عنوان آخر: ما وقع في القرآن بغير لغة العرب
بقلم الدكتور محمد تقي الدين الهلالي المدرس بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة.
اعلم أن علماء اللغة اتفقوا على أن كل لغة عظيمة تنسب إلى أمة عظيمة لابد أن توجد في مفرداتها كلمات وردت عليها من أمة أخرى، لأن الأمة العظيمة لا بد أن تخالط غيرها من الأمم، وتتبادل معها المنافع من أغذية، وأدوية ومصنوعات، وتعلم وتعليم، فلا بد حينئذ من تداخل اللغات، ولا يمكن أن تستقل وتستغني عن جميع الأمم، فلا تستورد منها شيئا ولا تورد عليها شيئا، والقرآن نفسه يثبت هذا، قال تعالى في سورة إبراهيم 37 {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}. ذكر إبراهيم في دعائه أنه أسكن ذريته يعنى إسماعيل وآله بواد غير ذي زرع وهو وادي مكة وإذا لم يكن فيه زرع لم تكن فيه ثمرات، وذكر في أثناء دعائه ومناجاته لربه، أنه أسكن ذريته بذلك الوادي المقفر ليقيموا الصلاة أي يؤدوها قائمة كاملة عند بيت الله، ويعبدوه, فسأل الله أن يجعل قلوب الناس تهوي إلى ذريته، أي تسرع إليهم شوقا ومحبة، وتمدهم بما يحتاجون إليه وأن يرزقهم من الثمرات التي تجلب إليهم من الآفاق والأقطار المختلفة ليشكروا الله على ذلك فيزيدهم، وقد استجاب الله دعوته فصارت أنواع الحبوب والثمرات و التوابل والأدوات والثياب والتحف، و الطرائف تجلب إلى مكة من جميع أنحاء المعمور.
وهذه الأمور التي تجلب إليها كثير منها وضعت أسماؤها في البلدان التي تصدر منه، فإذا جاءت إلى أهل مكة يسمونها بالاسم الذي جاءت به فتندمج في لغتهم وتصير جزءاً منها, والأصل في اللغات أن الأشياء العامة توجد لها أسماء في كل لغة، أما الأشياء الخاصة التي خص الله بها قطرا بعينه فإن الاسم الذي سماها به أهل ذلك القطر الذي خلقت فيه يبقى في الغالب ملازما ولنضرب لذلك مثلا، الجوز الهندي والنخيل الذي يثمره وهو ((نارجيل)) ويسمى بالهندية ((ناريل)) فهو يجلب إلى غير الهند، دون أن يبدل اسمه، وثمر ((الأمبة)) وهو أحسن الفواكه في الهند وقد يكون أحسن الفواكه مطلقا، يوجد دائما في مكة شرفها الله في أحقاق، إذا أكلته تظن أنك أكلته تحت شجرته وهذه الفاكهة موجودة في مصر وتسمى ((مانكة)) وتنقل إلى بلدان أخرى ويبقى اسمها ملازما لها.
وكذلك ثمر ((أناناس)) يجلب من أندونيسيا ويبقى اسمه ملازما له وقس على ذلك.
وقد قال أحد علماء الفيلولوجيين أي علماء اللغات: إن لغة سكان أستراليا الأصليين لا تزيد مفرداتها على مائة لأنهم أبعد الناس على المدنية التي تستلزم مخالطة الأمم الأخرى وتبادل المنافع معها، فكلما عظمت اللغة دلت عظمتها وثروتها ووفرة ألفاظها على مخالفة أهلها لشعوب أخرى واقتباسها منهم فهي تعطي وتأخذ .. وقد أخبرنا القرآن أن قريشا كانت لهم رحلتان رحلة في الشتاء إلى جنوب الجزيرة العربية اليمن، ورحلة في الصيف إلى الشام وكانوا تجارا ينقلون البضائع من بلد إلى بلد، وكانت مكة شرفها الله تعالى مركزا عظيما للتجارة قبل الإسلام فكانت تنقل إليها البضائع من الشرق والغرب والجنوب والشمال فكيف يتصور أن لغة العرب تبقى مغلقة مختوما عليها لا تخرج منها كلمة ولا تدخلها كلمة.والأئمة الذين أنكروا وجود كلمات غير عربية في القرآن تمسكوا بظاهر قوله تعالى في صورة يوسف: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} وقوله تعالى في سورة النحل1.3: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ}، وما أشبه ذلك وهم على حق فيما قالوا ,فليس في القرآن كلمة أعجمية باقية على عجمتها البتة، فكل ما في القرآن من الكلمات كانت تنطق به العرب وتفهمه وهو جار على سنن كلامها لا خلاف في ذلك نعلمه، إنما الخلاف في المعرب هل هو موجود في القرآن أم لا؟
قال السيوطي في الإتقان: “قد أفردت في هذا النوع كتابا سميته (المهذب فيما وقع في القرآن من المعرب) وأنا ألخص هنا فوائد فأقول: اختلف الأئمة في وقوع المعرب في القرآن فالأكثرون ومنهم الإمام الشافعي وابن جرير وأبو عبيدة والقاضي أبو بكر وابن فارس على عدم وقوعه فيه لقوله تعالى: {قُرْآناً عَرَبِيّاً}, وقوله تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} وقد شدد الشافعي النكير على القائل بذلك.
