اعلم أن علماء اللغات اتفقوا على أن كل لغة عظيمة تنسب إلى أمة عظيمة، لا بد أن توجد في مفرادتها كلمات وردت عليها من أمة أخرى، لأن الأمة العظيمة لا بد أن تخالف غيرها من الأمم وتتبادل معها المنافع من أغذية وأدوية ومصنوعات وتعلم وتعليم، فلا بد حينئذ من تداخل اللغات، ولا يمكن أن تستقل وتستغني عن جميع الأمم، فلا تستورد منها شيئا ولا تورد عليها شيئا، والقرآن نفسه يثبت هذا، قال تعالى: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} (1).
ذكر إبراهيم في دعائه أنه أسكن ذريته يعني إسماعيل وآله بواد غير ذي زرع وهو وادي مكة وإذا لم يكن فيه زرع لم تكن فيه ثمرات، وذكر أثناء دعائه ومناجاته لربه أنه أسكنه وذريته بذلك الوادي المقفر ليقيموا الصلاة، أي يؤدوها قائمة كاملة عند بيت الله ويعبدوه فسأل الله أن يجعل قلوب الناس تهوي إلى ذريته، أي تسرع إليهم شوقا ومحبة وتمدهم بما يحتاجون إليه وأن يرزقهم من الثمرات التي تجلب إليهم من الآفاق والأقطار المختلفة ليشكروا الله على ذلك فيزيدهم، وقد استجاب الله دعوته، فصارت أنواع الحبوب والثمرات والتوابل والأدوات والثياب والتحف والطرائف تجلب إلى مكة من جميع أنحاء المعمورة.وهذه الأمور التي تجلب إليها كثير منها وضعت أسماؤها في البلدان التي تصدر منها فإذا جاءت مكة يسمونها بالاسم الذي جاءت به فتندمج في لغتهم وتصير جزءا منها والأصل في اللغات أن الأشياء العامة توجد لها أسماء في كل لغة، أما الأشياء الخاصة التي خص الله بها قطرا بعينه فإن الاسم الذي سماها بها أهل ذلك القطر الذي خلقت فيه يبقى في الغالب ملازما.
ولنضرب لذلك مثلا الجوز الهندي والنخيل الذي يثمره وهو “نارجيل” ويسمى بالهندية “ناريل” فهو يجلب إلى غير الهند، دون أن يبدل اسمه، وثمر “الأنبه” وهو أحسن الفواكه في الهند وقد يكون أحسن الفواكه مطلقا يوجد دائما في مكة شرفها الله في أحقاقه، إذا أكلته تظن أنك أكلته تحت شجرته وهذه الفاكهة موجودة في مصر وتسمى “مانكة” وتنقل إلى بلدان أخرى ويبقى اسمها ملازما لها.
وكذلك ثمر “أناناس” يجلب من إندونيسيا ويبقى اسمه ملازما له وقس على ذلك، وقد قال أحد علماء الفيلولوجيا أعني علماء اللغات أن لغة سكان أستراليا الأصليين لا تزيد مفرادتها على مائة، لأنهم أبعد الناس عن المدينة التي تستلزم مخالطة الأمم الأخرى وتبادل المنافع معها فكلما عظمت اللغة دلت عظمتها وثروتها ووفرة ألفاظها على مخالطة أهلها لشعوب أخرى واقتباسها منهم فهي تعطي وتأخذ.
وقد أخبرنا القرآن أن قريشا كانت لهم رحلتان، رحلة في الشتاء إلى جنوب الجزيرة العربية اليمن، ورحلة الصيف إلى الشام وكانوا تجارا ينقلون البضائع من بلد إلى بلد، وكانت مكة شرفها الله تعالى مركزا عظيما للتجارة قبل الإسلام فكانت تنقل إليها البضائع من الشرق والغرب والجنوب والشمال فكيف يتصور أن لغة العرب تبقى مغلقة مختوما عليها لا تخرج منها كلمة ولا تدخلها كلمة.
والأئمة الذين أنكروا وجود كلمات غير عربية في القرآن تمسكوا بظاهر قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (2)، وقوله تعالى: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} (3).
وما أشبه ذلك وهم على حق فيما قالوا فليس في القرآن كلمة أعجمية باقية على عجمتها ألبتة، فكل ما في القرآن من الكلمات تنطق به العرب وتفهمه وهو جار على سنن كلامها لا خلاف في ذلك نعلمه، إنما الخلاف في المعرب هل هو موجود في القرآن أم لا؟
قال السيوطي في الإتقان: ” قد أفردت في هذا النوع ” كتابا سميته (المهذب فيما وقع في القرآن من المعرب) وأنا ألخص فوائده فأقول: اختلف الأئمة في وقوع المعرب في القرآن فالأكثرون منهم الإمام الشافعي وابن جرير وأبو عبيدة والقاضي أبو بكر وابن فارس على عدم وقوعه فيه لقوله تعالى: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} (4) وقوله تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} (5) وقد شدد الشافعي النكيرة على القائلين بذلك.
