يسرني أن علماءنا وكتابنا المجاهدين في سبيل الله قد انتبهوا إلى واجب عظيم، وإن كانوا عنه من قبل لغافلين. قد انتبهوا إلى فرض كان تضييعه وإهماله من أدواء المسلمين ومن الوسائل التي مهدت سبيل طمس الحقائق وتغطية أنوار القرآن العظيم بغرابيل الشبهات وخلق الأفق والبهتان على حجة الله على العالمين، ألا وهو الكتاب الذي مضت عليه قرون أربعة عشر إلا خمسين عاما ولا يزال طريا غضا كما لا يزال إعجازه یسبي قلوب عدد غير قليل في كل سنة من علماء الغرب والشرق ويدخلهم في حظيرته القدسية بلا راهب ماكر، ولا مدفع قاهر، ولا سيف باتر، ولا مستشفى ساحر، ولا مدرسة قد اتخدت حبالة، بل بمجرد نوره الهادي من الضلالة. إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. وكل من أولئك الفلاسفة الحكماء كان عدوا مبينا القرآن والإسلام فأصبح وليا حميا يفديه بنفسه وما ملكت يمينه.
أجل، إن التراجم المشوهة لمحاسن القرآن التي خطتها أيدي أعدائه الآثمة وزورتها قلوبهم الجاحدة الظالمة المظلمة قد لعبت دورًا عظيما في التضليل والصد عن سبيل الله، وكتابه ينادي عليهم بقوله (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۚ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ).
دونك أيها الأخ المشارك لي في الأسف على ذلك فقرة واحدة مما قاله أحد المترجمين له وعلى ذلك من أوسط -أي أمثل- من ترجم القرآن من أعدائه ألا وهو جورج سيل الانكليزي الشهير الذي كان لترجمته الحظ الأوفر من الرواج والانتشار وقد مضى على ما حدثني به بعض المحققين نحو قرن كامل طبعت في أثنائه عدة طبعات. قال في مقدمة ترجمته ما ترجمته: “لا أراني في حاجة إلى أن أعتذر إلى رجال الدين ولا إلى رجال الحكومة عن عملى هذا (ترجمة القرآن) لأنه لا يخشى منه أدنى خطر -يعني على العقائد النصرانية- لأن كونه مفتعلا أمر واضح” انتهی. ولو أُنْشِرَ (سيل) ونظر بعينه إلى الخطر العظيم الذي صادم النصرانية من انتشار القرآن لعلم أنه كان مخطئا في ظنه وخاطئا في جحوده لبراهين صدق القرآن المدهشة رياء ونفاقا (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ).
مضت قرون والمترجمون يعبثون بالقرآن ولا شعور للمسلمين بمكايدهم. أما في هذا الزمان فقد انتبه قليل من علمائنا لهذا الخطر وعالجوا المسألة، فألف بعضهم وكتب بعضهم في الصحف، ولكن إلى الآن لم ينتبه لذاك أكثرهم ولم يقوموا بهذا الواجب حق القيام ولا أعطوه حقه من الاهتمام.