وقال أبو عبيدة: “إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين فمن زعم أن فيه غير العربية فقد أعظم القول ومن زعم أن {لدا} بالنبطية فقد أكبر القول”، وقال ابن فارس: “لو كان فيه من لغة غير العرب شيء لتوهم متوهم أن العرب إنما عجزت عن الإتيان بمثله لأنه أتى بلغات لا يعرفونها”.اهـ .
قال محمد تقي الدين: “إنما يمكن أن يقال ذلك إذا كان في القرآن تراكيب أعجمية، أو كلمات باقية على عجمتها، أما وجود كلمات قد صقلتها العرب بألسنتها ونحت بها مناحي كلماتها ودخلت في أوزانها فلا يمكن أحدا أن يدعي ذلك فيها، وقد رد القرآن نفسه على من زعم ذلك من أعداء الإسلام الأولين، فقال تعالى: في سورة النحل 103: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ}وتحداهم أن يأتوا بسورة مثله بأشد أساليب التحدي، فقال تعالى في سورة البقرة 23ـ 34: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} وقال تعالى في سورة الإسراء 88: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} فأي عدو يسمع مثل هذا التحدي لا يبذل قصارى جهده في معارضة عدوه وإبطال تحديه ولو أن إحدى الدولتين لمتعارضتين اليوم وهما الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي صنعت إحداهما سفينة فضائية مثلا وقالت للأخرى: انك لن تستطيعي أن تصنعي مثلها لغضبت الدولة المتحداة ولم يقر لها قرار، حتى تصنع سفينة مماثلة أو فائقة لما صنعته الدولة المتحدية.
وها نحن اليوم نرى الصين الشيوعية لما رأت عدوتها الولايات المتحدة متفوقة في صنع القنابل الذرية والهيدروجينية فقدت عقلها حنقا وغيظا وهي جادة في صنع هاتين القنبلتين، وزادها غيظا أن أختها في الشيوعية دولة الاتحاد السوفياتي ضنت عليها بالمساعدة على التوصل إلى هذا الغرض مع أن الولايات المتحدة لم تتحد الصين إلا بلسان الحال، بل هذه فرنسا قلبت ظهر المجن لحليفتها الولايات المتحدة وبريطانيا لأنهما لم يشركاها فيما وصلتا إليه من صنع القنبلتين المذكورتين إلا بقدر ضئيل لا يشبع نهمتها. ولم يقل أحد من العرب المعادين للإسلام إن الذي منعهم من معارضة القرآن هو وجود كلمات فيه غير عربية بل سلموا أنه كله عربي.
أما كتاب السيوطي الذي سماه (المهذب فيما وقع في القرآن من المعرب) فلا نعلم أنه موجود في هذا الزمان، لكن الملخص الذي نقله منه مؤلفه في كتاب الإتقان لا يدل على أن المؤلف – مع غزارة علمه – كان أهلا أن يؤلف في هذا الباب لأنه فيما يظهر لم يكن يعرف إلا اللغة العربية والمؤلف في هذا الموضوع يحتاج إلى إلمام باللغات التي قيل أن بعض مفرداتها قد عرب ودخل في القرآن، فإن لم يعلم بها كلها فلا أقل من الإلمام ببعضها، وأكثر علماء العرب مقصرون في علم اللغات, والذين يعرفون شيئاً من اللغات الأخرى منهم قليل. وقد كان عمر رضي الله عنه يعرف اللغة العبرانية ويقرأ التوراة ويفهمها.
وقال الترمذي في جامعه (باب تعليم السريانية) ثم روى بسنده إلى زيد بن ثابت قال: “أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم كلمات من كتاب يهود وقال إني والله ما آمن يهود على كتابي، قال فما مر بي نصف شهر حتى تعلمته له، قال فلما تعلمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابهم”. هذا حديث حسن صحيح.
