الطرائق المبتدعة في الإسلام من الطوام العظيمة والأدواء الوخيمة بل هي الداء العضال والسم القتال بالأبدان والعقول والأموال والأعراض والمروءات فلا يبقى المصابين به غير أجسام كأنها خشب مسندة وعمد ممددة ولابد من الدليل بل البرهان فالدعوى بلا برهان باطلة.
سرح الطرف في أنحاء البسيطة واختبر الأمم اختبار الألمعي الذي يظن بك الظن كان قد رأى وقد سمع.
فكيف إذا رأى بعينه؟ هل رأيت أمة انتشرت فيها علل الطرائق ولم ترها منحطة في دينها ودنياها وعقول أهلها وشجاعتهم ومروءتهم وسائر أخلاقهم بقدر تمكن الداء الطرقي فيهم إن قليلا فقليل وإن كثيرا فكثير فأمعن بربك في تاريخ الطرائق في أهل الهند الوثنيين الذين هم أول من اخترع للناس التصوف غير الشرعي[1] الذي تولدت منه هذه الطرائق كما هو معلوم عند من له إلمام في تاريخ التصوف وطرائقه المبنية على الأوهام والخيالات التي لا خلاق لها من العقل والحس واختبر أحوالهم تشاهد ما قدمت لك يقينا، ولو لم يكن عندنا معشر المحمديين دليل على بطلان الطرائق القدد إلاَّ البرهان المذكور لكفى فكيف والبراهين الشرعية الصريحة الصحيحة أكثر من أن تحصى والناس في الطرق فريقان، فريق مغتبط بها مؤيد لها جهده- وهذا الفريق أقسام.
الأول قوم نبتوا في دمنة الخرافات ولم يتوفقوا إلى الاطلاع على شيء من العلم الصحيح ولا ساعدهم الحظ بلقيا مصلح ينقذهم من جهلهم أو هاد يخرجهم من عمههم فاعتقدوا بحكم النشأة وتقليد الآباء ولو كانوا لا يعقلون أن الطرائق هي أبواب الفتوح الربانية ومناهج السعادة الأبدية وهذا القسم هو أقل الأقسام تبعة.
القسم الثاني قوم صحاح العقول علماء القلوب خبثاء السرائر عرفوا بطلان الطرائق وآفاتها ولكنهم أخلدوا إلى أرض شهواتهم النفسية الخسيسة ورأوا أن جاههم ومالهم واستعبادهم للأحرار مبني على قواعد هي الطرائق، فمتى تطرق البلى والتهري إلى الطرائق صارت نعمتهم وبغيتهم على شفا جرف هار وهم موقنون أنهم في عملهم خائنون لله خائنون للناس خائنون لأنفسهم بتعريضها لعذاب الله ولكن غلبت عليهم شقوتهم وشهوتهم فلبسوا الحق بالباطل وكتموا الحق وهم يعلمون.
القسم الثالث قوم مكرة كائدون يتربصون بعدوهم الدوائر فلا تسنح لهم فرصة لكيده وصيده إلا اغتنموها وهؤلاء قد وضعوا على أعينهم المنظار المكبر وصاروا ينظرون بإمعان إلى الأمة التي يريدون كيدها إما ثأرا وإما طمعا وصيدا، والطرائق من أحسن الفرص لهؤلاء فمتى رأوا لها منبتا في أمة يريدون إهلاكها زرعوها على قاعدة:
صلى وصام لأمر كان يطلبه *** لما قضى الأمر ما صلى ولا صام
وأول من برع في هذا الفن وحاز فيه قصب السبق الفرس المجوس وخلوفهم من الباطنية الملاحدة فإن لهم أعمالا في هذا المضمار مدهشة استطاعوا بها أن يجعلوا الأمة الإسلامية شيعا يضرب بعضها رقاب بعض وصار بأسها بينها. فمن دهائهم أنهم كانوا يظهرون الإسلام ويتقنون علومه ويظهرون من الزهد والعبادة ما يصير عامة المسلمين بين أيديهم سامعين مطيعين ويمكنهم من إيقاد نيران الحروب بينهم حتى يفشلوا وتذهب ريحهم وذلك ما قصد أعداؤهم الذئاب اللابسة جلود الضأن.
القسم الرابع قوم ضعفت مداركهم وهم الهمج الرعاع أتباع كل ناعق وآلة بيد كل منافق وهؤلاء كالأنعام بل هم أضل سبيلا ينصرون الطرائق ويجاهدون في سبيلها بأموالهم وأنفسهم ولا يعلمون لماذا نصروها وإنما هم آلات حركت فتحركت وما أجدر هؤلاء أن يسموا غنم الشيطان.
الفريق الثاني هم العلماء المصلحون ورثة الأنبياء وعباد الله المخلصون أولو البصائر النيرة والقلوب المبصرة كما قال إمامهم أحمد بن حنبل رحمه الله في فاتحة كتابه الرد على الجهمية “الحمد لله الذي جعل في كل زمن فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى. ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم ضال قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وما أقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عنان الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب مجمعون على مفارقة الكتاب، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم فنعوذ بالله من فتنة المضلين”.
يتبع ..
مجلة “الشهاب” العدد:150/السنة الرابعة ـ (الثلاثاء 19 ذي الحجة 1346 هـ – 7 جوان 1928 م) ـ ص: 2-4
.————————————————-
[1] ش: فهناك التصوف الشرعي وهذه الطرق مباينة له وليس هو محل الإنكار.