من خطباء يوم الثلاثاء الباحثين فضيلة الأستاذ الشيخ محمد رضا مظفر عميد كلية الفقه بالنجف وأحد أعضاء الوفد العراقي للمشاركة في الاحتفال بمرور ألف ومائة سنة على تأسيس جامع القرويين، وكان موضوع بحثه المقارنة بين جامعة القرويين ومدرسة النجف، وقد أجاد في وصف مدرسة النجف وفصل القول فيها تفصيلا شمل جميع أحوالها، وقد جاء في خطبته أن الإمامية ويقصد بهم هنا الإثني عشرية خاصة، وهم القائلون بوجوب الإمام المعصوم بعد النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، والأئمة عندهم اثني عشر إماما أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم محمد بن الحسن العسكري المسمى عندهم بالمنتظر، جاء في خطبته أن فتح باب الاجتهاد مختص بالإثني عشرية، وهم قرابة نصف سكان العراق وأكثر سكان بلاد فارس التي يسمونها في هذا الزمان إيران، وعددهم في الهند كثير أيضا، ولما سمعت منه هذا الكلام تقدمت إلى رئيس الاحتفال وطلبت دقيقتين أصحح فيهما خطأ الشيخ الخطيب وأبين بالبرهان أن الاجتهاد عند أهل الحديث المتمسكين بسنة الرسول من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين لم يقل أحد منهم بسد باب الاجتهاد البتة، وإنما قال ذلك للعوام الذين لا تحقيق عندهم فسدوا على أنفسهم باب الاجتهاد فبقي مسدودا عليهم وحدهم، ومن شك في هذا فعليه بكتب الحديث، وأختصرها له في كتابين فيما يتعلق بمسألة الاجتهاد أحدهما (جامع بيان العلم وفضله) للإمام الحافظ أبي عمر يوسف بن عبد البر النمري وهو من أهل القرن الخامس الهجري طبعا، وثانيهما كتاب (إيقاظ همم أولي الأبصار للإقتداء بسيد المهاجرين والأنصار وتحذيرهم من الابتداع الشائع في القرى والأمصار من تقليد المذاهب مع الحمية والعصبية بين فقهاء الأعصار) للإمام المحقق المحدث الشهير صالح بن محمد نوح العمري الغلاني من سودان المغرب توفي سنة ألف ومائتين وثماني عشرة للهجرة أي منذ مائة واثنتين وستين سنة فقط 162. وأزيدك كتابا ثالثا وهو كتاب (الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض) للحافظ المتفنن عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي المتوفى سنة تسع مائة واثنتي عشرة للهجرة. فمن قرأ هذه الكتب الثلاثة لا يشك أبدا فيما ذكرنا من أن باب الاجتهاد لم يزل مفتوحا على مصراعيه إلى يومنا هذا وسيبقى مفتوحا ما وجد على الأرض مسلمون متبعون لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن دواعي أسفي أن رئيس الاحتفال تلقى طلبي باستثقال، ولكن الله سبحانه الذي تكفل بنصر الحق أنطق أجد الخطباء بمعنى ما كنت أريد أن أقول، وهذا الخطيب هو الأستاذ عبد الجواد مندوب المملكة الليبية، فإنه ذكر أن الإمام السيد بن علي السنوسي المغربي مؤسس الدعوة السنوسية في طرابلس وبرقة وبلدان أخرى درس في جامع القرويين ودرس فيه ودعا إلى إبطال التقليد وألف في ذلك، فجاء الرد على الأستاذ مظفر ضمن المنهاج ولله الحمد.
وأزيد على ما قال الأستاذ عبد الجواد أن الإمام محمد بن علي السنوسي أبطل التقليد في جميع البلدان التي انتشرت فيها دعوته ولا يزالون على ذلك إلى الآن وألف في ذلك كتبا قيمة، منها كتاب في أصول الفقه بخط اليد قرأته في مدينة الرسول حين كنت مجاورا فيها، ومنها كتاب (المسائل العشر في أحكام الصلاة) رد فيها على المقلدين من المنتسبين إلى المذهب المالكي وبين مخالفتهم لكثير من السنن المحمدية، وهو مطبوع متداول في أيدي الناس. وقد جمعني مجلس في دار بالمدينة المنورة مع المجاهد البطل الأستاذ السيد أحمد السنوسي الكبير فذكر بعض الحاضرين تقليد أقوال المذهب المخالفة للنص فغضب الشيخ وتكلم بحماس عظيم كأنه فحل هائج بلسان فصيح نحو نصف ساعة في رد التقليد والجمود على المذهب مع قيام الدليل على خلافه.
ولا يحسبن أحد أني تألمت من عدم السماح لي بالكلام وأني مصر على عدم قبول الاعتذار بضيق الوقت وكثرة الخطباء والباحثين وإنما آلمني ذلك الجواب بالشكل المذكور.
هذا ونرجو الله أن يوفقنا الله جميعا للعمل بقوله تعالى: {وقولوا للناس حسنا} وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: “وخالق الناس بخلق حسن” وبقوله عليه الصلاة والسلام: “لا تحقرن من المعروف شيئا لو أن تلقى أخاك بوجه طليق”.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
مجلة دعوة الحق، العدد 1 ـ السنة 4. جمادى الأولى 1380هـ/أكتوبر 1960م. ص: 25-26