عن الحجاز
جاءنا من صاحب الفضيلة ذي الإمضاء آخره ما يلي فنشرناه شاكرين لحضرته اطلاعه قراءنا على ما تنعم أنفسهم بالإصلاح من أحوال ذلك القطر الشريف :
الأمطار والرخاء
ما زالت الأمطار الغزيرة تهطل حيناً بعد حين فاهتزت أراضي المدينة المنورة وأنبتت من كل زوج بهيج فنزل ثمن الحليب من اثني عشر قرشاً سعودياً إلى 5 قروش ولا زال ينزل ومثله الجبن الطري والسمن وهما كثير والخضر والفواكه والحبوب كلها رخيصة ميسورة مثال من ذلك وقة اللفت والوقة كيلو
وربع بقرش واحد وكذا التماطش بقرش.
الحجاج
وصل إلى هذا التاريخ نحو 4000 ثم زادوا فوصلوا 11000 حاج من الجاوه والهند وبخارى قد دخلوا مكة المكرمة معتمرين فلما قضوا مناسك العمرة واستراحوا بدؤوا يفدون على طيبة الطيبة للزيارة وقد وصلت منهم قافلتان غير الذين جاؤوا في السيارات من جدة إلى المدينة يقطعون المسافة بين مكة وجدة في 3 ساعات وبين جدة والمدينة 13 ساعة وأكثر وأقل على حسب جودة السيارة (أتومبيل).
الأمان أعظم أسباب العمران
لا أحب أن أطيل الكلام في لواء الأمن والعدل الذي أكرم الله به الحرمين والحجاج على يد الإمام العادل التقي الصالح عبد العزيز بن الإمام عبد الرحمن آل فيصل آل سعود متع الله المسلمين بطول بقائه وأعزه بطاعته لأن خبره تواتر في جميع الأقطار ولكن أريد أن أذكر هنا جزئية شاهدتها في هذه الأيام: دعاني رجل صالح من أهل بلدنا يسكن هنا للفطور عنده فصلينا الصبح في المسجد النبوي الأنور وجلسنا حتى الإشراق كما في السنة فركعنا ركعتي الإشراق ثم خرجنا متوجهين إلى داره فعرجنا على دكانه لأخذ حاجة فرأيت الدكاكين غالبها مفتوح وبعضها أمامه بضائع في أكياس ملقاة على الأرض في الشوارع وما فيها أحد فقلت لصاحبي: عم الحاج ما بال هذه الدكاكين مفتوحة متى فتحها أهلها؟ فقال لي: هكذا باتت مفتوحة وأغلب الناس لا يغلقون دكاكينهم لا بالليل ولا بالنهار (الله يجعل البركة في السعودي) ثم جعل يشير لي إلى بعض الدكاكين الحوانيت ويقول ترى هذا الدكان فيه ما قيمته كذا وكذا جنيهاً ذهباً وهذا فيه كذا وكذا مائة جنيه ذهباً. فوصلنا دكانه فقال لي: رأيت دكاني من رمضان لم أغلقه لا ليلاً ولا نهاراً، الله يديم علينا هذه الأيام السعودية السعيدة، وقبلها كان الرجل يغلق داره ويحكم إغلاق أبوابها ولا يأمن على نفس ولا مال.
الأخلاق اليوم غيرها بالأمس
أخبرني جماعة من أهل الصدق خبراً تواتر أنه كانت بالمدينة المنورة في الزمان السابق عدة حانات تصنع فيها الخمر وأروني موضع واحدة منها قريباً من المسجد النبوي فهذا مقدار تعظيمهم لحرمات الله.
صلاة الجماعة
الحكومة الحجازية النجدية أيدها الله لا ترخص لأحد في ترك حضور الجماعة إلا لعذر وقد وكلت كتيبة من العساكر يسوقون الناس من السكك والدكاكين إلى صلاة الجماعة ولكنها أكدت عليهم أن يعاملوا الناس بغاية اللين وكذلك يفعلون، يمرون على الرجل أو الجماعة فيقولون قوموا للصلاة رحمكم الله، الصلاة هداكم الله فيقبل الناس على الصلاة أفواجاً حتى يغص المسجد الشريف على سعته. حتى النخاولة وهم الذين كانوا رافضة من أهل المدينة هداهم الله فصاروا يسارعون إلى الجماعة. وأخبرني الثقات أن المؤذنين كانوا يؤذنون في الزمان السابق المظلم حي على الصلاة حي على الفلاح والناس جالسون في القهوات والحوانيت قرب المسجد فلا يجيب داعي الله منهم إلا القليل جداً.
تنفيذ الحدود ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه
تمر عليك الشهور ولا تسمع أو ترى أحداً يحد لقلة ارتكاب ما يوجب الحد، فقد أقمت بالمدينة أربعة أشهر إلا قليلاً فما شاهدت أحداً يقطع أو يجلد إلا مرة رأيت عند باب المصري في السوق رجالاً واقفين حلقة فذهبت لأرى فوجدت شاباً يجلده اثنان من الشرطة وشرطي ثالث يعد الجلدات فسألت عنه سبب جلده فأخبرت أنه سائق سيارة مصري الجنس لما دخل باب المدينة اشتبه فيه الشرطة الواقفون بالباب، فظهر لهم من كلامه وحركاته وحمرة عينيه أنه سكران فأخذوه وفتشوه فوجدوا عنده قارورة خمر فارغة فسلموه إلى الأمير فأحضر القاضي والطبيب حضرة الدكتور محمد علي الطرابلسي ففحصه الطبيب فقرر أنه شرب الخمر إلا أنه لم يشرب المقدار الذي يشتد معه السكر فسأل فضيلة القاضي الشيخ عبدالله الخليفي. فحكم القاضي عليه بـ 29 جلدة في السوق ليزدجر به من يراه.
وبلغني أنه لما أراد الشرطي أن يقبض عليه عارضه وقال: أنا تحت حماية الإنكليز، فقال له الشرطي: أفق يا نومان أنت في بلاد مستقلة أتم الاستقلال فلو اجتمع من بأقطارها ما حموك من تنفيذ الشرع الشريف وكذلك كان فقد نفذ فيه حكم الشرع الشهم الحازم أمير المدينة المنورة عبد العزيز بن إبراهيم حفظه الله وأدام توفيقه والحمد لله الذي أخرج
الناس من الظلمات إلى النور.
كتبه محمد تقي الهلالي
المدرس بالمسجد النبوي الشريف
مجلة الشهاب – السنة 3 – العدد 134 – ص:12