أرسل صاحب جريدة تونس الفتاة في تونس إلى صديقه الأستاذ الكبير السيد تقي الدين الهلالي نزيل بُن – ألمانيا يقول:
“وبعد فإني أكتب اليوم إليكم راجيا منكم المعذرة لما أبديته من التواني في هذه المدة الأخيرة إذ كنت مشتغلا مع بقية أصدقائي بتهيئة العدد الممتاز من “تونس الفتاة” ولا شك أن المذياع قد حمل إليكم نبأ حجز هذا العدد وتعطيل جريدتنا ثلاثة أشهر ابتداء من 8 أبريل 1939.
وليست “تونس الفتاة” الجريدة الوطنية الوحيدة التي وقع تعطيلها بل هي واحدة من ست جرائد هي “تونس” و “كل شيء بالمكشوف” و “الهلال” “تونس الفتاة” “العمل الشعبي” “الوطن”.
وفي هذا التعطيل دليل على ما نقاسيه معشر الشبان الأحرار في بلادنا من عسف وإرهاق.
وبودي أن تكون المكاتبة بيننا مستمرة عسى أن نمدكم دائما بأخبارنا وتمدونا دائما بإرشاداتكم.
واعلموا سيدي أن موقف الحكومة إزاءنا لا يزيدنا إلا نشاط وإيمانا بقضيتنا المقدسة مادمنا نعتقد أن بيدنا النجاح لا بيد غيرنا وأن تولية وجوهنا شطر المشرق وربط أواصر التعارف مع سائر الأقطار العربية والإسلام أولى من ترقب الغيث من الغرب!
ويصلكم مع هذا نص الاحتجاج الذي اتفقت عليه أسرة جريدتنا والذي نود أن توجهوه للشرق وتعلقوا عليه بما ترون”.
وإلى القراء نص الاحتجاج الذي أرسلت تونس الفتاة إلى الحكومة الفرنسية قالت:
(بعد الاطلاع على القرار الوزيري الصادر في تعطيل (تونس الفتاة) لمدة ثلاثة أشهر ابتداء من 8 أبريل 1939 وذلك إثر حجز العدد الممتاز منها فإن أسرة (تونس الفتاة) تحجج احتجاجا صريحا على هذا الصنيع الجائر الذي نعده ضريبة لمبدأ الحرية في الصميم خصوصا والقرار لا ينص على موجبات لتعطيل ولم تبين لنا أسباب حجز العدد الممتاز الذي بذلنا في تهيئه جهودا فكرية هائلة ومبالغ مالية باهظة حتى كان هذا العدد سفرا تاريخيا بالنظر للحركة الفكرية بشمال إفريقيا. كما نعلن على رؤوس الأشهاد أن الحجز والتعطيل وغير ذلك من صنوف التضييق لن تفت في ساعدنا وأن جيل اليوم غير جيل الأمس ونحن سائرون دائما إلى الأمام هاتفين :(إن الله معنا والله أكبر).
فلما اطلع الأستاذ الهلالي على ما تقدم سطرت أنامله الكلمة التالية:
من الرسالة المنشورة أعلاه والاحتجاج الصارخ الذي يليها يعرف القراء کیف تعامل فرنسة أحرار أهل الشمال الإفريقي، حتى في هذه الساعة التي بلغت فيه أرواحها التراقي، وهي تقول هل من راق، ولا راقي لها ولا مجير من عذاب يوم اليوم. فكيف كانت تعمل فرنسة لو سوت خلافها مع إيطالية وعقدت معنا معاهدة؟ كانت تصب العذاب على أحرار الأمم الضعيفة المظلومة المكلومة التي ألقاها سوء طالعها وتعس جدها فريسة في مخالب فرنسة.