وقال أبو عبيدة: إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين فمن زعم أنه غير العربية فقد أعظم القول ومن زعم أن “لدا” بالنبطية فقد أكبر القول، وقال ابن فارس: لو كان فيه من لغة غير العربية شيئا لتوهم أن العرب: إنما عجزت عن الإتيان بمثله لأنه أتى بلغات لا يعرفونها.
قال محمد تقي الدين الهلالي: إنما يمكن أن يقال ذلك إذا كان في القرآن تراكيب أعجمية، أو كلمات باقية على عجمتها، أما وجود كلمات قد صقلتها العرب بألسنتها، ونحت بها مناحي كلماتها، ودخلت في أوزانها فلا يمكن أحد أن يدعي ذلك فيها، وقد رد القرآن نفسه على من زعم ذلك من أعداء الإسلام الأولين فقال تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} (6) وتحداهم أن يأتوا بسورة مثله بأشد أساليب التحدي فقال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} (7) وقال تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} (8)، فأي عدو يسمع مثل هذا التحدي ثم لا يبذل قصارى جهده في معارضة عدوه وإبطال تحديه ولو أن إحدى الدولتين المتعارضتين اليوم وهما الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي صنعت إحداهما سفينة فضائية مثلا وقالت للأخرى إنك لن تستطيعي أن تصنعي مثلها لغضبت الدولة المتحداة ولم يقر لها قرار، حتى تصنع سفينة مماثلة أو فائقة لما صنعته الدولة المتحدية.
وهنا نحن اليوم نرى الصين الشيوعية لما رأت عدوتها الولايات المتحدة متفوقة في صنع القنابل الذرية والهيدروجينية فقد عقلها حنقا وغيظا وهي جادة في صنع هاتين القنبلتين، وزادها غيظا أن أختها في الشيوعية دولة الاتحاد السوفييتي ضنت عليها في المساعدة على التوصل إلى هذا الغرض مع أن الولايات المتحدة لم تتحد الصين إلا بلسان الحال، بل هذه فرنسا قلبت ظهر المجن لحليفتيها الولايات المتحدة وبريطانيا لأنهما لم يشركاها فيما وصلتا إليه من صنع القنبلتين المذكورتين إلا بقدر ضئيل لا يشبع نهمها ولم يكن أحد من العرب المعادين للإسلام يقول إن الذي منعهم من معارضة القرآن هو وجود كلمات فيه غير عربية بل سلموا أنه كله عربي.
أما كتاب السيوطي الذي سماه “المهذب فيما وقع في القرآن من المعرب ” فلا نعلم أنه موجود في هذا الزمان، لكن الملخص الذي نقله منه مؤلفه في كتاب الإتقان لا يدل على أن المؤلف مع غزارة علمه كان أهلا أن يؤلف في هذا الباب لأنه فيما يظهر لم يكن يعرف إلا اللغة العربية والمؤلف في هذا الموضوع يحتاج إلى إلمام باللغات التي قيل إن بعض مفرداتها قد عرب ودخل في القرآن، فإن لم يعلم بها كلها فلا أقل من الإلمام ببعضها، وأكثر علماء العرب مقصرون في علم اللغات، والذين يعرفون شيئا من اللغات الأخرى منهم قليل، وقد كان عمر – رضي الله عنه – يعرف اللغة العبرانية ويقرأ التوراة ويفهمها. وقال الترمذي في جامعه ” باب تعلم السريانية ” ثم روى بسنده إلى زيد بن ثابت قال «أمرني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن أتعلم كلمات يهود وقال: بأني والله ما آمن يهود على كتابي قال: فما مر بي نصف شهر حتى تعلمته له، قال فلما تعلمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت له وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابهم» هذا حديث حسن صحيح.
قال العالم الرباني أستاذي عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري رحمه الله رحمة واسعة في شرح هذا الحديث من كتابه “تحفة الأحوذي في شرح الترمذي ” ج 3 ص 392. ما نصه: قال القاري: قيل فيه دليل على جواز تعلم ما هو حرام في شرعنا بالتوقي والحذر عند الوقوع في الشر كذا ذكر الطيبي في ذيل كلام مظهري وهو غير ظاهر إذ لا يعرف في الشرع تحريم تعلم شيء من اللغات سريانية أو عبرانية أو هندية أو تركية أو فارسية وقال تعالى في سورة الروم “22” {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} أي لغاتهم بل هو من جملة المباحات.
