سمعت وقرأت كثيرا عن دسائس المرتزقين من دعاة النصرانية وتحريفهم للكتب التي يطبعونها تحريفا يفسد معناها ويحط من الدین الحق الذي يريدون محاربته
كناطح صخرة يوما ليوهنها ** فلم يَضِرْها وأوهی قرنه الوعِلُ
ولم يمنعني ذلك من اقتناء مطبوعاتهم بل مؤلفاتهم أيضا، لأنه لا يخفى علي بحمد الله ما عسی أن يفعلوا فيها من خيانة. وكان المعجم المسمى بالمنجد من مؤلفاتهم مما أستصحبه في حضري وسفري وأراجعه عند الحاجة من دون اعتماد عليه في المهمات، مع علمي أنه مأخوذ من أقرب الموارد وهو مأخوذ من المحيط للبستاني أخذ المختلس للثمرات فهو من شدة خوفه من الناطور لا ينظف ما يأخذه ولا يتحرى حسن القطاف فيلوث بعض ما يختلسه بالتراب ويمزق بعضه وهو لا يشعر على ما حققه اللغوي المحقق ابراهيم اليازجي لأنه من أعلم الناس بعوار کتب هؤلاء الآباءوأقدرهم على كشف الغطاء والتلبيس الواقع فيها. ورأيت في كتاب المنجد أغلاطا وتحريفات كنت أحملها على قصور المؤلف إلى أمس فبينا أنا أراجع في المنجد لفظة وقع بصري على لفظ الطلقاء فإذا بالأب الحنون على أولاده طلبة الأدب العربي يقول فيه ما نصه : الطلقاء هم الذين أدخلوا في الاسلام كرها اهـ.
فاستغربت هذا التفسير وأخذ مني العجب مأخذه ولم أشك قبل مراجعة كتب اللغة وشرح الحديث أنها دسيسة فظيعة من هذا الأب، وكنت إذ ذاك في المكتبة القيمة لأبناء المرحوم الشيخ شرف الدين وحولي نفر يطالعون جريدة الفتح الغراء ساعة وصولها فنبهتهم إلى تفسير جناب الأب الشفوق وأخبرتهم أنها دسيسة من جنابه فطلبوا مني أن أكتب في ذلك مقالة لتنشر في صحيفة الفتح الغراء ليحذر المتأدبون وخصوصا النشء هذه الدسائس الفظيعة، فقلت لهم: لا حتى نراجع کتب اللغة وننظر ما قاله العلماء في هذه اللفظة غدا. فزرت المكتبة في غد ذلك اليوم فذكروني الوعد فطلبت معاجم اللغة فكان أول معجم جاءوني به كتابا لم أره ولم أسمع به قبل يسمى المعتمد مؤلفه جرجي شاهين عطية فقلت هذا من حسن الاتفاق لأن اسم هذا المؤلف يدل على أنه مسيحي أيضا فننظر بم يفسر لفظ الطلقاء أبتفسير يفند تفسير الأب فيقال وشهد شاهد من أهلها أم ماذا. فألقيت نظرة عجلى في مقدمته فوجدته عرَّض بكتاب المنجد وانتقده دون أن يسميه، فنظرت لفظ الطلقاء فيه فإذا فيه ما نصه: الطليق الأسير أطلق عنه اساره و خلى سبيله اهـ
و نظرت في مختار الصحاح فإذا فيه هذه العبارة بالحرف، فأكبرت جرجي شاهين وشكرته على الأمانة في النقل “والمسلم منصف” لا يبخس أحدا حقه. و نظرت في النهاية فإذا فيها ما لفظه: وفي حديث حثين: ومعه الطلقاء – هم الذين خَلى عنهم يوم فتح مكة وأطلقهم فلم يسترقهم وأحدهم طليق فعیل بمعنى مفعول وهو الأسير إذا أطلق سبيله.
ونظرت في كتب أخرى لا حاجة إلى نقل عباراتها لأنها تضاهي ما ذكر.
فهذه نقطة من بحر تحقیق حضرات الآباء وأمانتهم نزفها لقراء الفتح. ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين.
بومباي (الهند)
محمد تقي الهلالى
مجلة الفتح: العدد 218 – 3 جمادی الأولی 1349 – ص: 11