60- ومن الأخطاء الشائعة في هذا الزمان في الإذاعة وعلى ألسنة الناس استعمال التصليح في معنى الإصلاح، ولم نجد ذلك في كتب اللغة ولا في القرآن الكريم الذي هو أساس اللغة العربية، أما القرآن فقد قال تعالى في سورة النساء ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ﴾ [النساء: 114]، وقال تعالى في سورة الحجرات ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ﴾ [الحجرات: 10]، وهو كثير في القرآن، وكله من أصلح، وأما كتب اللغة فقد قال صاحب القاموس (الصلاح) ضد الفساد كالصلوح، صلح، كمنح وكرم وهو صلح، بالكسر، وصالح، وصلح، وأصلح ضد أفسده، اهـ.
61- ومن العبارات المأخوذة من اللغات الأجنبية (الأوربية) التعبير عن علماء الدين برجال الدين وهو تعبير ظاهر الفساد لأن كل من كان له دين يدين به سواء أكان من العلماء بالدين أم لم يكن منهم فهو من رجال الدين، ورجال الدين عند النصارى هم أصحاب الرتب الدينية وهي متفاوتة عندهم كتفاوت رتب قواد الجيوش، فكما أن رتب قادة الجيش تبتدئ من ملازم وتنتهي في رتبة مشير فكذلك رتب رجال الدين عند طوائف النصارى، فعند الكاثوليكيين تبتدئ من أدنى قسيس يجوز له أن يؤم الناس في كنيسة وتنتهي في رتبة البابا، وعند البروتستانتيين الذي لا يؤمنون بالبابا لهم رتب معلومة عندهم، أما الإسلام فليس فيه رهبانية ولا رتب دينية، ولكن ينقسم المسلمون إلى علماء بالكتاب والسنة وعلومهما ترجع إليهم العامة في الاستفتاء والقضاء وإمامة الصلاة، وليس في الإسلام رتب دينية ولا بابوية ولا رهبانية، ولا مجمع يمنح الرتب الدينية ويسلبها فالصواب إذن التعبير بعلماء الدين، قال تعالى في سورة المجادلة: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11] اهـ.
62- ومن الأخطاء الشائعة التي يأسف لها من كان عنده أدنى شيء من محبة اللغة العربية والغيرة عليها جمعهم المدير وهو الذي يدبر شؤون مصلحة من مصالح الدولة على مدراء توهما منهم أنه من باب فَعِيل بفتح الفاء وكسر العين، الذي يجمع على فُعَلاء بضم الفاء وفتح العين، كحكيم وحُكماء وكريم وكُرماء وبخيل وبُخلاء، وبينهما بون شاسع، لا يلتبس أحدهما بالآخر إلا على من ليس له من علم اللغة العربية أدنى نصيب، فإن المدير وزنه مفعل من أدار يدير الرباعي فالصواب جمعه جمع مذكر سالما على مديرين، كمقيم من أقام يجمع على مقيمين، قال الله تعالى في سورة الحج، وبعد قوله تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [الحج: 34، 35] قال ابن مالك في الألفية:
ولكريم وبخيل فعلا
وناب عنه أفعلاء في المعل
كذا لما ضاهاهما قد جعلا
لاما ومضعفا وغير ذلك قل
قال ابن عقيل في شرح هذين البيتين، من أمثلة جمع الكثرة فعلاء هو مقيس في فعيل بمعنى فاعل صفة لمذكر عاقل غير مضاعف ولا معتل نحو ظريف وظرفاء وكريم وكرماء وبخيل وبخلاء وأشار بقوله كذا لما ضاهاهما إلى ما شابه فعيلا في كونه دالا على معنى وهو كالغريزة يجمع على فعلاء، نحو عاقل وعقلاء وصالح وصلحاء وشاعر وشعراء وينوب عن فعلاء في المضاعف والمعتل أفعلاء نحو شديد وأشداء وولي وأولياء وقد يجيء أفعلاء جمعا لغير ما ذكر نحو نصيب وأنصباء وهين وأهوناء، والقياس نصباء وهوناء.