وهذا الحديث رواه أيضا أحمد وأبو داود والبخاري في تاريخه وذكره في صحيحه تعليقا، ومعنى الحديث أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أمر الصحابي الجليل كاتب الوحي زيد بن ثابت أن يتعلم كتابة اليهود وفي رواية أمره أن يتعلم السريانية وعلل ذلك بأنه عليه الصلاة والسلام لا يأمن اليهود أن يكتبوا له إذا أراد أن يكتب إليهم أو يقرءوا إليه كتابا يأتيه منهم لئلا يزيدوا فيه وينقصوا ويبدلوا ويغيروا فتعلم زيد ما أمره به النبي – صلى الله عليه وسلم – في نصف شهر وقد يشكل فهم هذا من وجهين: الأول: أن المعهود من اليهود أن يتكلموا أو يكتبوا بالعبرانية لا بالسريانية. الثاني: كيف يستطيع متعلم أن يتعلم لغة أجنبية في نصف شهر، والجواب عن الأول أن اليهود في زمان النبي – صلى الله عليه وسلم – بل في زمان عيسى ابن مريم عليه السلام وقبله بزمن لم يكونوا يتكلمون ويكتبون بالعبرانية لأنها كانت قد انقرضت ولم يبق منها إلا كلمات قليلة تردد في الصلوات وكان اليهود يكتبون علومهم الدينية والدنيوية ويتخاطبون بالسريانية وإنما جددوا العبرانية وأحيوها وبذلوا جهودا عظيمة في هذا العصر الأخير.
والجواب الثاني: أن زيدا لم يتعلم اللغة في نصف شهر وإنما تعلم الكتابة والقراءة، أما معاني لغة اليهود فكان يفهمها لأنها كانت ولا تزال قريبة جدا من لغة العرب، لأن قبائل من اليهود كانت مساكنة للأنصار، وتعلم اللغات الأجنبية للانتفاع بها في أمور الدين والدنيا أمر محمود إذا لم يكن على حساب لغة القرآن كما يفعل سكان المستعمرات المتهوكون في زمان الاستعمار وبعده فيهملون لغة القرآن وهي لغة دينهم وتاريخهم ومجدهم ويتعلمون لغة المستعمر ويتطاولون بها ويشمخون بأنوفهم ويتراطنون بها بغير ضرورة ويحتقرون شعوبهم لعدم استعمال تلك اللغة الأجنبية فهؤلاء أعضاء مجذومة في جسم الأمة يجب قطعها وهم يعلمون أن جميع الأمم تحتقرهم لأنه لا يكون لهم فضل بتعلمهم تلك اللغة الأجنبية إلا إذا أتقنوا لغتهم وكانوا أعضاء نافعين في أمتهم ولكن.
من يهن يسهل الهوان عليه … ما لجرح بميت إيلام
ثم قال: السيوطي قال ابن جرير: ما ورد عن ابن عباس وغيره من تفسير ألفاظ من القرآن أنها بالفارسية أو الحبشية أو النبطية أو نحو ذلك إنما اتفق فيها توارد اللغات فتكلمت بها العرب والفرس والحبشة بلفظ واحد.
قال محمد تقي الدين الهلالي: ابن جرير إمام المفسرين في زمانه وما بعده وقد أخطأ في هذا الرأي إذ لا يمكن أن تتكلم هذه الشعوب المتباينة في أنسابها ولغاتها والمتباعدة في أوطانها على سبيل المصادفة والاتفاق وتوارد الخواطر بتلك الكلمات الكثيرة العدد على أن الذين قالوا في القرآن كلمات كانت في الأصل غير عربية صارت بالاستعمال عربية لم يقل أحد منهم إن الكلمة التي أصلها فارسي قد اتفق فيها الفرس مع العرب والنبط والحبشة بل إذا كانت الكلمة فارسية كالأباريق مثلا لم تكن حبشية ولا نبطية والكلمة التي قيل إنها حبشية “كابلعي” من قوله تعالى: {يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ} (9) لم يقل أنها توافق الفارسية والنبطية وهكذا يقال في سائر الكلمات كما سيأتي في ذكر الكلمات التي نسب أصلها إلى غير العربية، ثم قال السيوطي وقال غيره: بل كان للعرب العاربة التي نزل القرآن بلغتها بعض مخالطة لسائر الألسنة في أسفارهم فعلقت من لغاتهم ألفاظ غير بعضها بالنقص من حروفها واستعملتها في أشعارها ومحاوراتها حتى جرت مجرى العربي الفصيح ووقع بها البيان وعلى هذا الحد نزل بها القرآن، انتهى.
