خطبة ألقاها المحترم کانون اسحاق تيلور في بيعة كو نگرس بانگلند حسبما أفادته صحيفة (تايمس) اللندنية وهي تدل بوضوح على أن أهل البلاد البريطانية أخذوا يعرفون الإسلام على حقيقته.
لما كان الإسلام داعيا إلى نفسه انتشر في قسم كبير من الدنيا وفاق النصرانية في النجاح (إنصات)، ليس تفوق الإسلام منحصرا في أن الداخلين فيه أكثر عددا من الداخلين في النصرانية من الوثنيين، بل إن النصرانية في بعض الأقاليم تتقهقر تقهقرا حقيقيا أمام الإسلام في حين أن التجارب التي أجريت لتنصير المحمدين قد أخفقت إخفاقا تاما. ليس الشأن فقط أننا لا نغنم بلدانا جديدة بل نحن نخسر بلادنا نفسها، قد امتد دين الإسلام من المغرب إلى جاوه ومن زنجبار إلى الصين ثم هو ينتشر في أفريقية بخطوات العباقرة، فقد استولى على قسم من کونغو وزامبيسي في حين أن أغنده وهي أقوى دول الزنوج قد صارت محمدية منذ عهد قريب، والتمدن الغربي الذي هو جاد في هدم الوثنية الهندية انما هو يمهد السبيل للإسلام، 50 مليونا من 255 مليونا سكان الهند هم اليوم مسلمون (أي خمس أهل الهند تقريبا) وأكثر من نصف سكان أفريقية هم اليوم مسلمون.
ليس الأهم أن نوضح انتشار الدعاية الإسلامية بل أهم منه أن الإسلام متى وقع في كفه أحد قبض عليه أبدا بيد من حديد فلا يفلته، أما النصرانية فإن قبضتها على متبعيها غير محكمة ولا قوية….. قد عمل الإسلام من التمدن أكثر مما عملته النصرانية. انظر مثلا فيما يكتبه الرحالون من الانكليز سواء منهم الرسميون وغيرهم تصرف حقيقة نتائج الإسلام. متى دخلت قبيلة من السودان في الإسلام اختفت عنها في الحين الوثنية عبادة الشيطان وعبادة البشر وأكل لحم الإنسان وتقديم الضحايا البشرية وقتل الأولاد والسحر وصاروا يرتدون الثياب وحلت فيهم النظافة محل الوسخ وشعروا بالعظمة واحترام النفس وصار قِرى الضيوف عندهم من الواجبات الدينية وندر شرب المسكرات وحرم القمار والرقص المنافي للعفة وفوضى اختلاط الجنسين، وصارت طهارة العرض من أعظم الفرائض وذهبت البطالة والكسل وحل العمل والكد محلها وأبدلت الدعارة والانهماك بالانقياد للشرع وتغلب النظام والرزانة على الشقاق وحرمت القسوة على الحيوان والعبيد. وتعلموا الشعور بالانسانية واللطف والأخوة ودخل الرق وتعدد الزوجات تحت قانون يحدد شرها ويخففه وفوق ذلك كله فالإسلام أقوى وأكمل دین اجتماعي في القناعة والاعتدال في تناول اللذات، لكن كلما امتدت واتسعت التجارة الأوربية يمتد معها السُكر والرذيلة واحتقار الناس، أما الإسلام فإن تمدنه خالي من غمط الناس واحتقارهم وحاض على تعلم الكتابة والقراءة ولبس الثياب اللائقة والنظافة البدنية والصدق وعزة النفس.
وإن تمدن الإسلام وتقييمه للنفوس عجيب، ماذا ربحناه من إنفاق الأموال الطائلة والنفوس العزيزة التي ضيعناها في أفريقية؟ إذا عددنا المتنصرين من الوثنيين بالآلاف نرى الداخلين في الإسلام يعدون بالملايين. إننا لنواجه حقائق كالحة. نعم هي حقائق غير سارة ولكن من الحماقة أن نجهلها. يجب علينا أن نأخذ في الاعتراف بالحقيقة وهي أن الإسلام ليس عدوا النصرانية بل هو نصف النصرانية. الإسلام نسخة طبق الأصل من (دین) ابراھیم وموسى على أصول النصرانية. اليهودية دين خاص أما الإسلام فهو دين عام لجميع الأقوام لیس منحصرا مثل اليهودية في شعب واحد بل عام شامل لجميع أهل الأرض. والمسلمون يؤمنون بأربعة معلمین عظام، إبراهيم خليل الله، وموسى نبي الله، وعيسى كلمة الله، ومحمد رسول الله، ليس في تعاليم محمد شيء يعادي النصرانية أو يضادها، بل تعاليم محمد وسط بين اليهودية والنصرانية. انتشرت اليهودية بعد تنقيحها في أفريقية وآسية لأن العطاء الأفريقيين والآسيويين استنبطوا عقائد نظرية وجعلوها دين المسيح فاجتهدوا أن يحاربوا الفسق بالتبتل (عدم التزوج) والعزوبية (امتناع النساء من الزواج).
