بسم الله الرحمن الرحيم وصلاته وسلامه على نبينا محمد خاتم المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فقد ورد علي سؤال هذا نصه، أورده بالمعنى لطوله: أن بعض الناس بعد الاستقلال أخذوا ينكرون فضل أبناء فاطمة الذي أعطاهم الله ورسوله، اعتمادا على خطبة ألقاها الملك محمد الخامس بعد رجوعه من المنفى وذكر الحديث: “لا فضل لعربي على عجمي ولا لأسود على أحمر إلا بتقوى الله العظيم”، فما هو الحكم الشرعي؟
الجواب، والله الموفق للصواب، إن النبي صلى الله عليه وسلم جاء بشريعة كلها عدل وإنصاف ومساواة وتواضع بعيدة عن الافتخار بالأنساب قاضية على نظام الطبقات، وأدلة ذلك من الكتاب والسنة كثيرة، فمنها قوله تعالى في آخر سورة الشعراء: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ. وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ} [الشعراء:214]. روى البخاري رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت عليه هذه الآية دعا أقاربه فاطمة بنته وصفية عمته والعباس عمه وسائر بني هاشم، ثم قال: “يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت وأنقذي نفسك من النار فإني لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفية عمة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنقذي نفسك من النار لا أغني عنك من النار شيئا، يا بني هاشم لا يأتيني الناس بالأعمال وتأتوني بالدنيا تحملونها فتقولون يا محمد، فأقول لا قد بلغت”.
وقال الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}. وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل من أكرم الناس فقال: أتقاهم لله عز وجل، قالوا ليس عن هذا نسألك، قال: أكرم الناس نبي الله يعقوب بن إسحاق نبي الله بن إبراهيم خليل الله، فقالوا ليس عن هذا نسألك، قال: فعن معادن العرب تسألوني؟ قالوا: نعم، قال: خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا. وروى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء، إنما وليي الله وصالح المؤمنين، ولكن لهم رحم أبلها ببلالها. وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] قال الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية: يقول تعالى مخبرا الناس أنه خلقهم من نفس واحدة وجعل منها زوجها، وهما آدم وحواء، وجعلهم شعوبا وهي أهم من القبائل، ومعرفة القبائل مراتب أخر كالفصائل والعشائر والأفخاذ وغير ذلك.ثم قال: فجميع الناس بالنسبة الطينية إلى آدم وحواء عليهما السلام سواء، وإنما يتفاضلون بالأمور الدينية، وهي طاعة الله تعالى ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم. ولهذا قال تعالى بعد النهي عن الغيبة واحتقار بعض الناس بعضا منبها على تساويهم في البشرية، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} أي ليحصل التعارف بينهم كل يرجع إلى قبيلته. وقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، أي إنما تتفاضلون عند الله بالتقوى لا بالأحساب.
ثم ذكر ابن كثير حديث البخاري المتقدم فيمن هو أكرم الناس. ثم نقل عن الإمام أحمد أنه روى بسنده عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: أنظر فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلا أن تفَضله بتقوى الله. ثم روى بسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “المسلمون إخوة لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى”. ثم نقل عن البزار بسنده عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”كلكم بنو آدم وآدم خلق من تراب، وليأتين قوم يفتخرون بآبائهم وليكونن أهون على الله تعالى من الجعلان. قال تقي الدين: الجعلان جمع جعل بضم ففتح نوع من الخنافس التي تطير، يعيش بالنجاسات.ثم نقل عن ابن أبي حاتم بسنده إلى عبد الله بن عمر قال: طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته القصواء يستلم الأركان بمجن في يده فما وجد لها مناخا في المسجد حتى نزل صلى الله عليه وسلم على أيدي الرجال فخرج بها إلى بطن المسير فأنيخت، ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبهم على راحلته فحمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل ثم قال: “يا أيها الناس، إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وتعظمها بآبائها، فالناس رجلان، رجل بر تقي كريم على الله تعالى، ورجل شقي هين على الله تعالى، إن الله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} ثم قال صلى الله عليه وسلم: أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم”.
ونقل عن الإمام أحمد بسنده إلى عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن أنسابكم هذه ليست بمسبة على أحد كلكم بنو آدم طف الصاع لم يملؤه، ليس لأحد على أحد فضل إلا بدين وتقوى، وكفى بالرجل أن يكون بذيا بخيلا فاحشا”. ونقله عن بن جرير بسنده ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الناس لآدم وحواء طف الصاع، إن الله لا يسألكم عن أحسابكم ولا عن أنسابكم يوم القيامة، إن أكرمكم عن الله أتقاكم. وروى أحمد بسنده إلى درة بنت أبي لهب قالت: قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر فقال: يا رسول الله أي الناس خير؟ قال صلى الله عليه وسلم: “خير الناس أتقاهم لله عز وجل وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر وأوصلهم للرحم”.
(يتبع)
جريدة الميثاق: عدد 1 شوال 1382هـ موافق 25 فبراير 1963م، ص: 8.
أجزاء السلسلة:
حقوق آل البيت مالهم وما عليهم (1)
حقوق آل البيت مالهم وما عليهم (2)
حقوق آل البيت مالهم وما عليهم (3)
حقوق آل البيت مالهم وما عليهم (4)
حقوق آل البيت مالهم وما عليهم (5)
حقوق آل البيت مالهم وما عليهم (6)
حقوق آل البيت مالهم وما عليهم (7)
حقوق آل البيت مالهم وما عليهم (8)