هذا هو الحق الذي لا ريب فيه ثم ذكر السيوطي آراء أخرى يظهر زيفها عند الامتحان فأعرضت عن نقلها، ثم نقل عن الجويني ما معناه في القرآن وعد ووعيد، والوعد يذكر فيه ثواب المطيعين وما أعد الله لهم في الدارين مما تشتهيه أنفسهم ويرغبهم في فعل الطاعات وذلك يتضمن مآكل ومشارب وثيابا ومساكن طيبة وحورا عينا وفرشا طيبا وغلمانا للخدمة وبعض تلك الأمور وضعته أمم غير عربية وسمته بكلمات من لغاتها فنقله العرب عنها فصار في وصف النعيم والعيشة الراضية لا بد منه وضرب لذلك كلمة “إستبرق” مثلا وهو ما غلظ من ثياب الحرير، والسندس ما رق منها قال البيضاوي: وهو معرب “استبره” بالفارسية فلو أريد لتجنب استعمال كلمة إستبرق، فأما أن يترك ذكر هذا النوع من الثياب أصلا فلا يتم المطلوب وهو وصف العيشة الراضية، وأما أن يعبر عنه بكلمتين أو أكثر كثياب الحرير الغليظة فتفوت البلاغة إذا فلا بد من التعبير به ليكون الكلام بليغا.
ثم قال السيوطي قال أبو عبيد القاسم بن سلام بعد أن حكى هذا القول بالوقوع عن الفقهاء والمنع من أهل العربية، والصواب عندي مذهب فيه تطبيق القولين مجتمعين، وذلك أن هذه الأحرف أصولها أعجمي كما قال الفقهاء لكنها وقعت للعرب فعربتها بألسنتها وحولتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها، فصارت عربية ثم نزل القرآن بها وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب، فمن قال إنها عربية فهو صادق ومن قال عجمية فصادق، ومال إلى هذا القول الجوالقي وابن الجوزي وآخرون، انتهى.
الكلمات المشتركة
أول القرآن “بسم الله الرحمن الرحيم” اشتملت على أربع كلمات اسم، الله، الرحمن، الرحيم، أبدأ بالكلام على الرحمن قال السيوطي في كتاب الإتقان: ذهب المبرد وثعلب إلى أنه عبراني وأصله بالخاء المعجمة. قال السيوطي في تفسير قوله تعالى في سورة الفرقان “60” {قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ} الآية. . . لأنهم ما كانوا يطلقونها على الله، أو لأنهم ظنوا أنه أراد به غيرهم ولذلك قالوا، أنسجد لما تأمرنا؟ أي للذي تأمرنا يعني تأمرنا بالسجود له أو لأمرك لنا من غير عرفان، وقيل لأنه كان معربا لم يسمعوه. انتهى.
وهذا يدل على ما قلته سابقا من جهل أكثر علماء العرب باللغات حتى أخوات لغتهم كالعبرانية والسريانية، فالرحمن كلمة عربية خالصة من الرحمة بزيادة الألف والنون كضمآن وعطشان وكانت العرب تعرفه وتفهم معناه وقد سموا به مسيلمة الكذاب فكانوا يدعونه “رحمن اليمامة” ولكنهم لجهلهم لم يكونوا يعلمون أنه من أسماء الله. ومن أعجب العجب قولهم أنه عبراني وأن أصله بالخاء المعجمة، والخاء المعجمة لا وجود لها في العبرانية استقلالا؟ وإنما تنطق الكاف بها إذا جاءت قبلها حركة مثل “ها براخا” البركة ومثل باروخ، أي مبارك، ومعناه بالعبرانية هو معناه بالعربية إلا أنه في اللغة العبرانية صفة عامة لكل من في قلبه رحمة ليس خاصا بالله تعالى، إذا فهو من الكلمات المشتركة بين العبرانية والعربية وهي كثير تعد بالآلاف، وهذه الكلمات الأربع التي في البسملة كلها مشتركة بين اللغتين، فالاسم (شم) بإبدال السين شينا وذلك كثير في العبرانية، والله “إلوهيم” والرحمن “هارحمن” وهذه الكلمات الكثيرة المشتركة بين اللغات السامية هي أصيلة في كل واحدة منها لا يقال إن إحداهن أخذتها من الأخرى وهذا هو الشأن في كل مجموعة من اللغات ترجع إلى أصل واحد كاللغات اللاتينية كالإيطالية والأسبانية والفرنسية والرومانية والبرتكالية، ومجموعة اللغات الجرمانية كالألمانية والهولاندية والفلمنكية والسويدية والنرويجية والدانمركية.
