قرأنا في الصحف الإسبانية أن صحيفة استعمارية خسيسة قد تهجمت على الجناب العالي الشريف سمو الخليفة السلطاني المعظم مولاي الحسن بن المهدي زاده الله رفعة وعلا، وذلك أنها سمته قائدا واقتضبت خبر سفره كأنه من الأمور التافهة. ولاشك أن أصحاب تلك الصحيفة يعرفون من هو سمو الخليفة السلطاني المكرم، وما هي منزلته السامية في المغرب وفي أوربة والمشرق. ويعرفون أن الأسلاك قد اهتزت، والإذاعات بجميع اللغات قد لهجت بأخبار رحلته السعيدة، ولا سيما في بلاد الدولة التي طحنت فرنسة وهي محتلة بلادها ومالكة قيادها. فإن دوائر الأخبار هناك وفي كل مكان قد أعطت الرحلة الخليفية الميمونة حقها في كل خطوة من خطواتها.
نعم، يعرف أولئك المغرورون الذين هم كما قيل (أنف في السماء وسافلة في الماء) جميع ذلك {و لكن الظالمين بآيات الله يجحدون} ومقصودهم بذلك الإساءة إلى الدولة الإسبانية والأمة الإسبانية بمحاولة الحط من مقام من أجلته تلك الدولة وهاتيك الأمة. ولا نقول : إن مقصود أولئك المعتدين احتقار المغاربة وإهانة مقدساتهم لأن تلك شنشنة نعرفها من أخزم، فإن الفرنسيين منذ وطئت أقدامهم أيضا المغرب وهم جادون في إهانة المغاربة ومقدساتهم وكل ما جاء منهم من هذا القبيل فقد جرى على أصله.
و لاشك أن الباعث لهم على تلك القولة الساقطة هو الحسد الذي أكل قلوبهم، فإنهم رأوا إسبانية تعظم البيت العلوي الكريم بيت الملك والسيادة ورمز مجد المغاربة، فغاظهم ذلك وأغصهم بريقهم ولم يستطيعوا أن يتحملوه، لما جبلوا عليه من بغض المغاربة واحتقارهم ولأن تعظيم البيت المغربي المالك مناقض لخطتهم ومباين لأغراضهم، واعتداؤهم على جلالة ملك المغرب باقتطاع نصف مملكته وإخراج ملايين من حكمه وغير ذلك من ضروب الاعتداء أمر مشهور يعرفه الهادي والبادي.
فإن كان تبادل التكريم بين المغاربة والإسبانيين يسوءهم فليبشروا بما يسوءهم ويحزنهم فإنهم سيرون من ذلك إن شاء الله ما يخزيهم ويقطع نياط قلوبهم. إن الاحتفالات الرائعة والاستقبالات الباهرة التي قامت بها إسبانية لتكريم صاحب السمو الملكي الأمير المحبوب مولاي الحسن بن المهدي هي إجلال وتبجيل للبيت العلوي المالك بأسره واحترام للمغاربة أجمعين، وعواطف سامية اقتضاها النبل وكرم الأخلاق واعتراف بالجميل وهو شأن النبلاء. فإن كان ذلك يغيظ الأدنياء والسفلة فليموتوا بغيظهم.
إن كنت لا ترضى بمـا قد ترى *** فــدونك الحبـــل به فاختنـــــق
و لا يضير المقام الخليفي الأسمى ذلك الهراء، كما لا يضر القمر نبح الجراء.
ما ضر بدر الدجى في الأفق تنبحه *** بعض الكلاب وقد مشى على مهل
لقد أساء الفرنسيون معاملة جلالة السلطان وحجروا عليه وحالوا بينه وبين رعيته، حتى صار السلطان إذا أراد لقاء بعض رجال مملكته يكون بعض الفرنسيين واسطة في ذلك. وهذا التضييق والخنق المخزي لهم معروف في أوربة ومعروف في البلاد العربية والإسلامية وقد مقت الناس فرنسة من أجله أشد المقت. أما خليفته السامي فقد عاملته إسبانية معاملة أخرى ولذلك آثاره وأخباره حديث المجالس وطيبها في أقاصي البلاد الشرقية وفي أوربة وأينما ذهبت. وهذه المعاملة الإسبانية لصاحب السمو الملكي الخليفة المعظم تؤذي الفرنسيين وتزيد العالم العربي والإسلامي سخطا عليهم، وتبطل سحرهم الذي يموهون به في إذاعاتهم العربية المزوقة السخيفة المفضوحة. فماذا يرجى منهم إلا أن ينفثوا نفثة المصدور غير أن تلك النفثة الخبيثة لا تعود إلا على وجوههم.
و في المثل الحسود لا يسود. وقد كان بعض الناس يظن أن ما أصابهم من الهزيمة المنكرة، وما أصيبوا به من النكبات، حتى من يد حليفتهم منذ دهر طويل وشريكتهم في الإثم والعدوان بريطانية، يكون فيه عبرة لهم فيردعهم عن الغي، ويردهم إلى الرشد، ولكن هيهات هيهات لقد صدق من قال: إن الفرنسي مثل الجوزة لا يوكل لبها إلا بكسرها، فإن لم يكفهم جميع ما رأوا فلينتظروا فإن الله لهم بالمرصاد ولما يتم الدرس الذي يلقى عليهم فلينتظروا كماله.
جريدة الحرية، العدد 780 السنة 6 – 2 جمادى الثانية 1361 – 17 يونيه 1942 – ص 1