هذه فرنسة التي تشنع على ايطالية وتصفها بالعدوان والهمجية وتنعي عليها الفاشستية. فتعالوا يا ساسة فرنسة وأخبرونا من هي قدرة إيطاليا في عدوانها على طرابلس والحبشة وألبانية الصومالية أليس بريطانية وفرنسية؟
كل ما فعلته إيطالية فإنما هي مقتدية بفرنسة، فكل من رأى أو اطلع على ما يشتكي منه أهل طرابلس اليوم من العذاب وكان مطلعا على أعمال فرنسة في شمال أفريقية، يعلم يقينا أن كل ما ارتكبته ايطالية فالعهدة فيه على فرنسة لأنها هي التي سنت لها تلك الفظائع وهاجت غيرتها وحملتها على المنافسة. وتزيد فرنسة أنها تتغنى دائما بالديمقراطية وفاشستیتها شر فاشية في الدنيا ولا تستحي من أن توعز إلى الأوباش المنافقين کلاب الصيد أن يتكلموا في الدفاع عن أعمالها مشنعين على إيطاليا كأن إيطاليا أتت بشيء عجيب لم يوجد من قبل. وزعم رادیو باريس منديال اليهودي الفرنسي الصهيوني اللعين أن المظاهرات التي تعد بعشرات الألوف قائمة في دمشق سخطا على إيطالية وأن 30 ألف مسلم اجتمعوا في الجامع الأموي وخطبوا وأبدوا سخطهم على إيطالية، ثم خرجوا يتظاهرون ينادون لا إله إلا الله موسولینی عدو الله! وكذلك حكي عن أهل المغرب في الدار البيضاء، وغيرها من المدن وكان ينبغى لأولئك السماسرة الأوباش إذا صدق اليهودي فيما نسبه إليهم أن يضيفوا إلى هتافهم : لا إله إلا الله! دالادييه حبيب الله! – لا إله إلا الله تشمبرلين خليل الله! لقد أسف المستعمرون الهمج وفقدوا العقل والتمييز وصاروا من شدة هلعهم يهدون هذیان المحموم. من سن مهنة العدوان على الأمم الضعيفة ومحاربتها في عقر دارها وصب العذاب عليها صبا؟ و بأي وجه فتحت فرنسة الجزائر وتونس والمغرب والشام؟ وبما تعامل به أهل هذه البلدان حتى هذه الساعة؟ بأي وجه فتحت بريطانية الهند وبلاد العرب والصومالية ومالطة وجبل طارق وطنجة تم أخرجت منها بعد حرب دامت 70 سنة؟ هل أوفد أهل تلك البلدان وفودا إلى بريطانية يتضرعون إليها أن تأتي إلى بلادهم؟ كم عدد النفوس التي أزهقتها فرنسة من سنة 1907 حين هجمت على الدار البيضاء عدوانا وظلما إلى سنة 1934 حين أتمت فتح الجنوب الشرقي من المغرب؟ كم أطفال ونساء هاموا على وجوههم حين رأوا الجيش الفرنسي يعمل الفظائع سبيا ونهيا حتى ماتوا عطشا في الصحراء؟ كم نساء انتهك الجيش الفرنسي حرمتهن بدون ذنب ولا جرم وهن يبكين ويندبن وَیلَهن وثبورهن وقلة ناصرهن! لا أدري من يخادع تشمبرلن و دالاديي وأذنابهما بينما الأطفال يعلمون؟ إنهم كاذبون أن المظلومين بفظائع البريطانيين والفرنسيين والهولنديين والإيطاليين لا يوجد طفل منهم إلا وهو جد عالم أن دعاية هؤلاء إنما هي كذب وتمويه موجه لغيره. ومخادعته. والمظلومون يعلمون ذلك حق العلم لأنهم خدعوا ألف مرة ورأوا ما تفعل يد الصياد من ذبح العصافير فلم يصدقوا بكاءه
وكنت كذباح العصافير دائبا *** وعيناه من وجد عليهن تهمل
فلا تنظري ليلى إلى العين وانظري *** إلى الكف ماذا بالعصافير تفعل
بن – جرمانية
تقي الدين الهلالي
جريدة العلم المصري، العدد 104-438 (السنة الثالثة) – 13 ربيع الأول 1358 – 3 مايو 1939 – ص: 1