كنت قرأت منذ زمن طويل أخبار القبائل التي تسمى (إسكمو) وأحوال معيشتهم، ومساكنهم وأسفارهم وحالة الجو في بلادهم، وذلك معروف في كتب الجغرافية، والذي يهمنا هنا من أخبار الأراضي القطبية ما شاع أن السنة عندهم يوم واحد، نهار وليلة، ستة أشهر للنهار، وستة أشهر لليل.
ولم أؤمل قط أن أرى تلك الأراضي، لما قرأته من شدة البرد وتراكم الثلوج هناك، وأنهم يلجئون إلى لبس الجلود والاختباء في بيوت يحيط بها الثلج من كل جانب، إلى غير ذلك من الأخبار.
وفي صيف سنة 1936 اجتمعت بالدكتور/ زين العابدين خير الله الحلبي وكان أستاذاً في مستشفى الأمراض الخاصة بالنساء في جامعة مار بورك بألمانيا، فأخبرني أن الأراضي القطبية واسعة، وليست محصورة في الأراضي التي يسكنها قبائل (إسكمو) وأنه هو نفسه زار الأراضي القطبية في شمال النرويج، وأن سكانها متمدنون، وأنه أقام هناك نحو اثني عشر يوماً لم ير فيها ظلمة ولا ليلاً، بل كلها كانت نهاراً.
ومن ذلك الحين عزمت على زيارة هذه الأراضي في أقرب وقت ممكن. فلما أشرفت السنة الدراسية على نهايتها ذهبت إلى السفارة النرويجية في الرباط، وسألتها عن الأراضي القطبية التي لا تغيب فيها الشمس بضعة أشهر، فأخبروني أن الأمر كذلك، وأن هناك نواحي تابعة للحكومة النرويجية تبقى الشمس فيها مشرقة مدة ثلاثة أشهر من أول مايو (أيار) إلى آخر يوليو (تموز) فتأهبت للرحلة وتوجهت من مكناس في سيارتي يسوقها الحاج أحمد هارون في اليوم الثاني من يوليو، وسرنا متوكلين على الله من مكناس إلى تطوان، ثم عبرنا البحر من سبتة إلى الجزيرة الخضراء، ثم سرنا عبر إسبانيا ففرنسا فألمانيا، فالدانمارك، فالسويد فالنرويج، وتركنا السيارة في مدينة (أوسلو) عاصمة النرويج، وركبنا القطار والسيارات مدة يومين، فوصلنا مدينة (ناروك)، وشاهدنا الشمس مشرقة مدة أربعة وعشرين ساعة.
أوقات الصلاة في الأراضي القطبية
كنت عازما قبل أن أصل إلى تلك البلاد أن أصلي خمس صلوات في مدة اثنتي عشر ساعة، ثم أترك الصلاة اثنتي عشر ساعة، فتكون خمس صلوات في أربع وعشرين ساعة.
فلما وصلت إلى تلك البلاد تغير رأيي، وظهر لي أن تُتبَع أوقاتُ الصلاة في تلك البلاد الأراضي الجنوبية من البلاد النرويجية، فيصلي المصلي صلاة الصبح وقت طلوع الفجر في الجنوب، ويصلي الظهر حين تزول الشمس في الجنوب، وهكذا الشأن في جميع الصلوات، بناء على قاعدة: “ما قرب من الشيء يعطي حكمه”، وكذلك يفعل الصائم في رمضان إذا جاء في وقت الشمس، أو في وقت الظلام.
هل في الأراضي القطبية فصول؟
ينبغي أن يعلم أن في تلك البلاد ما يشبه الفصول الأربعة، وقد تقدم أن الشمس تستمر مشرقة من أول مايو (أيار) إلى آخر يوليو (تموز) ثم تغيب غياباً جزئياً في أول غشت (آب) في كل يوم تبقى غائبة أكثر من اليوم الذي قبله، فيكون الليل قصيراً والنهار طويلاً، ولا يزال الأمر كذلك، يزداد الليل طولاً والنهار قصراً إلى آخر أكتوبر (تشرين الثاني) فتغيب الشمس وتبقى ثلاثة أشهر غائبة.