وكانت العزلة عندهم هي الطريق الوحيد للقدس والطهارة الروحية. والوسخ والتقشف أخص وصف للرهبانية والولاية. بل كان القوم في الحقيقة وثنين يعبدون جمعا من الشهداء والأولياء والملائكة، فجاء الإسلام فجرف ذلك الكوم من الخرافات الفاسدة. وأقام ثورة وتمردا على المسائل اللاهوتية الفارغة وكان خصما شديدا للتبتل المزعوم أنه تاج التقوى. وجاء بعقيدة الدين الأصلية -توحيد الله وتعظيمه، وإبدال التبتل والرهبانية بالرجولة وفتح باب أمل للرقيق وباب اخوة للنوع الإنساني، واعترف بالحقائق الجوهرية للطبيعة البشرية. والفضائل التي يعلمها الإسلام هي التي يمكن للشعوب المنحطة أن تفهمها- الاعتدال في التمتع باللذات، والنظافة والعدل، والصبر، والشجاعة، والإحسان، والضيافة، والصدق والرضا بالقضاء، فأمكنهم أن يعلموا أصول الفضائل الأربع وأن يجتنبوا السيآت السبع المهلكات. رأى الدين المسيح في الأخوة هو أفضل الآراء لكن الإسلام يعلّم أخوة عملية -المساواة الاجتماعية التامة بين جميع المسلمين وهذه هي الرشوة العظمى التي يقدمها الإسلام. متى دخل شخص في الإسلام انتظم في سلك الأخوة الإسلامية في الحين وصار عضوا في جمعية يبلغ عددها 150000000(1). أما الداخل في النصرانية فإنه لا يعتبر مساويا اجتماعيا فالأخوة الحقيقية إنما هي في الإسلام. يكون لنا إخوان أعزاء كثيرون في مجلس التعليم حتى إذا خرجنا منه ودخلنا في حياتنا اليومية لم يكن عندنا إلا قليل، حقا أن القرآن قدم جنة مادية. ذلك لأن النعم المعهودة في هذه الدنيا أقوى تأثيرا على النفوس.
أعظم العقبات القائمة في طريق التنصير في أفريقية اثنتان هما تعدد الزوجات والاسترقاق، ومحمد لم يحرمهما مثل موسى لأن تحريمها لم يكن ممكنا ولكنه (ﷺ) خفف بقدر الطاقة شرهما، أما الاسترقاق فأمره عند المسلمين هين لأنه ليس جزءا من عقیدتهم وإنما سمح به محمد لأنه رآه شرا لا بد منه، وكذا فعل موسى والولي بولس(2) وعلى ذلك نرى نظام العبيد في البلدان الإسلامية أحسن منه في الولايات المتحدة ونرى العبيد أكثر هدوءا واطمئنانا عند المسلمين من العبيد في الولايات المتحدة.
أما تعدد الزوجات فهو المعضلة الكبرى، فإن موسى لم يحرمه وقد فعله داود وليس محرما تحريما ذاتيا (Directly) (3) في الإنجيل، ومحمد حدد شر تعدد الزوجات، وكان قبله غیر محدود. على أنه في البلاد الإسلامية المتمدنة تركية أوربية والجزائر ومصر أمر استثنائي ليس قانونا عاما (4)، وتعدد الزوجات مع جميع شروره فيه فوائد توازنية. فقد أبطل عادة قتل البنات وجعل لكل امرأة حاميا شرعيا. ولأجل تعدد الزوجات سملت البلاد الإسلامية من كثرة اللقطاء وهو أعظم عار تمر به الممالك النصرانية. وهو شر من تعدد الزوجات عند المسلمين. بل تعدد الزوجات في الأراضي الإسلامية قد جعلت له شريعة مدققة فصار أقل خزيا للغاية على النساء وأقل ضررا كذلك على الرجال من فوضوية مقابله وهو تعدد البعول الذي هو لعنة مدن النصارى، أما عند المسلمين فلا يعرف أصلا. فالأمة الانكليزية المصابة بتعدد البعول لا حق لها أن ترمي المسلمين بالأحجار من أجل تعدد الزوجات عندهم. دعنا أولا ننزع الجذع المعترض في عيننا قبل أن ندخل فيما لا يعنينا ونبحث عن القذاة في عين أخينا. شرور البلاد الإسلامية الأربعة -تعدد الزوجات، والرق والتسري، والطلاق ليست عارا خاصا بالإسلام وحده بل متفاحشة في الولايات المتحدة- بلاد تسمى نصرانية يسكن فيها شعب ينتهي في النسب إلى الأمة الانكليزية. ينبغي لنا أن نتذكر أن آداب الإسلام في بعض الوجوه أفضل من آدابنا -في الرضا بقضاء الله وفي القناعة الصدقة والصدق والمؤاخاة بين المؤمنين. لقد نهج المسلمون لنا منهاجا نعمل خيرا لأنفسنا إذا نحن اتبعناه. لقد أبطل الإسلام السكر والقمار وبيع العرض، وهي لعنات البلاد النصرانية الثلاث. اهـ
ترجمت هذه المقالة من صحيفة لايت جزء 8 أبريل 1933، وكنت أريد التعليق عليها فلم أتمكن منه ولعل الاستاذ الحكم السيد محب الدين الخطيب يعلق عليها ما يوقظ المسلمين ويهيج حماسهم وهو فاعل إن شاء الله.
لكنو الهند 3 المحرم 1352هـ
محمد تقي الدين الهلالي
—–
(1) العجب من هذا الخطيب بأي اعتبار أنزل عدد المسلمين من أربعمائة مليون إلى مائة وخمسين.
(2) العبارة المعروفة عندهم القديس بولس، ولم نشأ متابعتهم عليها لأن لفظة القديس لم أرها في كلام العرب.
(3) هذه عبارته.
(4) بل هو كذلك في أكثر البلاد الإسلامية.
صحيفة الفتح، عدد 349 – السنة 7 – 21 صفر 1352هـ – ص: 9-10