تأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم لأعز الناس عليه يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار، فإني والله لا أملك لكم من الله شيئا، الحديث. فأكد الخبر بالجملة الاسمية وإن والقسم وما بعد ذلك من توكيد، لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. وقوله إلا أن لكم رحما أبلها ببلالها معناه: أني أحسن إليكم وأصل رحمكم في الدنيا. أما في الآخرة فلا ينجيكم من عذاب الله إلا الإيمان والعمل الصالح.
ثم تأمل حديث زيد بن أرقم تجد فيه مسائل أولها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستفتح خطبته بحمد الله والثناء عليه. وكذلك خلفاؤه ومن بعدهم في زمان الغزو والإقبال والسيادة والإستقلال حتى إذا جاء زمان الذل والاستعمار تركت هذه السنة واستبدلت بسنة المستعمر (سيداتي آنساتي سادتي) {ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه}.
ثانيها إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأنه لابد أن ينتقل من هذه الدار الفانية، وأنه تارك في أمته كتاب الله، وأخبر أن هداهم ونورهم في الأخذ بكتاب الله والتمسك به تعلما وتعليما واتخذه إماما وحكما وتحليل حلاله وتحريم حرامه. وفي الرواية الأخرى أن القرآن حبل الله أي عهده فمن اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على ضلالة. فمن ترك كتاب الله واستبدله بقوانين البشر فهو على ضلالة في ظلمة مدلهمة يخبط فيها خبط عشواء ولا يستقيم له أمر أبدا.
وثالثها: الوصية بأهل بيته والتأكيد فيها ولا شك أن الله أطلعه على ما سيلقاه أهل بيته من أعدائهم بعده، ومع توكيد تلك الوصية فقد ضيعها المضيعون واتخذوا أهل بيته غرضا من بعده ونصبوا لهم العداوة ولم يراعوا فيهم إلاََّ ولا ذمة فقتلوهم تقتيلا ….(غير واضح في الأصل)… في الآخرة بعد ما لقوه في الدنيا. وقوله ثقلين، الثقل هو متاع المسافر بتركه وديعة حتى يرجع من سفره. والمقصود هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك أمرين وديعة عند أمته، أحدهما يتبع ويقتدى ويحكم وهو القول الفصيل، وهو كتاب الله. والثاني يكرم ويرقب فيه عهده بعد وفاته كما كان يرقب في حياته وهم أهل بيته.
ورابعها: بيان أهل بيته من هم؟ وقد تقدم الكلام في هذا المعنى مستوفى. وفي رواية لمسلم بعد قوله وعترتي أهل بيتي: ولن يفترقا حتى يردا على الحوض. فقوله عليه الصلاة والسلام: ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض نص صريح في الخصوصية والمزية وعلم من أعلام نبوته، فإن أهل البيت الذين توفي رسول الله وهو عنهم راض: عباس وأهل بيته، وعقيل وأهل بيته، وجعفر وأهل بيته. كلهم كانوا على العهد المستقيم عاشوا عليه وماتوا عليه، ولم يحدث منهم شيء ينكر ولا ندعي أنهم معصومون، فإن العصمة خاصة برسول الله خلافا للإمامية القائلين بعصمتهم. وقد اختلفت الناس في علي وهلكت فيه طائفتان، طائفة غلت فيه حتى جعلته إلها، وهي طائفة عبد الله بن سبأ اليهودي. وقد أنكر علي قولهم وبالغ في عقابهم فأحرقهم بالنار ليكونوا عبرة للعالمين. ولا يزال لهم أتباع إلى هذا الزمان لا يقول أحد بإسلامهم لا من أهل السنة ولا من أهل الشيعة. أما الطائفة الأخرى التي هلكت في علي: فهم الخوارج والنواصب وقد تقدم الكلام في تقسيم هؤلاء والحكم عليهم. فإن قلت ماهو دليل الخصوصية في هذه المزية أفلا تشمل ذريتهم إلى يوم القيامة فالجواب أن قوله عليه الصلاة والسلام: ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض. جواب شافي عن هذا السؤال. وهذه الفضيلة وأن كانت خاصة ….(غير واضح في الأصل)… عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلا شك أن من صلح من ذرياته ولم يفارق الكتاب والسنة له نصيب منها. ومحبة هؤلاء وإكرامهم فرض على كل مسلم. ويدل عليه قوله تعالى {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين} قال الحافظ ابن كثير في تفسيره نقلا عن ابن حاتم بسنده إلى سعيد ابن جبير عن ابن عباس في قول الله تعالى:
والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم، قال: هم ذرية المؤمن يموتون على الإيمان، فإن كانت منازل آبائهم أرفع من منازلهم ألحقوا بآبائهم ولم ينقصوا من أعمالهم التي عملوها شيئا، انتهى كلام ابن كثير. أقول وهذا الإلحاق لا يقتضي أن ينال الخلق جميع مزايا من سلف من آبائهم. فأبناء العشرة المبشرين بالجنة مثلا ليسوا مبشرين بالجنة. وأبناء البدريين الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم وما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر فقال: إعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، رواه البخاري، ليسوا بدريين ولا مشاركين لآبائهم في هذه المزية. فالفضائل التي وردت في الأعيان لا تشمل ذريتهم.
جريدة الميثاق: عدد 15 صفر 1383هـ موافق 06 يوليوز 1963م. ص: 6
أجزاء السلسلة:
حقوق آل البيت مالهم وما عليهم (1)
حقوق آل البيت مالهم وما عليهم (2)
حقوق آل البيت مالهم وما عليهم (3)
حقوق آل البيت مالهم وما عليهم (4)
حقوق آل البيت مالهم وما عليهم (5)
حقوق آل البيت مالهم وما عليهم (6)
حقوق آل البيت مالهم وما عليهم (7)
حقوق آل البيت مالهم وما عليهم (8)