لفظ الجلالة” الله ” هل هو مشتق أو مرتجل؟
ومن ذلك المعركة الكبيرة التي خاضها علماء العربية في لفظ الجلالة “الله” أهو مرتجل؟ أم مشتق؟ وإن كان مشتقا فهل اشتقاقه من “أَلِهَ” (10) أو من وَلَهَ، أو من “لاه”؟ وما هو أصله على كل من هذه الأوجه؟ وماذا جرى عليه من الحذف والإدغام حتى بلغ صورته التي هو عليها؟ ومن تعلم شيئا من اللغات السامية أخوات اللغة العربية بل بناتها عند المحققين لا ينقضي عجبه من الخائضين في تلك المعركة ويرى جهودهم ضائعة ويحكم يقينا أن الاسم الكريم مرتجل بلا مرية وهو بعيد كل البعد من الاشتقاق، فإنه ثابت بهذا اللفظ في جميع اللغات السامية، ففي السريانية “ألاها” والشرقيون منهم ينطقون به “ألَاَهُ” وهو كذلك في الأشورية “أَلاَهُ” بفتح الهمزة في اللغات الثلاثة وبالعبرانية “إلوهيم”. ولا تختلف الشعوب السامية فيما أعلم في هذا الاسم الكريم وكذلك في مجموعة اللغات اللاتينية وفي مجموعة اللغات الجرمانية في الاسم الكريم عندهم واحد مهما اختلفت لغاتهم في الكلمات الأخرى لا تختلف فيها.
مثال يدل على تقارب اللغتين العربية والعبرانية
جاء في ترجمة يوسف روفلين للقرآن الكريم بالعبرانية في أول سورة الصف ما نصه مع استبدال الحروف العبرانية بحروف عربية: “با را شت ها معرخا” سمرة المعركة “بشم الوهيم ها رحمن وهاد حوم” “يشبح يات الوهيم كل أشر بشاميم” “وخل أشر يا آرص وهو هكبور واهلحخام هما أستيم لا ماتومرووات أشر لو تعسوا”. بسم الله الرحمن الرحيم {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} (11).
فأنت ترى أن الألفاظ كلها مشتركة من أول البسملة إلى قوله تعالى “لم” إلا أن لفظ سبح “أبدلت سينه شينا وحل المضارع محل الماضي” وهذا الفعل في العبرانية متعد بنفسه وكذلك في العربية قال تعالى في سورة “ق” (40) {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} وإلا ترجمة “ما” الموصولة بأشر وزيادة “كل” لأن الترجمة إنما هي تفسير وإبدال سين السماوات شينا وجمعها بالياء والميم واستعمال باء الجر في موضع “في” وهو جائز في العربية قال تعالى في سورة الصافات (137 – 138) {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} وإبدال ضاد الأرض صادا، وإبدال العزيز بالجبار “هكبور” وهما متقاربان في المعنى وإبدال الحكيم “هاحاخام” وهما شيء واحد إلا أن الكاف أبدلت خاء.
وترجمة “يا أيها الذين آمنوا” هماءنيميم يعني المؤمنين، وترجمة “لم” بـ “لاما” وتقولون بـ “تؤمرو” وترجمة “لا” بـ “لو” وهما شيء واحد بإمالة الألف إلى الواو، وترجمة “تفعلون” بـ “تعسوا” الواو في تؤمروا، وتعسو “واو” الجماعة وحذفت النون فيهما بلا ناصب ولا جازم كما تحذف في العاميات العربية وهذه النون هي نون الرفع وهي ثابتة في التوراة وفي مواضع تفوت الحصر وليس كما قال بعض المستشرقين في خمسة مواضع فقط.
أمثلة من الكلمات التي قيل إنها وقعت في القرآن من غير العربية
1 – أباريق:
قال السيوطي في الإتقان حكى الثعالبي في فقه اللغة أنها فارسية، وقال الجوالقي الإبريق فارسي معرب ومعناه طريق الماء أو صب الماء على هينة.
قال في لسان العرب: والإبريق إناء وجمعه أباريق فارسي معرب، قال ابن بري: شاهده قول عدي بن زيد:
ودعا بالصبوح يوما فجاءت … قينة في يمينها إبريق
وقال كراع هو الكوز، وقال أبو حنيفة مرة هو الكوز وقال مرة هو مثل الكوز، وهو في كل ذلك فارسي معرب وفي التنزيل {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ} وأنشد أبو حنيفة لشبرمة الضبي:
كأن أباريق الشمول عشية … أوز بأعلى الطف عوج الحناجر
وقال الفيروزآبادي في القاموس الإبريق معرف “أبرى” جمع أباريق انتهى.
