الإسلام أعظم الأديان ديمقراطية وهو أكمل عامل للمساواة بين البشر. في اللحظة التي تدخل فيها في الإسلام تكون قد وفقت إلى أول خطوة من خطوات المساواة مع أي عضو آخر (يعني من أعضاء البشرية)، ترى في المسجد الملك والأمير والفقير والسقاء وأحقر حمال يصلون جنبا لجنب. إن الإسلام لا يعرف اختلاف الألوان ولا يعتد به. والإسلام هو الذي جاء بالرقي والتهذيب للبشر من المحيط الأعظم إلى المحيط الأطلسي (1) بسبب سياسته الحرة العادلة. ثم انتشر الإسلام بخطوات جبارة في شبه جزيرة ملايو لا بالسيف ولا بالقرآن – لأن هذه الناحية لم تكن قط تحت حكم مسلم – ولكن بعدله وحريته ومساواته اهـ.
سكان السماوات
من مقال بهذا العنوان في مجلة The Unity أيضا للشيخ مشير حسين القدوائي هذه ترجمته:
منذ مدة مضت كان العلماء يفرضون إمكان وجود الحياة في الأجرام السماوية. والمريخ في نظرهم أكثر احتمالا أن يكون فيه أحياء، وقد مر زمان كان الناس يظنون أن سكان المريخ أكثر ذكاء وعبقرية منا -سكان الأرض- وقد ظنوا أن هؤلاء المريخيين حفروا ترعا هائلة للسقي يمكن أن ترى من هذه الأرض بمكبرات “تلسكوبات” خارجة عن المعتاد في تعظيم الأجرام وتقريبها. وأخيرا انتهت نظرية الترع المريخية إلى موقف محاط بالشك. وفي هذا الزمان صار احتمال وجود الحياة في الكواكب موضع شك. لكن المسلم لا يمكن أن يعتريه شك في ذلك. والقرآن وحده من بين الكتب التي قيل أنها جاءت من الله لم يقتصر على تأكيد وجود الله فقط بل وعمه بالبراهين القاطعة والمنطق “المعقول”.
في السورة الثانية والستين في آخر الثمن الثالث منها قد قيل منذ ثلاثة عشر قرنا مضت: (ومن آیاته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة) إن لفظ “فيهما” لم يبق شكا في أن الإشارة بالضمير للسماوات والأرض وما فيهما من الكائنات الحية(2) والقرآن الكريم لم يقتصر على إثبات وجود الحياة في الأجرام السماوية بل تعدى ذلك إلى أن جعل ذلك من الآيات على وجود الله الخالق القدير، وعبر عن ذلك بالعبارة نفسها التي عبر بها عن وجود الحياة في هذه الأرض، أما أنا فليس عندي أقل شك في وجود الحياة في الكواكب، وربما كانت تلك الكائنات طيرا أو مما يمشي على بطنه Reptile أو من ذوات الثدي أو كل نوع من الأنواع التي توجد في الأرض. من الممكن أن تكون الحياة التي في الكواكب مخالفة أتم المخالفة لهذه الحياة التي على الأرض، ولكن الموقع أنه لا بد أن يكون بين الحياتين نوع من التشابه، وكل من سكان السماوات والأرض يحمل طابع المبدع المحيي. من المحتمل بل من المتوقع إن كان في الكواكب خلق عقلاء، فلا بد أن يكون الهداة والمنذرون قد أرسلوا إليهم كما أرسلوا إلى أهل هذه الأرض ليهدوهم الصراط المستقيم. ومن اللطائف أنه عند الكلام على خاتم الهداة في هذه الأرض قال المؤلف الأعلى سبحانه في القرآن الحكيم: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) لفظ العالم استعمل بصيغة الجمع. وفي القرآن في موضع آخر (يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض) وفي موضع آخر نجده يقول: (ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة).