وفي أول فبراير (شباط) تطلع الشمس، ثم لا تلبث أن تغيب، فيكون النهار قصيراً والليل طويلاً، ولا يزال النهار يطول، والليل يقصر إلى آخر إبريل (نيسان) ثم ينعدم الليل. فهذه مدد تشبه الفصول الأربعة في البلاد التي يكون فيها الليل والنهار طول السنة.
وقد عرفنا حكم أوقات الصلاة في الأشهر الثلاثة الشمسية، ومثلها الأشهر الثلاثة المظلمة. بقي حكم أوقات الصلاة في ربيع تلك البلاد وخريفها، وهما مدتان، يكون فيهما ليل جزئي ونهار جزئي، فكيف الحكم في أوقات الصلاة والصيام؟
لا يمكن أن نفكر في هذه المسألة ثم نبدي رأينا فيها إلا إذا أحطنا علماً بليلها ونهارها، كيف يطول وكيف يقصر، فالليلة الأولى بعد انتهاء مدة الشمس، وهي أول ليلة من غشت (آب) كم طولها؟
فإذا كان طولها نصف ساعة أو أقل، فهل يحكم عليها بأنها ليلة تصلى فيها المغرب والعشاء والصبح عند نهايتها، ويفطر الصائم ويتسحر فيها، ويصوم نهارها، ويصلي الظهر والعصر في وسطه، أم يستمر على اعتبار توقيت العاصمة ( أوسلو) ويعتبر الليل ليلاً، والنهار نهاراً؟ وما مقدار الساعات التي يبلغها الليل طولاً حتى يعتبر أنه ليل، وإذا مضى أكثر الأشهر الثلاثة وقصر النهار جداً يعود السؤال نفسه. وهكذا يقال في المدة الثانية التي تبتدئ من شهر فبراير (شباط) وتنتهي في آخر إبريل (نيسان).
فإن قيل: أنت أول من بدأ هذا البحث، فعليك أن تجيب عن أسئلتك، وتبدي رأيك؟ قلت: يمنعني من ذلك أنني من أهل الحديث المتبعين للسلف الصالح المتجنبين للرأي، المعتبرينه كالميتة لا يجوز الأكل منها إلا بقدر الضرورة. فما نزل من المسائل وتحقق وقوعه، وسئلنا عنه أفتينا فيه بالرأي قائلين: إن كان صواباً فمن الله، وإن كان خطأً فمنا، والله بريء منه، كما قال عبد الله بن مسعود.
أما مدة الشمس فقد وجب علينا أن نجتهد في حكم أوقات الصلاة فيها، لأن ذلك وقع ونزل، وقسنا عليه مدة الظلام، لأنهما سواء. أما المدتان الأخريان فندعهما حتى يحتاج بعض المسلمين إلى معرفة الحكم، فييسر الله له من يفتيه.
وقد كان السلف الصالح، إذا سئل أحدهم عن مسألة استحلف السائل بالله، أنها وقعت، فإن حلف له أفتى فيها برأيه، وإلا قال: دعها إذا نزلت ييسر الله لها من يفتي فيها.
وما زعمه بعض المتقدمين من أن بلاد بلغار يقصر فيها الليل والنهار جداً وهم، وقد لاحظت أن الليلة الأخيرة التي مضت قبل وصولنا إلى بلاد الشمس في نصف الليل، كما يسمونها، لم تكن مظلمة، حتى أني مع ضعف بصري، وأنا راكب في السيارة كنت أرى الأشجار، وأغصانها ولا توجد ظلمة أصلاً، إلا أن الشمس مختفية، ومن حين يتوسط الإنسان بلاد النرويج متوجهاً من الجنوب إلى الشمال تقل ظلمة الليل شيئاً فشيئاً حتى تنعدم بانعدام الليل نفسه. فسبحان الخلاق العليم.
ولاحظت أيضاً: كما لاحظ من معي أن الشمس في نصف الليل تكون قريبة من الأرض كأنها تريد أن تغيب، لكنها لا تغيب، بل تأخذ في الارتفاع وتدور في السماء، فتشكل دائرة من نصف الليل إلى نصف الليل. قال الله تعالى في سورة الحج: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} فأخبر سبحانه وتعالى أن السير في الأرض يزيد في العقل والعلم المكتسب بالتجارب، وقل ربي زدني علماً.