قال العالم الرباني أستاذي عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري الهندي رحمه الله رحمة واسعة في شرح هذا الحديث من كتابه (تحفة الأحوذي في شرح جامع الترمذي ج 3 ص392) ما نصه: “قال القاري: قيل فيه دليل على جواز تعلم ما هو حرام في شرعنا للتوقي والحذر عن الوقوع في الشر كذا، ذكره الطيبي في ذيل كلام مظهري وهو غير ظاهر إذ لا يعرف في الشرع تحريم تعلم من اللغات سريانية أو عبرانية هندية أو تركية أو فارسية وقد قال تعالى سورة الروم الآية 22: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ} أي لغاتكم بل هو من جملة المباحات.اهـ.
وهذا الحديث رواه أيضا أحمد وأبو داود والبخاري في تاريخه وذكره في صحيحه تعليقا، ومعنى الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابي الجليل كاتب الوحي زيد بن ثابت أن يتعلم كتابة اليهود وفي رواية “أمره أن يتعلم السريانية” وعلل ذلك بأنه عليه الصلاة والسلام لا يأمن اليهود أن يقرءوا له كتابا يأتيه منهم لئلا يزيدوا فيه و ينقصوا أو يبدلوا ويغيروا، فتعلم زيد ما أمره به النبي صلى الله عليه وسلم في نصف شهر .وقد يشكل فهم هذا من وجهين:
الأول: أن المعهود من اليهود أن يتكلموا ويكتبوا بالعبرانية لا بالسريانية.
الثاني: كيف يستطيع متعلم أن يتعلم لغة أجنبية في نصف شهر؟ والجواب عن الأول أن اليهود في زمان النبي صلى الله عليه وسلم بل في زمان عيسى بن مريم وقبله بزمن لم يكونوا يتكلمون ويكتبون بالعبرانية لأنها كانت قد انقرضت ولم يبق منها إلا كلمات قليلة تردد في الصلوات، وكان اليهود يكتبون علومهم الدينية والدنيوية ويتخاطبون بالسريانية، وإنما جددوا العبرانية وأحيوها وبذلوا في ذلك جهودا عظيمة في هذا العصر الأخير. والجواب عن الثاني: أن زيدا لم يتعلم اللغة في نصف شهر وإنما تعلم الكتابة والقراءة، أما معاني لغة اليهود فكان يفهمها لأنها كانت لا تزال قريبة جدا من لغة العرب، ولأن قبائل من اليهود كانت مساكنة للأنصار وتعلم اللغات الأجنبية للانتفاع بها في أمور الدين والدنيا أمر محمود إذا لم يكن على حساب لغة القرآن كما يفعل سكان المستعمرات المتهوكون في زمان الاستعمار وبعده فيحقرون لغة القرآن وهي لغة دينهم وتاريخهم ومجدهم ويتعلمون لغة المستعمر ويتطاولون بها ويشمخون بأنوفهم ويتراطنون بها بغير ضرورة ويحتقرون شعوبهم لعدم استعمال تلك اللغة الأجنبية فهؤلاء أعضاء مجذومة في جسم الأمة يجب قطعها وهم يعلمون أن جميع الأمم تحتقرهم لأنه لا يكون لهم فضل بتعلمهم تلك اللغة الأجنبية إلا إذا أتقنوا لغتهم وكانوا أعضاء نافعين في أمتهم، ولكن..
من يهن يسهل الهوان عليه
مـا لـجـرح بــميـت إيــلام
ثم قال السيوطي: “قال ابن جرير: ما ورد عن ابن عباس وغيره من تفسير ألفاظ القرآن أنها بالفارسية أو الحبشية أو النبطية أو نحو ذلك إنما اتفق فيها توارد اللغات فتكلمت بها العرب والفرس والحبشة بلفظ واحد”.اهـ.