أول من رأيت له مقالة نفيسة في هذا الأمر هو الأستاذ العلامة السيد محمد الخضر حسين قرأتها في صحيفة (الصراط المستقيم) المجاهدة البغدادية شقيقة (الفتح)، بحث الأستاذ بحثا قيما في هذه المسألة في نواح عدة منها حسبما تَسَعُه مقالة واحدة، وكان رأيه في جواز ترجمة القرآن وهو الإباحة على أنها تفسير لا أنها محيطة بجميع ما في كلام الله من المعاني والإعجاز، فإن ذلك عين المحال. ثم أشار إلى أغلاظ المترجمين وذكر بعض أسباب وقوعها ثم ذكر غلطتين أحداهما في الترجمة الألمانية وهي ترجمة الإبل في قوله تعالى: (أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) بالسحائب، والثانية في الترجمة الانكليزية للسيد محمد مارمادیوك بكثول الإنكليزي المحمدي نزيل حيدرآباد حالا وهي ترجمة قوله تعالى: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ) ترجم (يَدْمَغُهُ) بما معناه يشج رأسه. وانتقد السيد المذكور هذه الترجمة، فكتبت مقالا مختصرا ونشر في صحيفة (الصراط المستقيم) منذ نحو شهر وذكرت نموذجا مما وقفت عليه من الأغلاط في التراجم الإنكليزية مما لا يعد من الغلط الذي ذكره السيد الخضر شيئا لأن تفسير (الإبل) بالسحائب إن صح لغة ولم يصادم تفسيرا نبويا صحيح الإسناد فهناك مجال لتسليمه، وأما ترجمة (فَيَدْمَغُهُ) بیشج رأسه فقد راجعتها فوجدتها هكذا (بْريكْ ايتْسْ هيدْ) (1) ومعناه يكسر رأسه لا يشج رأسه وإن كانت لفظة (بْريك) تستعمل في الشج مجازاً. وانتقاد هذه الترجمة يتوقف على استقراء الاستعارات في اللغة الانكليزية وقَصُرَ باعي في هذه اللغة لا يمكنني من ذلك، فإن كان كسر الرأس عندهم يستعار للإبطال والإدحاض فالترجمة صحيحة، أضف إلى هذا أن المعنى الأصلي للدفع ثم إن الأستاذ مارمادیوك بكثول سمى ترجمته اسماً يشعر بأنه يرید بها تفسير القرآن وتبليغه للأمة الانكليزية تفسيرا إسلاميا خاليا من التحريف والكيد، بل صرح بذلك في جواب كتبه إليَّ وسأدرجه هنا لاشتماله على حقائق تتعلق بهذه المسألة، وفيه فائدة أخرى يعرفها من قرأه. نعم إنه سمی ترجمته (ذي مینینگ أُفْ ذی گلورْيسْ قرآن) معناه “معاني القرآن المجيد” فلم يقل كما قال سِيل وغيره (ذي قرآن أُفْ محمد) یعنی قرآن محمد. إلا أن ترجمة الاستاذ مارماديوك لم تسلم من أغلاط بينة كما لم يسلم غيرها وهي كثيرة، منها في قوله تعالى: “أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ” وقوله: “أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ” أنه قاله (اَرْذِی نُتْ انديدْ ذي فُوليش؟)(2) (اَرْذِي نُتْ اندید ذي مستشف ميكرز)(3) معناه: أليسوا في الحقيقة سفهاء. أليسوا في الحقيقة مفسدین.
وسبب هذا الخطأ أن المترجمين ظنوا أن (أَلَا) في الآيتين مركبة من همزة الاستفهام ولا النافية كما في قوله تعالى “أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ” والحقيقة أن (أَلَا) كلمة واحدة غير مركبة وأنها حرف استفتاح تذكر للتنبيه. ومنها أنه ترجم قوله تعالى (ووُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تظن أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ) بما معناه: تعلم أنت مصيبة عظيمة حول أن تقع عليهم. وسبب هذا الوهم أَنَّ (تظن) تستعمل للمخاطب والغائبة ففاعلها في الأول مستتر وجوبا تقديره (أنت)، وفي الثاني مستتر جوازا تقديره (هي)، وهذا الثاني هو المراد في الآية فإن الضمير المستكن في (تظن) عائد على الوجوه فظنَّه المترجم للمخاطَب فرأى حينئذ أن المناسب هو تفسير الظن بالعلم فقال: تعلم أنت أن مصيبة عظيمة حول -أي قريب- أن تقع عليهم.
وفي هذه الترجمة وغيرها مما وقفت عليه من التراجم الانكليزية أغلاط واضحة ومع ذلك فالذي أراه هو جواز الترجمة للضرورة بشروط: أحدها أن يصرح المترجم بأن هذه معان مقتبسة من القرآن بقدر الطاقة، ونقل معانيه حقيقة غير ممكن.
ثانيها – تضلعه في اللغتين المنقول منها والمنقول إليها.
ثالثها – أن لا تعتمد طائفة من المسلمين على الترجمة وتتخذها عوضا عن القرآن راضية قانعة بعملها هذا زاعمة أنها تهتدي بالقرآن الاهتداء المطلوب بالنظر في ترجمته كما عليه أكثر المسلمين في الهند، فإنهم قانعون بترجمة القرآن والحديث لا يرون ضرورة تعلم اللغة العربية ولا تعليمها لأطفالهم، ولا يرون أن الإسلام ينهدم ويضمحل بفقد لغة القرآن، وأنهم كلما ازدادوا جهلا بلغة القرآن والهدي النبوي ازدادوا بعدا من الإسلام. وقد صرح لي أكثر من لقيته من كبار العلماء هنا أنه إذا ترجم القرآن والحديث والفقه فلا حاجة بالناس إلى اللغة العربية، وهذه طامة عظيمة ليس هذا محل الكلام فيها.
