طائفة من التقاريظ التي رأيناها في المجلات والجرائد
تقريظ الأستاذ العلامة الشيخ محمد تقي الدين الهلالي (محرر مجلة الضياء الهندية في لكنهؤ، ونشر فيها)
هدية ثمينة وتحفة نفيسة وثمرة علمية يانعة، أنتجها قلم إمام هذا العصر وحكيمه الأكبر، مولانا السيد محمد رشيد رضا. لا زال بحر بره زاخرًا يقذف بالدرر، ووابل علومه يحيي القلوب الميتة، وظله الوارف حماية للإسلام والمسلمين.
هذا الدرة اليتيمة فكرة خطرت لحضرة السيد حين اشتغاله بتفسير كتاب الله القرآن، واستخراج نفائس كنوزه، وأين منها الياقوت والمرجان، وهي بلا شك من التحديث الرباني، والإلهام الرحماني، قدمها حضرته للعالم الإنساني، في شهر ربيع الأول الذي كان فيه مولد المنقذ الأكبر للنوع الإنساني محمد صلوات الله عليه. فكانت خدمة جليلة وتكريمًا لذلك الجناب المقدس، ولعمري إن بمثل هذا العمل المبرور يكون التكريم والتعزيز، وهو الآية المحكمة على المحبة العلمية الإيمانية، لا التمسح على الأحجار أو تعليق الخرق المزوقة، وإيقاد الأنوار الكهربائية الملونة، والفقراء ذات اليمين وذات الشمال يتضورون جوعًا ويموتون بأمراضهم ولا معالج لهم ولا آس، وراية الإسلام منكوسة، وأحواله معكوسة، وشرع النبي الأكرم منبوذ ظهريًّا، وسنته الشريفة متخذة سخريًّا، ولا غرو { وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلاَ الظُّلُمَاتُ وَلاَ النُّورُ * وَلاَ الظِّلُّ وَلاَ الحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلاَ الأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي القُبُورِ } (فاطر: 19-22).
افتتح الإمام الكتاب بمقدمة بيَّن فيها بحكمة عالية واضحة نيرة على ذلك ارتقاء البشر في الأمور المادية في خدمة هذا الغلاف الجسمي وبلوغهم في ذلك الغاية التي انعكست وصارت شرًّا على الأجساد التي اخترعت لتنعمها وتسعدها، وبيَّن انحطاطهم الروحي، وإفلاسهم الأدبي وما سبب لهم من الشقاء والعذاب الجسمي الذي منه يحذرون ويفرون، وبرهن على أن السعادة البدنية يستحيل الوصول إليها بدون الكمال الروحي، والرقي النفسي ببراهين لا تبقي للشك مجالاً، وراش سهام التأنيب للدول الآخذة بأزمة الأمم في هذا الزمان، وحمل عليها تبعة الخزي والشقاوة الذين تجلبهما على العالم بتكالبها على المادة، وتنافسها في التطاول وحب العلو والفساد في الأرض بإهلاك الحرث والنسل في حروبها المتنوعة من سياسية واقتصادية وأدبية وغيرها.
ثم ذكر اعتراف حكماء الغرب بهذا الفساد وتمنيهم أن يبعث نبي يحدث انقلابًا روحيًّا ينقذ الإنسانية من نصبها وشرورها، وإطباقهم على أن أديانهم لا تنجع في علاج هذا الداء، بل ربما كانت إحدى عوامله، فأراد هذا الإمام الحجة أن يريهم أن الذي يطلبون بين أيديهم، وأن الدواء الناجع على طرف الثمام، ويرفع عنهم حجب الجهل والتعصب التي حرمتهم من اقتباس أنوار الدين الأصلي الخالد، دين الفطرة، ويضع أيديهم على محاسنه وفضائله ليتفقهوا فيه باتخاذهم (الوحي المحمدي) دليلاً وهاديًا، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون.
ولا جرم أن السيد – أيده الله- جمع ما كتبه الحكماء والأطباء النطاسيون لأمراض النفوس في هذا العصر وفيما قبله وزاد عليه بأوجز عبارة وأوضحها، وفتح بابًا جديدًا للدخول إلى خزانة كنوز القرآن استعصى فتحه على من حاوله قبله من المصلحين بالنسبة إلى طب أدواء عصرنا هذا، وأتى في هذا السفر الصغير الحجم بالأدلة القاطعة عقلاً ونقلاً من الكتب المنزلة والسنن النبوية التي يتضاءل أمامها كل معاند بما يشفي الغليل، ويبرئ العليل في أمهات المسائل التي تشغل أذهان علماء العصر وعامته. فمنها نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وإثباتها بالحجج التي تجبر مثبتي الوحي ونُفَاته على الإذعان والبحث الوافي الشافي في الوحي والمعجزات عند النصارى وعند المسلمين والفلاسفة مما لا تجده في غيره. ومن خواصه أنه أورد في جميع الشبهات القديمة والجديدة التي وجهت للوحي العام والخاص وأجاب عنها بأحسن جواب. ثم خرج إلى المقصود بالذات وهو القرآن مبينًا أسلوبه، وحكمة تكرار الآيات فيه، وما أحدثه هذا الكتاب العظيم من تأثير وانقلاب في العالم، ثم حصر مقاصده الأصول نذكرها آسفين إجمالاً لضيق المقام.
(وهنا لخص الأستاذ مقاصد القرآن العشرة وخاتمة الكتاب فجزاه الله عن نفسه ودينه وأخيه المؤلف أفضل الجزاء).