توضيح لكلام ابن عقيل:
رب قائل يقول إن كلام ابن عقيل واضح لا يحتاج إلى توضيح، وتوضيح الواضحات من الفاضحات، فأقول على رسلك إني أحب أن يستفيد من هذه المقالات، القراء كلهم أو أكثرهم وأنا أعلم أن فيهم ضعفاء يصعب عليهم أن يفهموا كلام ابن عقيل فهما تاما ولذلك يدرس في الجامعات والمعاهد ولو كانت قراءته تكفى ما احتاج الطلبة إلى مدرسين يوضحونه لهم، فأقول في توضيحه فيه مسائل:
الأولى:– إن هذا الجمع وهو فعلاء وأخوه أفعلاء من جموع الكثرة وقد تقدم ذكر جموع القلة في هذا الباب من كلام ابن مالك وشرحه لابن عقيل وهي أربعة.
الثانية: قوله كل فعيل بمعنى فاعل احترز به من فعيل بمعنى مفعول كقتيل بمعنى مقتول وجريح بمعنى مجروح وكحيل بمعنى مكحول وكسير بمعنى مكسور فقد تقدم ذكر جمعها فبخيل إذا وصف به شخص فهو فاعل البخل وهو المتصف به وكريم وهو فاعل الكرم المتصف به وهكذا يقال في ظريف وشريف وعظيم وما أشبه ذلك.
الثالث: احترز بقوله (صفة) من فعيل اسما كقضيب فلا يجمع على فعلاء واحترز بقوله (مذكر) من مؤنث كشريفة المؤنث فإنه يجمع على شرائف وشريفات، واحتزر بقوله، عاقل من فعيل صفة لغير العاقل كمكان فسيح أي متسع فلا يجمع على فعلاء بل يجمع على فسح، بضمتين، واحتزر بقوله، بمعنى فاعل من فعيل بمعنى مفعول كقتيل، وقد تقدمت الإشارة إليه.واحتزر بقوله غير مضاعف من المضاعف كشديد وخليل فإنهما يجمعان على أفعلاء كما سيأتي قريبا، واحتزر بقوله غير معتل اللام من معتل الآخر كولي وصفي فإنهما يجمعان على أفعلاء.
الرابعة: إن ما شابه فعيلا المذكور في معناه وإن خالفه في لفظه يجمع كذلك على فعلاء إذا كان دالا على معنى هو كالغريزة أي لازم لمن اتصف به لا ينفك عنه كعاقل وعقلاء وصالح وصلحاء وما أشبه ذلك فعاقل وصالح يشبهان بخيلا وكريما في المعنى لأنهما يدلان على صفة لازمة للموصوف بخلاف آكل وضارب فإنهما صفتان لا تلازمان الموصوف وإنما يتصف بهما في بعض الأحيان.
الخامسة: إذا كان فعيل مضاعفا، أعني أن عينه ولامه حرف واحد متكرر كشديد وجليل فإنه ينوب عن فعلاء أخوه أفعلاء فتقول أخلاء وأشداء وأجلاء، وكذلك إذا كان معتل اللام كولي وغني وسخي فإنه يجمع على أفعلاء كأولياء وأغنياء وأسخياء.
السادس: جاء جمع فعيل على أفعلاء لغير ما ذكر بقلة فيما لم توجد فيه الشروط المتقدمة كنصيب وأنصباء فإن نصيباً اسم وليس بصفة وهين وأهوناء فإنه ليس فعيلا وهو صفة ليست خاصة بالعقلاء.