والذي ينبغي أن يقصد بالترجمة: أولا هو بيان ما في تراجم الأعداء من البهت والتحريف، وثانياً ترغیب واستمالة غير المسلمين وتنوير أذهانهم والسعي في محو ما علق بأفكارهم من العقائد الفاسدة في القرآن والنبي والإسلام مما أشاعه الأفاكون من أعدائه، وثالثا عرض عقيدة التوحيد ببراهينها الساطعة الجاذبة للقلوب القاضية على التثليث والوثنية قضاء مبرما، الداحضة جيوش أباطيلهما، الغاسلة لأدرانهما من قلوب من أراد الله أن يطهرهم ویزكيهم. ومتی اهتدى أحد من هؤلاء إلى الإسلام بما ترجمناه له نبين له حينئذ أن الترجمة لا تسمن ولا تغني من جوع، فإن كان قادرا على درس اللغة رغبناه في ذلك وإلا علمناه ما تيسر من القرآن بألفاظه ومعانيه، وأمرناه أن يعلِّم أولاده العربية ليكرعوا بأنفسهم من بحور القرآن والهدي النبوي. أما الأمة التي كانت تقرأ القرآن وتتدبره وتقرأ لغته لمعرفته وفيها خَلْق لا يحصون من عارفي اللغة القرآنية فانقلبت على عقبها ومكرت مكرا كبارا وأرادت أن تميت لغة القرآن لكي تتمكن من إزالته ومحو رسومه وتخرج أبناءها من النور القليل إلى الظلمات المدلهمة التي بعضها فوق بعض، ومن العلم ولو قليلا إلى الجهل المحض، فغرضها لا يخفي أو تخفي الشمس في رابعة النهار وليس دونها غمام.
فالترجمة التي أبحناها يراد بها هداية المترجَم لهم إلى الإسلام، وأما ترجمة حكومة الترك فإنما يراد بها إخراج أمتهم من الإسلام قصدا وعمدا (وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ * فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ).
ثم وقفت على مقال الأستاذ مصطفى أحمد الرفاعي اللبان، فرأيت فيه مواضع ينبغي البحث فيها، ولا إشكال ما أفاده في مقاله النفيس إلا في مسائل يسيرة منها، إن إغضاءنا عن تلاعب المترجمين بالقرآن إهمال لواجب عظیم کما مر، وتحريم الترجمة مطلقا فيه نظر لما تقدم مع أنه ليس في إمكاننا المنع من ترجمته لأن علماءنا ونظارنا غير مجمعين على ذلك وهب أنهم أجمعوا عليه وأطاعتهم العامة، فما الحيلة في الأجانب إذا قلنا لهم حرام عليكم أن تترجموا كتابنا إلى لغاتكم لأنه لا يمكن ترجمته لأحد منكم ولا منا ولو بلغ في لغتنا وافتك الدرجة القصوى سواء أراد بترجمته تقریب معاني القرآن أو نقلها حقيقة، فانهم لا يزيدون على أن يسخروا منا ويستمروا في عملهم، وربما ينفتح باب جديد للطاعنين فيقولون لولا أن في كتابهم عارا يريدون إخفاءه ما منعوا ترجمته وادعوا استحالتها. فإذا علم أن القرآن لا بد أن يترجم إلى اللغات الأجنبية سواء أحببنا أم كرهنا؛ فلأن نترجمه بأنفسنا ترجمة صادقة صحيحة وننشره خير من أن نترك ترجمته لأعدائنا يدسون فيها السم في الدسم، وقد بلغني أن أحد أعداء الإسلام من الألمان ترجم القرآن وصور في ترجمته صورا فاحشة في ترجمة قوله تعالى: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ) وفي مواضع أخرى. فبالله عليك يا أخي ما هو جواب هذا الفاجر الأفاك إلا نشر ترجمة صحيحة تزيف إفكه وتدحض شبهته. أما ترجمة تفسير القرآن فهي أقعد وأبعد في الاستحالة من ترجمة القرآن نفسه لأن التفاسير مختلفة باختلاف الطوائف الإسلامية والعقول والأفكار، فأيها تقدم وأيها تؤخر؟ وكل طائفة تدعي أن التفسير المطابق لأصولها هو الحق، بل مفسرو الطائفة الواحدة قد يختلفون، فإذا ترجمنا تفسيرا ترتضيه الطائفة الفلانية ونشرناه تقوم الطوائف الأخرى فينشر كل منها تفسيرا يرتضيه ويرد علينا تفسيرنا ويعلق حواشي تثبت تفسيره (4) وفساد تفسير غيره وحينئذ يشك الأجانب في صحة الجميع وينبذون تفاسيرنا جمیعا وتكون النتيجة وخيمة. وقولكم إن من المشاهد أن تعلم الانكليزية بحروف عربية ممكن وسهل بخلاف العكس فمع كونه ليس مهما ذكره في هذه المسألة فيه نظر فإن في الانكليزية حروفها وأصواتا لا يوجد في اللغة العربية في حروفها وحركاتها ما يصوره مع أن المعتمد في تعلم اللغات هو مشافهة العالِمين بها لا كتابتها بحروف لاتينية أو عربية.