قال محمد تقي الدين: ابن جرير إمام المفسرين في زمانه وما بعده وفد أخطأ في هذا الرأي إذ لا يمكن أن تتكلم هذه الشعوب المتباينة في أنسابها ولغتها المتباعدة في أوطانها على سبيل المصادفة والاتفاق وتوارد الخواطر بتلك الكلمات الكثيرة العدد على أن الذين قالوا في القرآن كلمات كانت في الأصل غير عربية ثم صارت بالاستعمال عربية لم يقل أحد منهم أن الكلمة التي أصلها فارسي قد اتفق فيها الفرس مع العرب والنبط والحبشة، بل إذا كانت الكلمة فارسية كالأباريق مثلا لم تكن حبشية ولا نبطية والكلمة التي قيل إنها حبشية (كابلعي) من قوله تعالى: {يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ} لم يقل أحد أنها توافق الفارسية والنبطية..وهكذا يقال في سائر الكلمات كما سيأتي في ذكر الكلمات التي نسب أصلها إلى غير العربية. ثم قال السيوطي: “قال غيره بل كان للعرب العاربة التي نزل القرآن بلغتهم بعض مخالطة لسائر الألسنة في أسفارهم فعلقت من لغاتهم ألفاظا غيرت بعضها بالنقص من حروفها واستعملتها في أشعارها ومحاوراتها حتى جرت مجرى العربي الفصيح ووقع بها البيان وعلى هذا الحد نزل بها القرآن”. انتهى. هذا هو الحق الذي لا ريب فيه ثم ذكر السيوطي آراء أخرى يظهر زيفها عند الامتحان فأعرضت عن نقلها. ثم نقل عن الجويني ما معناه في القرآن وعد ووعيد، والوعد يذكر فيه ثواب المطيعين وما أعد الله لهم في الدارين مما تشتهيه أنفسهم ويرغبهم في فعل الطاعات وذلك يتضمن مآكل ومشارب وثيابا ومساكن طيبة وحورا عينا وفرشا طيبة وغلمانا للخدمة وبعض تلك الأمور صنعته أمم غير عربية وسمته بكلمات من لغاتها فنقله العرب عنها فصار ذكره في وصف النعيم و العيشة الراضية لابد منه وهو ما غلظ من ثياب الحرير,وضرب لذلك كلمة إستبرق مثلاً, وهو ما غلظ من ثياب الحرير, والسندس مارق منه. قال البيضاوي وهو معرب (استبره) بالفارسية فلو أريد التجنب استعمال كلمة إستبرق، فأما أن يترك ذكر هذا النوع من الثياب أصلا فلا يتم المقصود وهو وصف العيشة الراضية، وإما أن يعبر عنه بكلمتين أو أكثر كثياب الحرير الغليظة فتفوت البلاغة إذن فلابد من التعبير به ليكون الكلام بليغا. ثم قال السيوطي: “قال أبو عبيد القاسم بن سلام بعد أن حكى هذا القول بالوقوع عن الفقهاء والمنع عن أهل العربية، والصواب عندي ما ذهب فيه تصديق القولين جميعا وذلك أن هذه الأحرف أصولها أعجمية كما قال الفقهاء لكنها وقعت للعرب فعربتها بألسنتها وحولتها عن ألفاظ العجم إلى ألفظها، فصارت عربية ثم نزل القرآن بها وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب فمن قال إنها عربية فهو صادق، ومن قال أعجمية فصادق، ومال إلى هذا القول الجواليقي وابن الجوزي وآخرون”.اهـ.
الكلمات المشتركة
أول القرآن {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} اشتملت على أربع كلمات اسم، الله، الرحمن، الرحيم، ابدأ بالكلام على الرحمن. قال السيوطي في كتاب الإتقان: “ذهب المبرد وثعلب إلى أنه عبراني وأصله بالخاء المعجمة. قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى في سورة الفرقان الآية 6: {قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ} الآية. لأنهم ما كانوا يطلقونه على الله أو لأنهم ظنوا أنه أراد به غيره ولذلك قالوا: {أنسجد لما تأمرنا}؟ أي للذي تأمرنا يعني تأمرنا بسجوده أو لأمرك لنا من غير عرفان وقيل لأنه كان معربا لم يسمعوه”.اهـ.
وهذا يدل على ما قلته سابقا من جهل علماء العرب باللغات حتى أخوات لغتهم كالعبرانية والسريانية، فالرحمن كلمة عربية خالصة من الرحمة بزيادة الألف والنون كظمآن وعطشان، وكانت العرب تعرفه وتفهم معناه وقد سموا به مسيلمة الكذاب فكانوا يدعونه (رحمان اليمامة) ولكنهم لجهلهم لم يكونوا يعلمون أنه من أسماء الله.