ولم يقتصر القرآن على إثبات الحياة بوضوح في الأجرام السماوية كما في هذا الجرم الترابي المسمى بالارض بل ألطف من ذلك – أنه قال بهذه الآية السابقة في هذا المقال (وهو على جمعهم إذا يشاء قدير) ومعنى الآية كلها: ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة (من الكائنات الحية) وهو على جمعهم إذا يشاء قدير. والقسم الأخير يشير إلى مكان اجتماع أهل السماوات وأهل الأرض، على ذلك إذا شاء الله سيأتي يوم يتمكن فيه أهل الأرض من إرسال الرسائل إلى إخوانهم الذين في المريخ وبإرشاد الوحي الإلهي يمكنهم أيضا أن يخترعوا وسائل تمكنهم من الاجتماع “الحقيقي” في ألطف هذه الاجتماعات.
إن مما تنقطع له النفس حسرات أن المسلمين بعد ما قطع الناس شوطا بعيدا في الاكتشافات العلمية حبسوا أنفسهم في المناظرات والمناقشات في الأمور التافهة. فالعالِم والمُلَّا والمجتهد حصروا علمهم في توليد الصور المفترضات والاحتمالات.
الأمة التي أنجبت مئات الألوف من فحول العملاء في جميع فنون العلم والحكمة (عقمت) فصارت لا تخرج ولا عالما واحدا من المرتبة الأولى في عدة قرون. ليس هناك كتاب دینی شجع وحض على تعليم العلم والحكمة أكثر من القرآن الكريم. وهو نفسه يحتوي كثيرة من الحقائق العلمية. ومنذ سنوات قليلة جدا رأى بعض العلماء من الأوربيين أن الحياة في بعض الكواكب السيارة داخلة تحت دائرة الإمكان. لكن المسلمين منذ ثلاثة عشر قرنا أخبروا بأن الحياة موجودة في الأجرام السماوية، وزيادة على ذلك أنه من الممكن إن بذل الإنسان جهده لينال نعمة الله فيأتي بسكان السماوات وسكان الأرض فيجتمعوا معا، وعلى هذا فعلماء الإسلام هم أول من حث وهدى الناس إلى السعي في اختراع الوسائل التي تمكن من الاتصال بين أهل هذه الأرض والأراضي الأخرى “الكواكب”. ويا أسفا على المسلمين لقد ضيعوا الفرصة. لقد قيل أن واحدا من علمائهم – ابن عربی – طاف بالقوة الروحانية في بعض الكواكب البعيدة، فماذا أراد بذلك الطواف؟ ما أراد إلا التفكير في اختراع الوسائل التي بها يمكن اجتماع سكان الكواكب واتصالهم، ولو أن المسلمين استمروا في طلب الحكمة التي قال فيها كتاب الله عز وجل أنها أفضل نعمة وهبها الحكيم العليم للإنسان لكانوا قد نجحوا في القرون الأخيرة في الجمع بين
سكان الكواكب. ولكن يا أسفا لقد ترك المسلمون هذه الأمور تركا تاما أهملوها غاية الإهمال. ألا فليعيدوا الكرة الآن وليأخذوا في طلب العلوم بجد واجتهاد. انتهى.
لكنو (الهند) 3 ذي القعدة 1351هـ
محمد تقي الدين الهلالي
————————-
(1) نسبة إلى جبال الأطلس في المغرب، وهو البحر الذين وراء الغرب وكان يسمى بحر الظلمات لترامي أبعاده، وما كان يراه الأقدمون من خطورة الإيغال في آفاقه. ويذهب بعض الجيولوجيين إلى أنه كان في هذا البحر وراء جبال الأطلس قارة تسمى (الأطلانتيد) على اسم هذه الجبال وأنها غارت في البحر الأطلسي. واسم هذا البحر عند الافرنج (الأطلانتيك) بكاف النسبة عندهم إما إلى جبال الأطلس وإما إلى قارة الإطلانتید – (الفتح)
(2) ثم راجعت ما حضرني من التفاسير فوجدت في الخازن ما نصه: “وقيل يحتمل أن الله خلق في السماوات أنواعا من الحيوانات يدبون دبيب الإنسان”، وفي تفسير النسفي: “ولا يبعد أن يخلق في السماوات حيوانات يمشون فيها مشي الأناسي على الأرض” اهـ.
صحيفة الفتح، عدد 339 – السنة 7 – 8 ذي الحجة 1351هـ – ص: 4-5