وقولكم وما ذا يقال في ترجمة (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) جوابه أنه يقال في ترجمتها ما يقال في تفسيرها وما تدل عليه في اللغة وتفاسير السلف وهو معلوم، وقد خاطب الله العرب به وفيهم من ظن أن الخيط الأبيض والخيط الأسود في قوله تعالى (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ) هما عقالان أحدهما أسود والآخر أبيض. وقولكم أظنهم يقولون تعنون في ترجمة الرحمن على العرش استوى God has sat on the throne وبذلك يكفر المترجِم والمترجَم لَه فيه نظر ظاهر من جهة الترجمة ولا شأن لنا فيه. ومن حيث المعنى فكيف ينبغي لنا إذا مال انكليزي إلى القرآن وآمن بجميع ما فيه وصدق الرسول أن نكفره بخطأ واحد في لفظ واحد لا يريد به نقصا. هذا إذا جزمنا أن ترجمة استوى بـ Sat من المعلوم في الدين بالضرورة كونه كفرا وفي ذلك ما فيه فقد روى الدارمي الأمام في كتاب الرد على بشر المريسي عن جماعة من أئمة المحدثين أنهم كانوا يعتقدون أن المقام المحمود الذي وعد الله به نبيه ﷺ أنه يقعده معه على العرش ورووا في ذلك حديثاً وقد ذكره الذهبي في كتاب العلو وانتقده وبين ضعفه وهو ظاهر من حيث الإسناد ولكن لا أظن عاقلا يعتقد أن أولئك الأئمة ضلال فضلا عن الكفر وكان هذا الأمر والمسلمون أحياء فكيف في هذا الزمان. ولا يخفى على حضرتك حديث الرجل الذي كان مسرفا على نفسه فأوصى أهله إذا مات أن يحرقوه ويذرُّوا رماده في البحر قائلا: لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا عظيما أو كما قال. فلما مات فعلوا به ذلك فقال الله له: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: يارب استحييت منك. فقال الله له: اذهب فقد غفرت لك. هذا معنى الحديث، وليس هذا زمان المسارعة إلى التكفير بالخطأ لو كانت حقاً وصواباً فكيف وهي خطأ في كل زمان وفي هذا الزمان أشد، فهؤلاء الصهيونيون كل من مال إليهم بكلمة واحدة ورضي أن يكون منهم، قالوا له: أنت أخونا وسيدنا ومسیحیو أوروبا على غلبتهم وقوة سلطانهم لا يميل إليهم أحد ولو كان مكذبا بكثير مما عندهم إلا وتقبلوه بقبول حسن ولا تقتصر تانك الطائفتان على القبول والثناء بل تضمان إليه الأصفر الرنان والحماية له وإن كان
من أكابر المجرمين فإذا مال إلينا أحد ونحن حثالة الأمم يليق بنا أن نتتبع عثراته؟ کلا، وأظن أن الأستاذ الرفاعي أول من يوافق على هذا وإنما صدرت منه تلك الكلمة سهوا.