ومن أعجب العجب قولهم إنه عبراني وإن أصله بالخاء المعجمة، والخاء المعجمة لا وجود لها في العبرانية استقلالا وإنما تنطق الكاف بها إذا جاءت قبلها حركة مثل (هبراخا) البركة ومثل باروخ، أي مبارك ومعناه بالعبرانية هو معناه بالعربية، إلا أنه في اللغة العبرانية، صفة عامة لكل من في قلبه رحمة ليس خاصا بالله تعالى، إذن فهو من الكلمات المشتركة بين العبرانية والعربية وهي كثيرة تعد بالآلاف، وهذه الكلمات الأربع التي في البسملة كلها مشتركة بين اللغتين، فالاسم (شم) بإبدال السين شينا وذلك كثير في العبرانية، والله (الوهيم) والرحمن لفظه بالعبرانية كلفظه بالعربية إلا أداة التعريف فإنها بالعبرانية (هارحمان) والرحيم بالعبرانية (هارحوم).. وهذه الكلمات الكثيرة المشتركة بين اللغات السامية هي أصلية في كل واحدة منها، لا يقال إن إحداهن أخذتها من الأخرى وهذا هو الشأن في كل مجموعة من اللغات ترجع إلى أصل واحد كاللغات اللاتينية كالإيطالية والإسبانية والفرنسية والرومانية والبرتغالية, ومجموعة اللغات الجرمانية كالألمانية و الهولندية والفلمنكية والسويدية والنرويجية والدانماركية.
لفظ الجلالة (الله) هل هو مشتق أو مرتجل؟
ومن ذلك المعركة الكبرى التي خاضها علماء العربية في لفظ الجلالة (الله) أهو مرتجل أم مشتق؟ وإن كان مشتقا فهل اشتقاقه من (أله) أو من (وله) أو من (لاه) وما هو أصله على كل من هذه الأوجه وماذا جرى عليه من الحذف والإدغام حتى بلغ صورته التي هو عليها؟ ومن تعلم شيئا من اللغات السامية أخوات اللغة العربية لا ينقضي عجبه من الخائضين في تلك المعركة ويرى جهودهم ضائعة ويحكم يقينا أن الاسم الكريم مرتجل بلا مرية وهو بعيد كل البعد من الاشتقاق، فإنه ثابت بهذا اللفظ في جميع اللغات السامية ففي السريانية (ألاها) والشرقيون منهم ينطقون به (ألاهو) وهو كذلك في الآشورية بفتح الهمزة في اللغات الثلاث وبالعبرانية (ألوهيم). ولا تختلف الشعوب السامية فيما أعلم في هذا الاسم الكريم و كذلك في مجموعة اللغات اللاتينية، وفي مجموعة اللغات الجرمانية الاسم الكريم عندهم واحد مهما اختلفت لغاتهم في الكلمات الأخرى لا تختلف فيه.
مثال يدل على تقارب اللغتين العربية والعبرانية
جاء في ترجمة يوسف روفلين للقرآن الكريم بالعبرانية في أول سورة الصف ما نصه مع استبدال الحروف العبرانية بحروف عربية (باراششت همعراخا) سورة المعركة (بشم الوهيم هارحمان هارحوم يشبح أث الوهيم كل أشر بشاميم وغل أشر باآرص وهو هكبور وهحاخام همأمنيم لا ماتوا مروات أثر لو تعسوا) بسم الله الرحمن الرحيم {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ}. فأنت ترى أن الألفاظ كلها مشتركة من أول البسملة إلي قوله تعالى: (لم) إلا أن لفظ (سبح) أبدلت سينه شينا وحل المضارع محل الماضي، وهذا الفعل في العبرانية متعد بنفسه وكذلك في العربية قال تعالى في سورة ق.40: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} وإلا ترجمة (ما) الموصولة بـ (أشر) وزيادة (كل) لأن الترجمة إنما هي تفسير وإبدال سين السماوات شينا وجمعها بالياء والميم واستعمال (باء) الجر في موضع (في) وهو جائز في العربية قال تعالى في سورة الصافات 137 ـ 138 {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} وإبدال ضاد الأرض صادا و إبدال العزيز بالجبار (هكبور) وهما متقاربان في المعنى و إبدال الحكيم (هحاخام) وهما شيء واحد إلا أن الكاف أبدلت خاء.
وترجمت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} بـ (همأمينيم) يعني المؤمنين. وترجمت (لم) بـ (لاما) وتقولون بـ(تومرو) وترجمت (لا) بـ(لو) وهما شيء واحد بإمالة الألف إلى الواو وترجمت تفعلون بـ(تعسوا) الواو في (تومور وتعسوا) واو الجماعة وحذفت النون فيهما بلا ناصب ولا جازم كما تحذف في العمليات العربية وهذه النون هي نون الرفع وهي ثابتة في التوراة في مواضع تفوق الحصر وليس كما قال بعض المستشرقين في خمسة مواضع فقط.