63- ومن المصائب التي جاء بها الاستعمار الأجنبي (العملية) استعملوها أولا في الجراحات الطبية فأخذوا يقولون فلان أدخل المستشفى فأجريت له عملية جراحية ثم توسعوا فيها فصاروا يعبرون بها عن كثير من الأعمال فيقولون عملية التفتيش وعملية إنزال البضائع من الباخرة فيقحمونها قبل مصدر يدل على المعنى المطلوب فتكون عبثا وتكثيرا للكلام بلا فائدة وهذا الاستعمال مأخوذ من اللغات الأجنبية ترجم بها جهال المترجمين الكلمة الفرنسية operation وبالإنكليزية آبريشن، ولم تستعملها العرب ولا من جاء بعدهم من الكتاب والشعراء والمؤلفين واستعمالها يخدش وجه اللغة العربية ويشينها فينبغي للأديب الذي يحافظ على جمال لغة القرآن وفصاحتها ألا يستعملها في إنشائه فإن كان ولا بد فليقل علاج جراحي أو عمل جراحي، أما عملية التفتيش أو عملية إنزال البضائع من الباخرة ففي مثل ذلك يحذفها ويعبر بالتفتيش أو إنزال البضائع بدون ذكر العملية وبالله التوفيق.
64- ومن الكلمات الدخيلة التي جاء بها هذا العصر التبسيط يقال شرح الكتاب شرحا بسيطا ويقال يجب تبسيط كتب النحو يريدون بذلك التسهيل. أخذ ذلك من لفظ بسيط وقد تقدم انتقاد استعماله في نقد استعمال البساطة للتعبير عن السهولة في النقد الثاني عشر من تقويم اللسانين وهذا أيضا مما أخذ من اللغات الأجنبية بلا علم ولا هدى قال صاحب القاموس المحيط بسطه، نشره كبسطه بالتشديد اهـ فالبسط والتبسيط معناهما التوسيع والنشر قال الله تعالى في سورة الشورى: ﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ﴾ [الشورى: 27]، وقال تعالى في سورة القصص في قصة قارون لما رآه الذين يريدون الحياة الدنيا وزينتها حين خرج عليهم بزينته وأمواله: ﴿ يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [القصص: 79].
فرد عليهم الذين أوتوا العلم والإيمان بقولهم: ﴿ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴾ [القصص: 80] مما أوتي قارون من بهجة الحياة الدنيا وزينتها فلما رأوا ما حل به من الهلاك حين خسف الله به وبداره الأرض ندموا على ما فرط منهم كما حكى الله عنهم بقوله ﴿ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾ [القصص: 82] قوله سبحانه يبسط الرزق لمن: أي يوسعه لمن يشاء من عباده، ويقدر أي يضيقه على من يشاء من عباده، وقولهم شيء بسيط هو ترجمة للكلمة الأجنبية simple يراد به شيء سهل غير مركب غير معقد وأخذوا منه بجهلهم بسّطه بتشديد السين جعله بسيطا أي سهلا غير معقد أو قليلا أو حقيرا، وكل ذلك ضلال مبين.
65- ومن الأمثال العربية قولهم ليس الخبر كالعِيان بكسر العين ومعناه لا يستوي ما سمعته وأخبرت به وما رأيته بعينك وقد نظم هذا المعنى شاعر، فقال:
يا ابن الكرام لا تدنو فتبصر ما
قد حدثوك فما راءٍ كمن سمعا
فالعيان، بكسر العين، هو المعاينة والمشاهدة أي الرؤية بالعين وكثير من المتكلمين بالعربية يفتح العين في العيان فتعمى الكلمة أي تفسد فإبصارها في كسرها وعماها في فتحها ومن كان عنده علم بقواعد العربية يدرك ذلك لأن العيان بكسر العين مصدر عاين ومثله المعاينة كقاتل قتالا ومقاتلة وجادل جدالا ومجادلة وحاسبه حساباً ومحاسبة، قال ابن مالك في الألفية:
لفاعل الفعال والمفاعلة
وغير ما جر السماع عادله
66- ومن الأخطاء الشائعة بين المذيعين والقراء قولهم كسب فلان المعركة والسباق، بكسر سين كسِب، والصواب فتحها في الماضي وكسرها في المضارع قال تعالى في سورة البقرة:«لَهَا مَا كَسَبَتْ» بفتح السن، وقال تعالى في سورة النساء: ﴿ وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِه ﴾ [النساء: 111] فقوله سبحانه وتعالى لها ما كسبت أي لكل نفس جزاء ما عملت من خير، وعليها عقاب ما اكتسبت من شر، وقال صاحب القاموس كسَبه بفتح السين يكسِبه بكسرها كسباً وتكسب واكتسب طلب الرزق أو كسب أصاب واكتسب تصرف وبإنعام النظر في ما نقلته هنا يظهر لك خطأ آخر وهو استعمال لهم كسب بمعنى ربح كأنه يقابل خسر فيقولون ليس في هذه الصفقة كسب بل فيها خسارة وقد عرفت فساد ذلك.