وهناك في تلك الناحية قبائل بدوية تسكن الخيام، ولها ماشية، وهي الأيائل، وهي نوع من الحيوان يشبه الظباء، إلا أنها أكبر منها، وقرونها متشعبة -كالأشجار- يحلبونها ويأكلون لحومها، وينتفعون بجلودها. ولا يستطيع شيء من سائر الحيوان كالبقر والغنم أن يعيش في تلك البلاد غير الأيائل، لشدة بردها، وكثرة ثلوجها، ولتلك القبائل لباس خاص.
وسمعت أنهم وثنيون، لا يدينون بالنصرانية التي يدين بها أهل تلك البلاد، ولا أعلم مقدار هذا الخبر من الصحة، وليس هذا الجو خاصاً بشمال النرويج، بل يعم كذلك شمالي السويد.
وقد علمت أن من أراد أن يشاهد الأراضي القطبية التي في شمال السويد يستطيع أن يسافر إليها بالقطار.
أما مدينة ناروك التي تقدم ذكرها فقد سافرنا إليها من (أوسلو)، بعض المسافة بالقطار، وبعضها بالسيارة، وكنا في كل بضع ساعات نجتاز خليجاً من خلجان البحر، بمعدّية، وهي باخرة كبيرة، تدخلها السيارات، فتبقى فيها نصف ساعة أو أكثر حتى تصل إلى البر، فتخرج السيارة منها وتستأنف سيرها.
وقد رأيت القطار نفسه يعبر البحر في معدّية بين ألمانيا الشرقية والدانمارك في مدة ساعتين. وتلك المعدّية الضخمة عظيمة الحجم، ذات ثلاث طبقات، يصعد إلى الطبقة العليا بالمصعد الكهربائي.
وهناك معدّية رأيتها تستعمل بين سبتة والجزيرة الخضراء، وهي أيضاً عظيمة، ولكنها دون تلك، وليس مقصودي أن أصف هذه الرحلة، لأن وصفها يحتاج إلى مؤَلَّف مستقل، وإنما ذكرت ما تقدم استطراداً.
من وحي الأندلس قصيدة من بحر جديد
لما مررنا بأرض الأندلس في رحلتنا إلى شمال أوروبا تذكرت أهل الأندلس المسلمين، وما كان لهم من المجد والسؤدد، فقلت هذه القصيدة، وهي من بحر جديد اخترعته. وأجزاؤه أربعة: مستفعلاتكم مستفعلين مرتين. له عروض واحدة صحيحة، لها ضربان، أولهما مذيل، والثاني عار عن التذييل.
وكل هذه التفاعيل بفتح العين ومعناها: مستخرجاتكم مستخرج أيها المسلمين، فالزموا مستخرجاتكم ولا تهملوها.
وقد أحدث العرب المولدون أوزاناً شعرية زائدة على بحور الشعر بعد زمان العرب الأقحاح، ونظموا عليها شعراً كثيراً، ثم جاء زمان الموشحات والأزجال، فاشتغل بها العرب في الشرق والغرب، واشتملت على أدب جم. ونظم بهاء الدين زهير شعراً أخترع له وزناً خاصاً، وهو قوله:
يـا من لعبــــت بــه شمــول
مــا ألـطـف هـذه الــشمائل
فلا غرابة إذا اقتديت به، وألقيت دلوي في الدلاء. وهذا نص القصيدة:
لـمــــا بـدا لنــــا جمــالـــــــكم
أضحـت قلوبنــــا أسرى الغرام
وانـبـعـثــــت بهــــــا مــــــــودة
تنمـو وتزدهــي علـــى الدوام
قـد طــــال هـجـركـم وصـدكم
ومـــا رثيــــتم للـــــــمستهـام
ولـم نـزل نـفــــي بـــــعـهـدكم
ومـــا رعيــــتم لنــــا ذمـــــــام
فــهل سـمـعــــــــتـم بـــــقاتل
لـــمن يحبــــــه هـذا حـــــــرام
هبــــوا أسـيـــــركـم لـو نـظـرة
صلــــوا عميـــدكم لو بالـــكلام
أمـــــا تــرونـنــــــي مـتـيـمــــاً