أمثلة من الكلمات التي قيل إنها وقعت في القرآن من غير العربية
1ـ أباريق
قال السيوطي في الإتقان: “حكى الثعالبي في فقه اللغة أنها فارسية، وقال الجوالقي الإبريق فارسي معرب ومعناه طريق الماء أو صب الماء على هينة. قال في لسان العرب والإبريق إناء وجمعه أباريق فارسي معرب، قال ابن بري شاهده قول عدي ابن زيد:
ودعـــا بالصبوح يوما فجاءت
قينــة في يمينـها إبريــق
وقال كراع هو الكوز وقال أبو حنيفة مرة هو الكوز وقال مرة هو مثل الكوز وهو في كل ذلك فارسي وفي التنزيل {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ} وأنشد أبو حنيفة لشبرمة الضبي:
كأن أباريق الشمـول عشيـــــة
إوز بأعلى الطف عوج الحناجر
وقال الفيروز أبادي في القاموس: “الإبريق معرب (ا ب ر ي ) جمع أباريق.”اهـ.
قال بعض العلماء هو مركب من كلمتين (آب) وهو الماء و (راه) وهو الطريق، وقيل مركب من (آب) وهو الماء و (ريختن) وهو الصب على مهل قاله أرثر جفري (Arthur Jeffery) في كتابه الألفاظ الأجنبية في القرآن (the foreign vocabulary of the quran).
2ـ الأب
قال السيوطي: “(آب) قال بعضهم وهو الحشيش بلغة أهل الغرب حكاه شيدلة”.اهـ. ونقله عنه جفري وفسر لغة أهل الغرب بالبربرية. أقول وهذا من أعجب العجب ولا نعلم أن العرب كانت لهم علاقة بالبربر قبل الإسلام حتى تقتبس العربية من لغتهم ثم إن هذه الكلمة يبعد أن تكون بربرية لأنها لا تشبه الكلمات البربرية وإنما تشبه العربية والسريانية والعبرانية. وقال جفري أنه مأخوذ من (أبا) الآرامية ومعناه الخضرة.
و قال في لسان العرب: “الأب الكلأ وعبر بعضهم عنه بأنه المرعى، وقال الزجاج: الأب، جميع الكلأ الذي تعتلفه الماشية، وفي التنزيل العزيز {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً}, قال أبو حنيفة سمى الله تعالى المرعى كله أبا .قال الفراء الأب ما يأكله الأنعام، وقال مجاهد: الفاكهة ما أكله الناس، والأب ما أكلت الأنعام، فالأب من المرعى للدواب كالفاكهة للإنسان. وقال الشاعر:
جذ منا قيس ونجد دارنا
ولنا الأب بــه والمكرع
قال ثعلب: الأب كل ما أخرجت الأرض من النبات، وقال عطاء كل شيء ينبت على وجه الأرض فهو الأب وفي حديث أن عمر بن الخطاب “قرأ قوله عز و جل: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} وقال فما الأب؟ ثم قال ما كلفنا وما أمرنا بهذا”.اهـ.
وقال ابن كثير عن ابن جرير بسنده إلي أنس قال قرأ عمر بن الخطاب{عَبَسَ وَتَوَلَّى}فلما أتى على هذه الآية: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} قال قد عرفناها الفاكهة فما الأب؟ فقال لعمرك يا ابن الخطاب إن هذا لهو التكلّف” فهو إسناد صحيح رواه غير واحد عن أنس به. وهذا محمول على أنه أراد يعرف شكله وجنسه وعينه وإلا فهو وكل من قرأ هذه الآية يعلم أنه من نبات الأرض لقوله تعالى: {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً وَحَدَائِقَ غُلْباً وَفَاكِهَةً وَأَبّاً}
3ـ ابلعي
قال السيوطي في الإتقان: “أخرج ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه في قوله تعالى 11ـ44: {ابْلَعِي مَاءَكِ}، قال بالحبشية ازدرديه، وأخرج أبو الشيخ من طريق جعفر بن محمد عن أبيه قال اشربي بلغة الهند”.اهـ.
وان تعجب فعجب قولهم إن (ابلعي) بلغة أهل الهند وهذا القول إلى الهزل أقرب منه إلى الجد وقائله ليس أهلا أن يؤخذ عنه العلم و إنما هو يهرف بما لا يعرف وأهل الهند أجناس كثيرة لهم مئات من اللغات ولا تكاد تسير مسافة يوم إلا وجدت جنسا آخر له لغة أخرى. وفي زماننا هذا نرى الدماء تسفك بينهم بسبب اللغات فلا يرضى جنس أن تكون لغة الدولة لغة أخرى غير لغته، وفي زمان الاستعمار لم تكن في الهند لغة يستطيع المسافر أن يتكلم بها ويجد من يفهم كلامه في جميع أنحاء الهند إلا لغتين إحداهما الإنكليزية وهي لغة الدولة الحاكمة، والثانية لغة المسلمين وهي لغة أوردو، على أن (بلغ) كلمة عربية سامية أصيلة عريقة في عروبتها وساميتها وترفع راية اللغات السامية وهي حرف العين.