67- ومن الأخطاء التي يقع فيها كثير من المذيعين والقراء كسر الذال من كذب وهذا الفعل لفظه مشهور جدا مذكور في القرآن وهو بفتح الذال من الباب الثاني من الفعل الثلاثي كضرب يضرب بفتح العين في الماضي وكسرها في المضارع ومن ضعف اللغة العربية في هذا الزمن أن أكثر المدرسين والطلبة المتخرجين في الجامعات لا يعرفون الأبواب الستة التي أولها فعَل يفعُل بفتح العين في الماضي وضمها في المضارع وثانيها فعَل يفعِل بفتح العين في الماضي وكسرها في المضارع كضَرب يضرِب وكسب يكسب، وثالثها فعَل يفعَل بفتح العين في الماضي والمضارع كنصح ينصح وقطع يقطع وهذا الباب لا بد أن يكون عينه أي الحرف الثاني منه أو لامه الحرف الثالث منه حرف حلق، ولم يشذ عن هذه القاعدة إلا فعل واحد وهو أبَى يأبى فإن عينيه وهي الباء مفتوحة في الماضي والمضارع مع أن عينه ولامه ليستا من حروف الحلق، فهذا الباب محصور في كون عينه أو لامه حرف حلق إلا ما استثنى. غير أن الأفعال التي عينها أو لامها من أحرف الحلق لا تنحصر في هذا الباب بل تكون فيه وفي غيره كدخل يدخل فإنه من باب نصر ينصر، وصحب يصحب فإنه من الباب الرابع الذي سنذكره بعد وكنت أشبه ذلك في زمن الاستعمار حين أقرر هذه القاعدة للطلبة بالدولة المستعمرة بكسر الميم، والشعب المستعمَر بفتحها ففعَل يفعَل بفتح العين في الماضي والمضارع شبيه بالشعب المستعمر لا يجوز له أن يخرج من الحلق فإن الشعب الذي تستعمره فرنسا مثلا لا يجوز لأحد من أهله وإن كان ملكا أن يتصل بدولة غير فرنسا والشعب الذي تستعمره بريطانيا لا يجوز لأحد من أهله وإن كان ملكا أن يتصل بدولة أخرى كفرنسا مثلا، وقد وقع لي مثل ذلك حين كنت ضيفا على ملكة (بهوبال) في زمن الاستعمار الإنكليزي في الهند فقد جاءها بعض المتعصبين المبغضين لأهل الحديث، نضر الله وجوههم في الدنيا والآخرة وبالخصوص العالم المحدث الشيخ محمد بن حسين بن محسن الحديدي الأنصاري اليمني إلى الملكة وقال لها إن هذا الشخص الذي في ضيافتك وهو محمد تقي الدين الهلالي ليس عربيا من جزيرة العرب كما أخبرك به شيخه، ولكنه من عرب المغرب، ومن شروط الحماية البريطانية التي يجب عليك التزامها أن لا تتصلي بدولة أجنبية ولا برعاياها فراجت هذه المكيدة على الملكة وأرسلت إلي تعتذر وأمرت رئيس الضيافة الكرنل عبد القيوم خان أن ينقلني من دار الضيافة الملكية إلى بيته ويكرمني ولم يأذن له في ذلك شيخنا المذكور رحمه الله ونقلني إلى ضيافته تغمده الله برحمته.
