الله أهلكه إهلاكا لا ينتعش. فمن ذلك يدعوا أهل النار: واثبوراه! فيقال لهم: ﴿لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا﴾ قال الفراء: الثبور مصدر، ولذلك قال ثبورا كثيرا، لأن المصادر لا تجمع. ألا ترى أنك تقول: قعدت قعودا طويلا: وضربته ضربا كثيرا. اهـ
وكذلك يقال في النشاط مثلاً: هؤلاء العملة يعملون بنشاط كثير. فلا حاجة إلى جمع النشاط، ولو جمع لم يجمع على نشاطات، بل على نشط (بضمتين) كقَذَال وقٌذٌل.
22- وصف الجمع بالمفرد
ومن ذلك وصفهم الجمع بالمفرد، فيقولون: رايات بيضاء، وإبل حمراء، والكتب الصفراء، والصواب: رايات بيض، وإبل حمر، وصحائف صفر. قال الله تعالى في سورة فاطر (27) ﴿وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ﴾ الجدد جمع جُدَة، بضم الجيم وفتح الدال، وهي الطريق في الجبل، والغربيب: شديد السواد، يقال: أسود غِربِيب (بكسر الغين والباء)، وأحمر قان، وأبيض ناصع، وأخضر حانىء، وأصفر فاقع.
وقال تعالى في سورة المرسلات (33) ﴿كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ﴾ ولم يقل صفراء. وقال ابن عقيل عند قول ابن مالك في الخلاصة:
(فعل لنحو أحمر وحمرا)
ما نصه: من أمثلة جمع الكثرة: فُعْل، وهو مطرد في وصف يكون المذكر منه على أفعل، والمؤنث منه على فعلاء نحو: أحمر، وحمر، وحمراء، وحُمْر.
وقال الخضري في حاشيته: قوله (فُعْل) لنحو الخ. أي بضم فسكون، لكن يجب كسر فائه في جمع ما عينه ياء، كبيض في أبيض وبيضاء.
23- الرضوخ
ومن ذلك تعبيرهم عن الإذعان (بالرضوخ) يقولون: هدده فرضخ له، أي أذعن، وهو من الأخطاء الفاحشة، لأن معنى رضخ له، أعطاه عطاءً قليلا.
قال ابن منظور في اللسان: ورضخ له من ماله يرضخ رضخاً: أعطاه. ويقال: رضخت له من مالي رضيخة وهو القليل. والرضيخة والرضاخة: العطية. وقيل: الرضخ والرضيخة: العطية المقاربة. وفي الحديث: أمرت له برضخ. وفي حديث عمر: أمرنا لهم برضخ. الرضخ:العطية القليلة. اهـ.
24- السابع والأخير
هذه أيضا عبارة مأخوذة من اللغات الأجنبية تقليداً بلا علم ولا هدى، والصواب: السابع وهو الأخير، لأننا إذا قلنا: السابع والأخير دل ذلك على اثنين، لأن العطف يقتضي المغايرة.
25- لوحده وبمفرده
ومن ذلك قولهم: ذهب لوحده، وقاتلهم بمفرده، وذلك من أفحش الخطأ وأقبحه، وأبعده عن لغة العرب الفصحى، فالصواب أن يقال: ذهب وحده، وقاتلهم وحده، (بفتح الدال منصوب على الحال) قال ابن مالك في الألفية:
والحال إن عرف لفظا فاعتقد *** تنكيره معنى كوحدك اجتهد
قال الأشموني: وَكَلَّمْتُهُ فاهُ إلى فيِ، وأرسلها العراك، وجاءوا الجماء الغفير، فوحدك وفاه، والعراك، والجماء أحوال، وهي معرفة لفظا، لكنها مؤولة بنكرة، والتقدير: اجتهد منفردا، وكلمته مشافهة، وأرسلها معتركة، وجاءوا جميعا. وإنما التزم تنكيره لئلا يتوهم كونه نعتا، لأن الغالب كونه مشتقا، وصاحبه معرفة. اهـ
قول الأشموني في تفسير (فاه إلى في) أي مشافهة، فيه نظر، لأن مشافهة مصدر، والأولى أن يقدر اسم فاعل، أي مشافهاً له.
وقوله (أرسلها معتركة) يعني أرسل الإبل معتركة، يزاحم بعضها بعضا. قال الصبان في حاشيته لو قال: معاركة كما قال ابن الخباز لكان أحسن، لأن اسم فاعل العراك معارك لا معترك. اهـ
أقول: وأحسن منهما جميعا أن يقال: معاركا بعضها بعضا، لأننا إذا قلنا: معاركة (بكسر الراء) نسبنا العراك إليها كلها، والعراك لا يقع إلا بين فريقين، ولا يقع من فريق واحد.
وقال الصبان: في بيان قوله (الجماء الغفير) أي الجماعة الجماء من الجموم وهو الكثرة، والغفير من الغفر، وهو الستر، أي ساترين لكثرتهم وجه الأرض. اهـ.
وهذا آخر هذه الحلقة وموعدنا الجزء التالي إن شاء الله.
مجلة دعوة الحق: العدد 102 (العدد 2 – السنة 11) – رمضان 1387هـ – دجنبر 1967م – ص: 46-50