ومن المعلوم عند علماء اللغات أن العين والحاء لا توجدان إلا في اللغات السامية، فان وجدت إحداهما في كلمة من لغة غير سامية فتلك الكلمة طارئة واردة على تلك اللغة وبهذا يستدل الفيولوجيون على أن البربر من جزيرة العرب قبل خروج البابليين والآشوريين والكنعانيين والفينيقيين كما هو مبين في موضعه.
ونحن نرى إخواننا عامة المسلمين من أهل الهند يبذلون جهودهم في النطق بقوله تعالى: {إياك نعبد وإياك تستعين}فلا يتمون النطق بالعينين حتى تغفر ذنوبهم من مشقة النطق بهما. و لذلك نرى السيوطي في كتاب الإتقان كحاطب ليل وليس عنده تحقيق ولا إتقان وهذا شأنه في علوم المنقول، أما في علوم المعقول كعلوم العربية فهو فارس لا يشق له غبار. وقد تحامل عليه الحافظ السخاوي في كتابه (الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع) فالله يغفر لهما جميعا.
4 ـ أخلد
قال السيوطي في الإتقان قال الواسطي في الإرشاد أخلد إلى الأرض ركن بالعبرية.اهـ.
أقول: هذا القول لا يقوله إلا جاهل باللغات السامية فإن أخلد وخلد موجودتان في اللغتين كلتيهما ومتفقتان في معانيهما في الجملة فمن قال اتهما عبريتان وليستا عربيتين لقد قفاما لا علم له به ومن قال العكس فهو مثله، غير أن (أخلد) في العبرانية بالحاء المهملة، وكذلك (خلد) وقد تقدم أن الخاء المعجمة لا توجد بالأصالة في العبرانية و إنما توجد بالعرض في حرف الكاف إذا جاءت بعد حركة، ولم نر أحدا علماء اللغة العربية أشار إلى أن(أخلد)عبرانية كما ادعى هذا المدعي .قال في لسان العرب وخلد إلى الأرض وأخلد أقام فيها وفي التنزيل العزيز: {وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} أن ركن إليها وسكن وأخلد إلى الأرض وإلى فلان أي ركن إليه ومال إليه ورضي به، ويقال خلد إلى الأرض بغير ألف وهى قليلة.اهـ.
وقال البيضاوي في تفسيره {وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ} مال إلى الدنيا أو إلى السفالة {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} في إيثار الدنيا واسترضاء قومه وأعرض عن مقتضى الآيات.اهـ.
5 ـ الأرائك
قال السيوطي في الإتقان: “حكى ابن الجوزي في فنون الأفنان أنها السرر بالحبشية” اهـ .قال الراغب: ” الأريكة حجلة على سرير جمعها (أرائك وتسميتها لذلك إما لكونها في الأرض متخذة من أراك وهو شجرة أو لكونها مكانا للإقامة من قولهم أرك بالمكان أروكا وأصل الأروك الإقامة على رعي الأراك ثم تجوز به في غيره من الإقامات” اهـ. و قال في لسان العرب والأريكة سرير في حجلة والجمع أريك وأرائك، وفي التنزيل {عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ} قال المفسرون: الأرائك السرر في الحجال، وقال الزجاج: الأرائك الفرش في الحجال، وقيل: هي الأسرة وهي في الحقيقة الفرش كانت في الحجال أو في غير الحجال، وقيل الأريكة سرير منجد مزين في قبة أو بيت فإذا لم يكن فيه سرير فهو حجلة. وفي الحديث “ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكئ على أريكته فيقول بيننا وبينكم كتاب الله”، الأريكة السرير في الحجلة من دونه ستر، و لا يسمى منفردا أريكة .”اهـ. قال في اللسان: “والحجلة مثل القبة وحجلة العروس معروفة وهي بيت يزين بالثياب و الأسرة والستور”، فقد رأيت أن الأرائك كلمة عربية خالصة، وبطل ما ادعاه السيوطي ومن نقل عنه.
6ـ أسباط
قال السيوطي في الإتقان: “حكى أبو الليث في تفسيره أنها بلغتهم كالقبائل بلغة الغرب” اهـ.