أما الأفعال التي يوجد فيها حرف الحلق عينا أو لاماً فهي كالدولة المستعمرة حرة تخالط أهل مستعمراتها وتخالط من تشاء من الدول.
الرابع: فعِل يفعَل بكسر العين في الماضي وفتحها في المضارع وهذا قياس مطرد سواء أكان متعديا كعلِم يعلَم أو لازما كفرح يفرح.
الخامس: فعُل يفعُل بضم العين في الماضي والمضارع معا كحسن يحسن وعظم يعظم وكرم يكرم.
السادس: فعِل يفعِل، بكسر العين في الماضي والمضارع معا كورث يرث وولي يلي وعدد هذا القسم لا يزيد على ستة أفعال وهي على هذا الترتيب في الكثرة والقلة في كلام العرب، والباب الأول والثاني سماعيان لا ينضبطان إلا بالحفظ، والثالث كثير في كلام العرب يقرب أن يكون قياسيا، أما الرابع والخامس فهما قياسيان، والسادس قليل عدده، سهل حفظه، فإن قيل هذه الأفعال غير القياسية التي تحتاج إلى الحفظ هي مما جعل اللغة العربية صعبة التعلم، وجعل الشباب يعرضون عنها ويقبلون على اللغات الأوربية، أقول في جوابه: من جهل شيئا عاداه، إن اللغة العربية أسهل من اللغات الأوربية الشائعة، فالفرنسية فيها أفعال وتصاريف خارجة عن القياس، تزيد على الألف وفيها صعوبات أخرى ليس هذا مقام بسطها واللغة الإسبانية مثلها في صعوبة معرفة الأفعال، واللغة الألمانية فيها صعوبات كثيرة جدا في أفعالها وأسمائها ومعرفة المبني والمعرب من الأسماء وإعرابها أصعب، من إعراب اللغة العربية لأن المعربات في اللغة الألمانية، لا يتغير إعرابها لا في الوقف، ولا في الوصل، وفيها صعوبات أخرى، ليس هذا محل بسطها، وأما الإنكليزية فإن أكثر كلماتها تكتب بخلاف ما تقرأ وقد عكف أحد كبار العلماء البريطانيين على دراسة هذه المسألة فخرج بنتيجة وهي أن التلميذ الإنكليزي لو كتب اللغة الإنكليزية كما ينطق بها لوفر ذلك عليه سنتين كاملتين يتفرغ فيهما لدراسة علوم أخرى وطرح بحثه أمام مجلس العموم الإنكليزي فاختلف النواب فأخذت الآراء وذلك ما يسمى بالاقتراع أو أخذ الأصوات فكان أكثر الآراء مع المانعين لتغيير كتابة اللغة الإنكليزية القائلين نكتبها كما كتبها أسلافنا وإن كانت معرفة الكلمات على ما هي عليه يكلف أبناءنا دراسة سنتين كاملتين، والحق أن السبب الذي بغَّض الناس في اللغة العربية ليس إعرابها ولا صعوبة قواعدها ولكن خذلان أهلها لها، وعدم شعورهم بواجب خدمتها فضيعوها كما ضيعوا غيرها من الواجبات.
وإلى اللقاء في المقال التالي بعون الله.
المدينة المنورة- الدكتور محمد تقي الدين الهلالي
مجلة دعوة الحق: العدد 142 (العدد 10 – السنة 14) – ذو الحجة 1392هـ – يناير 1972م – ص: 57-59.