قال بعض العلماء هو مركب من كلمتين “آب” وهو الماء و” راه ” وهو الطريقة، وقيل مركب من “آب” وهو الماء و”ريخش” وهو الصب على مهل قاله آرثر جفري في كتابه الألفاظ الأجنبية في القرآن.
2 – الآب:
وقال السيوطي “آب” قال بعضهم وهو الحشيش بلغة أهل الغرب حكاه شيدلة انتهى.
ونقله عنه جفري وفسر لغة أهل الغرب بالبربرية، أقول وهذا من أعجب العجب ولا نعلم أن العرب كانت لهم علاقة بالبربر قبل الإسلام حتى تقتبس العربية من لغتهم ثم إن هذه الكلمة يبعد كل البعد أن تكون بربرية لأنها لا تشبه الكلمات البربرية وإنما تشبه العربية والسريانية والعبرانية وقال جفري: إنه مأخوذ من “أبا” الأرامية ومعناه الخضرة وقال في لسان العرب: الأب الكلاء، وعبر بعضهم عنه أنه المرعى، وقال الزجاج: الأب، جميع الكلاء الذي تعتلفه الماشية، وفي التنزيل العزيز (فاكهة وأبا) قال أبو حنيفة: سمى الله تعالى المرعى كله أبا، قال الفراء: الأب ما تأكله الأنعام، وقال مجاهد: الفاكهة ما أكله الناس، والأب ما أكلت الأنعام، فالأب من المرعى للدواب كالفاكهة للإنسان.
قال ثعلب: الأب كل ما أخرجت الأرض من النبات، وقال عطاء: كل شيء ينبت على وجه الأرض فهو الأب.
وفي حديث: أن عمر بن الخطاب قرأ قوله عز وجل {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} وقال: فما الأب؟ ثم قال ما كلفنا وما أمرنا بهذا انتهى.
وقال ابن كثير عن ابن جرير بسنده إلى أنس قال قرأ عمر بن الخطاب {عَبَسَ وَتَوَلَّى} فلما أتى هذه الآية ” وفاكهة أبا ” قال عرفنا الفاكهة وما الأب؟ وقال لعمرك يا ابن الخطاب فإن هذا لهو التكلف، فهو إسناد صحيح رواه غير واحد عن أنس به. وهذا محمود على أنه أراد أن يعرف شكله وجنسه وعينه وإلا فهو وكل من قرأ هذه الآية يعلم أنه من نبات الأرض لقوله تعالى: {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا}
3 – ابلعي:
قال السيوطي في الإتقان أخرج ابن حاتم عن وهب بن منبه في قوله تعالى “هود- 44” {ابْلَعِي مَاءَكِ} قال بالحبشية: ازدرديه، وأخرج أبو الشيخ من طريق جعفر بن محمد عند أبيه قال: اشربي بلغة الهند انتهى.
وإن تعجب فعجب قولهم “ابلعي” بلغة أهل الهند وهذا القول إلى الهزل أقرب منه إلى الجد وقائله ليس أهلا أن يؤخذ عنه العلم وإنما هو يهرف بما لا يعرف وأهل الهند أجناس كثيرة لهم مئات من اللغات لا تكاد تسير مسافة يوم إلا وجدت جنسا آخر له لغة أخرى، وفي زماننا هذا نرى الدماء تسفك بينهم بسبب اللغات فلا يرضى جنس أن تكون لغة الدولة لغة أخرى غير لغته، وفي زمن الاستعمار لم تكن في الهند لغة يستطيع المسافر أن يتكلم بها ويجد من يفهم كلامه في جميع أنحاء الهند، إلا لغتين أحدهما الإنجليزية وهي لغة الدولة الحاكمة، والثانية لغة المسلمين وهي لغة أوردو على أن “بلع” كلمة عربية سامية أصيلة عريقة في عروبتها وساميتها وترفع راية اللغات السامية وهي حرف العين.
ومن المعلوم عند علماء اللغات أن العين والحاء لا توجدان إلا في اللغات السامية فإن وجدت إحداهما في كلمة من لغة غير سامية فتلك الكلمة طارئة واردة على تلك اللغة وبهذا يستدل الفيلولوجيون على أن البربر من الشعوب السامية وأنهم خرجوا من جزيرة العرب قبل خروج البابليين والأشوريين، والكنعانيين، والفينيقيين كما هو مبين في موضعه ونحن نرى إخواننا عامة المسلمين من أهل الهند يبذلون جهودهم في النطق بقوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فلا يتمون النطق بالعينين حتى تغفر ذنوبهم من مشقة النطق بهما. ولذلك نرى السيوطي في كتاب الإتقان كحاطب ليل وليس تحقيق ولا إتقان وهذا شأنه في علوم المنقول، أما في علوم المعقول كعلوم العربية فهو فارس لا يشق له غبار وقد تحامل عليه الحافظ السخاوي في كتابه “الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع” فالله يغفر لهما جميعا.