وفي هذا الكلام شيء ساقط لأن الضمير في لغتهم لم يذكروا ما يعود عليه وهذا الساقط يحتمل أن يكون يدل على بني إسرائيل وكلام جفري يؤيد هذا الاحتمال وهذا نص ترجمته بالعربية..
اضطر أبو الليث أن يعترف أنه أي السبط لفظ عبراني مستعار، قاله السيوطي في الإتقان. وقد أطال جفري البحث في هذا اللفظ وادعى أنه لم يستعمل في كلام العرب قبل استعماله في القرآن وربما يكون أول من استعمله محمد.
ونحن نقول لجفري وأمثاله من الذين أعمى التعصب بصائرهم وأفقدهم صوابهم: إن الله الذي أنزل التوراة و الإنجيل اللذين تؤمن بهما أنت هو الذي أنزل القرآن على عبده ورسوله محمد بن عبد الله خاتم النبيين على رغم أنفك ولا ضير على القرآن أن يوجد فيه لفظ شاع استعماله في العبرانية لأن هاتين اللغتين نشأتا من أصل واحد وإذا جاز أن يكون في القرآن ألفاظ هي في الأصل فارسية مع أن لغة الفرس بعيدة من لغة العرب فما المانع أن توجد فيه ألفاظ عبرانية أو سريانية؟ وإذا اعتبرنا السبط اسما لقبيلة من قبائل بتي إسرائيل فالتعبير به طبيعي وهو أولى من التعبير عنه بالقبيلة لأنه صار شبيها بالأعلام التي يجب ذكرها بلفظها.
قال في لسان العرب: “والسبط من اليهود كالقبيلة من العرب وهم الذين يرجعون إلى أب واحد، سمي سبطا ليفرق بين ولد إسماعيل وولد إسحاق وجمعه أسباط. وقوله عز وجل: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً}, ليس أسباطا بتمييز لأن المميز إنما يكون واحدا لكنه بدل من قوله {اثْنَتَيْ عَشْرَةَ} كأنه قال: جعلناهم أسباطا والأسباط من بني إسرائيل كالقبائل من العرب” اهـ.
واصله بالعبرانية (شبط) على وزن ابل ومعناه القضيب والعصا والقبيلة.
7 ـ إستبرق
قال السيوطي الإتقان: “أخرج ابن أبي حاتم أنه الديباج بلغة العجم”.اهـ. وقال البيضاوي في قوله تعالى في سورة الدخان53: {يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ}.السندس مارق من الحرير و الإستبرق ما غلظ منه معرب استبره” اهـ.
قال جفري وهذا من الألفاظ القليلة التي اعترف المسلمون أنها مأخوذة من الفارسية وعزاه إلى السيوطي في الإتقان وفي المزهر حكاه فيه عن الأصمعي وإلى السجستاني في غريب القرآن وإلى الجوهري في الصحاح وإلى كتاب الرسالة للكندي وإلى ابن الأثير في النهاية قال وبعضهم يقول انه لفظ عربي مأخوذ من البرق “.اهـ.
8 ـ السندس
قال في القاموس: “ضرب من رقيق الديباج معرب بلا خلاف”.اهـ. وقال في لسان العرب السندس البزيون.
وفي الحديث “أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى عمر بجبة سندس”.
قال المفسرون في السندس أنه رقيق الديباج ورفيعه وفي تفسير الإستبرق أنه غليظ الديباج ولم يختلفوا فيه، الليث، السندس ضرب من البزيون يتخذ من المر عزى ولم يختلف أهل اللغة فيهما أنهما معربان” اهـ.
9ـ أسفار
قال السيوطي في الإتقان “قال الواسطي في الإرشاد هي الكتب بالسريانية وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال: هي الكتب بالنبطية” اهـ.
قال محمد تقي الدين: يا لله للعجب؟ كيف يقال: إن الأسفار جمع سفر- بكسر فسكون-ليس بعربي و إنما هو سرياني أو نبطي، لا جرم لا يقول ذلك إلا جاهل باللغات السامية، والحق الذي لاشك فيه أن السفر كلمة عربية خالصة وهي في الوقت نفسه عبرانية وسريانية ونبطية فهي من الألفاظ المشتركة بين اللغات السامية ليست واحدة منها أولى بها من غيرها.
مجلة الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة: السنة 3، العدد 3، 1390هـ/1970م
مجلة البحوث الإسلامية: العدد 8 – ذو القعدة، ذو الحجة 1403 هـ محرم صفر 1404 هـ – ص: 206 إلى 222.