ذكرتني هذه القضية كلاما جرى بيني وبين أحد العلماء في شأن المسلمين من الإنكليز في الهند قال ذلك العالم: إنني لقيت هؤلاء المسلمين الانكليز وحادثتهم فوجدتهم صادقين يفيضون غيرة وحماسة للإسلام لكن من حيث العمل.. وسكت يريد أنهم لا يعملون. فقلت له ما مرادك بالعمل فقال الصلاة والصوم فقلت له هنا أمر غفلنا عنه فكان سبب هلاكنا، لقد حصرنا الدين الإسلام في الصلاة والصوم وعدد المسلمين 400 مليون وأكثرهم يصلون ويصومون فما أغنت عنهم صلاتهم وصومهم وقد ضربت عليهم الذلة والمسكنة ومنعهم الله ما أعطى سلفهم من النصر والاستخلاف وقد قال الله تعالى: (فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ)، (وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)، (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلْأَشْهَٰدُ)، (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)، (وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا)، (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) إلى غير ذلك من الآيات. ومعلوم أن وعد الله حق وأنه لا يخلف وعده. فلو كانت الصلاة والصوم فقط هما الأمان لكان المسلمون غالبين منصورين عالين، لكننا نراهم مغلوبين مخذولين سافلين فعلمنا أن إيمانهم ليس هو الإيمان الكامل الموجب لنيل السعادة. وقد قال النبي ﷺ: (آية المنافق ثلاث، وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم، إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان) رواه مسلم وأصله متفق عليه. ثم قلت له: هذا الاستاذ محمد مارماديوك ألف كتبا قيمة كل واحد منها كتيبة محمدية تغزو أعداء الإسلام وهو يصدر مجلة في كل ثلاثة أشهر اسمها (اسلاميك كلتشر) يعني التهذیب الإسلامي، أليس هذا عملا؟ هذا والله هو العمل النافع الرافع للإسلام أحسن من صلاة ملايين من المسلمين فكيف يصح أن يسمى صاحب هذا العمل لا عمل له ورجل منافق ينقر رکعات ويحبس نفسه عن الطعام أويقات مخصوصة عادتين تعودهما یسمی عاملا
أوردها سعد وسعد مشتمل ** ما هكذا يا سعد تورد الإبل
بل عمل هؤلاء هو سنام الدين وهو الجهاد في سبيل الله الذي به تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى أن الصلاة الصوم لا ينفعان إلا صاحبهما إذا كان مخلصا فيهما ومتبعا للسنة
وأما الجهاد فإنه ينفع جميع المسلمين. على أننا لا نسلم أن هؤلاء الإخوان الانكليزيين لا يصلون ولا يصومون وكيف يمكنك أن تعرف أن فلانا لا يصلي ولا يصوم في جلسة واحدة تجلسها معه والواجب حسن الظن بالمسلمين خصوصا هؤلاء الذين تحملوا في حب الإسلام رزايا وتشنیعات وحرمانا من حقوق كانوا يتمتعون بها وهم نصارى وذلك ما لا يحمله إلا الجبال الرواسخ الراسيات ولا يعلمه إلا من عرف ماذا يصيب من بدل دينه من المصائب(1) هذا إذا تدين بدين قوم أحياء مساوین لأمته فكيف إذا تدين بدين قوم مغلوبين صاغرين أذلة.
إخواني إن أعداءنا يهجمون علينا بخيلهم ورجلهم ولا يميزون بين طائفة وطائفة ولا مخطئ في اعتقاده ولا مصيب بل عندهم علامة واحدة تدلهم علينا وتحل دماءنا وأموالنا وأعراضنا في رأيهم ألا وهي Muhammadan أي محمدي.
إذا كان أعداؤكم يجمعونكم تحت هذه الكلمة المحبوبة وهي محمدي فأنتم أولى أن تجتمعوا تحتها، فالمحمدي أخو المحمدي لا يظلمه ولا يسلمه، (إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)
لكنو الهند.
محمد تقي الدين الهلالي
———
(1) لفظه And doth break its head
(2) لفظه Are not they indeed the mischief makers?
(3) Are not they indeed the foolishe?
(4) كما فعل محمد على القادياني بأنه ترجم القرآن على مذهب القاديانية ووضع عليه حاشية واسعة في شرح دعوتهم ونالت هذه الترجمة رواجا عظيما.
مجلة الفتح: العدد 315 – 20 جمادى 1351هـ – السنة 7 – ص: 8-10