في النطق بقوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}
فلا يتمون النطق بالعينين حتى تغفر ذنوبهم من مشقة النطق بهما. ولذلك نرى السيوطي في كتاب الإتقان كحاطب ليل وليس تحقيق ولا إتقان وهذا شأنه في علوم المنقول، أما في علوم المعقول كعلوم العربية فهو فارس لا يشق له غبار وقد تحامل عليه الحافظ السخاوي في كتابه “الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع” فالله يغفر لهما جميعا.
4 – (أخلد)
قال السيوطي في الإتقان: قال الواسطي في الإرشاد: أخلد إلى الأرض ركن بالعبرانية انتهى.
أقول: هذا القول لا يقوله إلا جاهل باللغات السامية فإن أخلد وخلد موجودتان في اللغتين كلتيهما ومتفقتان في معانيهما في الجملة فمن قال إنهما عبريتان وليستا عربيتين فقد قفا ما لا علم له به ومن قال العكس فهو مثله، وإنما توجد بالعرض في حرف الكاف إذا جاءت بعد حركة، ولم نر أحدا من علماء اللغة العربية أشار إلى أن (أخلد) عبرانية كما ادعى هذا المدعي.
قال في لسان العرب: وخلد إلى الأرض وأخلد أقام فيها وفي التنزيل العزيز {وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} (12) أي ركن إليها وسكن وأخلد إلى الأرض وإلى فلان، أي ركن إليه ومال إليه ويرضى به، ويقال خلد إلى الأرض بغير ألف وهي قليلة انتهى.
وقال البيضاوي في تفسيره {وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ} مال إلى الدنيا أو إلى السفالة (واتبع هواه) في إيثار الدنيا واسترضاء قومه وأعرض عن مقتضى الآيات انتهى.
5 – الأرائك:
قال السيوطي في الإتقان حكى ابن الجوزي في فنون الأفنان أنها السرر بالحبشة انتهى.
قال الراغب: الأريكة حجلة على سرير جمعها أرائك وتسميتها بذلك إما لكونها في الأرض متخذة من أراك وهو شجر أو لكونها مكان للعامة من قولهم أراك بالمكان أروكا وأصل الأروك الإقامة على رعي الأراك ثم تجوز به في غيره من الإقامات، اهـ.
وقال في لسان العرب: والأريكة سرير في حجلة والجمع أريك وأرائك، وفي التنزيل {عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} قال المفسرون: الأرائك السرر في الحجال وقال الزجاج: الأرائك الفرش في الحجال وقيل: هي الأسرة وهي في الحقيقة الفرش كانت في الحجال أو في غير الحجال وقيل: الأريكة سرير منجد مزين في قبة أو بيت فإذا لم يكن فيه سرير فهو حجلة، وفي الحديث: «ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكئ على أريكة فيقول بيننا وبينكم كتاب الله (13)»، الأريكة السرير في حجلة من دونه ستر ولا يسمى منفردا أريكة، انتهى.
قال في اللسان: والحجلة مثل القبة وحجلة العروس معروفة وهي بيت يزين بالثياب والأسرة والستور فقد رأيت أن الأرائك كلمة عربية خالصة وبطل ما ادعاه السيوطي ومن نقل عنه.
6 – (أسباط)
قال السيوطي في الإتقان حكى أبو الليث في تفسيره أنها بلغتهم كالقبائل بلغة العرب انتهى.
وفي هذا الكلام شيء ساقط لأن الضمير في لغتهم لم يذكر ما يعود عليه وهذا الساقط يحتمل أن يكون يدل على بني إسرائيل وكلام الجفري يؤيد هذا الاحتمال وهذا نص ترجمته العربية.
اضطر أبو الليث أن يعترف أنه أي السبط لفظ عبراني مستعار، قال السيوطي في الإتقان وقد أطال جفري البحث في هذا اللفظ وادعى أنه لم يستعمل في كلام العرب قبل استعماله في القرآن وربما يكون أول من استعمله محمد.
ونحن نقول لجفري وأمثاله من الذين أعمى التعصب بصائرهم وأفقدهم صوابهم أن الله الذي أنزل التوراة والإنجيل – اللذين تؤمن بهما – هو الذي أنزل القرآن على عبده ورسوله محمد بن عبد الله خاتم النبيين على رغم أنفك ولا ضير على القرآن أن يوجد فيه لفظ شاع استعماله في العبرانية لأن هاتين اللغتين نشأتا من أصل واحد وإذا جاز أن يكون في القرآن ألفاظ هي في الأصل فارسية مع أن لغة الفرس بعيدة من لغة العرب فما المانع أن توجد فيه ألفاظ عبرانية وسريانية؟
وإذا اعتبرنا السبط اسما لقبيلة من قبائل بني إسرائيل فالتعبير به طبيعي وهو أولى من التعبير عنه بالقبيلة لأنه صار شبيها بالأعلام التي يجب ذكرها بلفظها.
قال في لسان العرب والسبط من اليهود كالقبيلة من العرب وهم الذين يرجعون إلى أب واحد، سمي سبطا ليفرق بين ولد إسماعيل وولد إسحاق وجمعه أسباط وقوله عز وجل: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا} (14) ليس أسباطا بتمييز لأن المميز إنما يكون واحدا لكنه بدل من قوله (اثنتي عشرة) كأنه قال جعلناهم أسباطا والأسباط من بني إسرائيل كالقبائل من العرب انتهى.
وأصله بالعبرانية (شبط) على وزن إبل ومعناه القضيب والعصا والقبيلة.
7 – إستبرق
قال السيوطي في الإتقان أخرج ابن أبي حاتم أنه الديباج بلغة العجم. انتهى.
وقال البيضاوي في قوله تعالى في سورة الدخان (53) {يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ} السندس ما رق من الحرير والإستبرق ما غلظ منه معرب استبره قال جفري: وهذا من الألفاظ القليلة التي اعترف المسلمون أنها مأخوذة من الفارسية وعزاه السيوطي في الإتقان وفي المزهر حكاه فيه الأصمعي وإلى السجستاني في غريب القرآن وإلى الجوهري في الصحاح وإلى كتاب الرسالة للكندي وإلى ابن الأثير في النهاية، قال وبعضهم يقول إنه لفظ عربي مأخوذ من البرق، انتهى.
8 – السندس
قال في القاموس ضرب من رقيق الديباج معرب بلا خلاف، وقال في لسان العرب: السندس البزيون، وفي الحديث «أن النبي – صلى الله عليه وسلم – بعث إلى عمر بجبة سندس (15)» قال المفسرون في السندس أنه رقيق الديباج ورفيعه وفي تفسير الإستبرق أنه غليظ الديباج ولم يختلفوا فيه، الليث: السندس ضرب من البزيون يتخذ من المرتزى ولم يختلف أهل اللغة فيهما أنهما معربان، انتهى.
9 – أسفار
قال السيوطي في الإتقان قال الواسطي في الإرشاد: هي الكتب بالسريانية وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال: هي الكتب بالنبطية، انتهى.
قال محمد تقي الدين الهلالي: يالله يا للعجب؟ كيف يقال أن الأسفار جمع سفر بكسر فسكون ليس بعربي وإنما هو سرياني أو نبطي، لا جرم لا يقول ذلك إلا جاهل باللغات السامية، والحق الذي لا شك فيه أن السفر كلمة عربية خالصة وهي في الوقت نفسه عبرانية وسريانية ونبطية فهي من الألفاظ المشتركة بين اللغات السامية ليست واحدة منها أولى بها من غيرها.
الهوامش:
(1) سورة إبراهيم الآية 37
(2) سورة يوسف الآية 2
(3) سورة النحل الآية 103
(4) سورة يوسف الآية 2
(5) سورة فصلت الآية 44
(6) سورة النحل الآية 103
(7) سورة البقرة الآية 23-24
(8) سورة الإسراء الآية 88
(9) سورة هود الآية 44
(10) وفي القاموس لمجد الدين الفيروزبادي ما نصه (إله) الاهة، وألوهة، وألوهية، عبد عبادة ومنه لظ الجلالة واختلف فيه على عشرين قولا ذكرتها في المباسيط وأصحها أنه علم غير مشتق.
(11) سورة الصف الآية 1-2
(12) سورة الأعراف الآية 176
(13) سنن الترمذي العلم (2664)، سنن ابن ماجه المقدمة (12)، سنن الدارمي المقدمة (586)
(14) سورة الأعراف الآية 160
(15) صحيح مسلم اللباس والزينة (2072)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 147).
مجلة البحوث الإسلامية : العدد الثامن – من ذو القعدة إلى صفر لسنة 1403هـ 1404هـ – ص: 206-222