لم تدر مقلتــــــي أي منــــــام
مـحـبـتـــــي لـكـم عـفـيـفـــة
غـدت بــريــئـة مـــن كــــل ذام
وعــــاذل أتـى يلومــــــــــنـي
كــلامــــه غـــدا مـثـل الــــكِلام
فـقلـت: يــا فتـــى ويـك اتـئـد
فــــأنـت طـــــالب مــا لا يـــرام
عـذلـــــك زادنـــي صـبـابــــــة
فــــكف أو فــــزد من الــخصــام
يـــا مـوطـنــــاً غـدا مـفـتـخـرا
بـــــخــيـر أمـة مــــن الأنـــــــام
بــــالـعـرب إذ عـلـوا مـراتـبــــا
قـد بـلـغـوا بـهـا أقـصــى المرام
أندلساً دعيت فــي الـــــورى
وجـنـة ســمــت خيــر الـمقام
مـعـجـزة فـــــلم يـر الــــــورى
لـهـــا مـمـاثـلا لـو في الـــمنام
كـيـف افـتـخـارنـــا بـــمجدهم
ونـحـن لــم نـزل بــــلا نظـــــام
والـــخـلـف مــــا لـهـم مفتخر
لـكـن عـلـيـهـم بــــالاحتشــام
إلا إذا حـيـــــــــــوا واتـحــــدوا
وارتـجـعـــوا إلـى نـهـج الـــكرام
واتـبـعـــــوهـم فـــي دينـــــهم
ديـــن مـحـمـد بـدر الـتـمــــــام
فـــالـعـرب مــــا لـهـم مـعتصم
إلا بـــــحبلــه ولا الـتـئـــــــــــام
والــــعـز عـنـــــــهـم مـبـتـعـد
إلا إذا اقـتـــدوا بــــــذا الإمـــــام
فهو حياتــــــهم فــي بدئـــهم
وهو حـيـــــاتــهم على الــدوام
وكـلـــمــا اقـتـفـــــوا خـلافـــه
فـــــهو ضلالـــة وهـو الحســام
صـلــى عـلـيـه مـن أرسلـــــه
هـدى ورحـمــة يــجلو الظـلام
مـــا غـردت ضـحى حـمـامـــة
وأشـــرقــت ذكــــا بـعـد غمــام
والآل والــــصحـاب كـلـــــــــهم
أزكــــى صــلاته مـع الســــلام
وقد اطلع على هذه القصيدة الأديب الكبير العالم المحقق العبقري عبد الله كنون فأعجبته وأثنى عليها.
وفي الإياب من هذه الرحلة عرجنا على قرطبة وزرنا مسجدها، فاعتراني شعور فيه روعة وإجلال وإعجاب، وحزن، لا أقدر أن أصفه بلسان ولا أظن أن شخصاً له شعور إنساني يرى ذلك المسجد ولا يعتريه مثل ذلك الشعور، سواء أكان مسلماً أم غير مسلم.
وصف جامع قرطبة
من أمثال العرب: “أن الحديث لذو شجون”، وقد بدا لي أن أنقل هنا وصف مسجد قرطبة الجامع من كتاب مدينة المور في الأندلس الذي ترجمته بالعربية من أصله الإنجليزي لمؤلفه (جوزيف ماك كيب) ليرى القارئ العربي المسلم شيئاً من مجد أسلافه. وهذا نص ما قاله في وصف مسجد قرطبة:
“لم يبق من آثار قرطبة في القرون الوسطى إلا أثر واحد، وهو جامعها الذي لا يزال إلى اليوم، جميع أطفال قرطبة يسمونه مسجداً، ولولاه ما تجشم أحد عناء السفر لمشاهدة قرطبة، ولو كانت خمسة أميال منه، ولكن الناس من جميع أنحاء الدنيا يسافرون إليها ليشاهدوه.
وهو أعظم معبد في الدنيا بعد كنيسة (سنت بيترس)، وهو آية لا نظير لها من الهندسة والبناء، وظاهر هذا المسجد لا يستولي على اللب، ولم يكن المور الذين كانوا يفضلون الإقامة داخل البيوت أكثر من خارجها يعتنون كثيراً بالظاهر.
وأما الداخل فهناك العجائب، إذا دخلت الجامع من أي باب من أبوابه التسعة عشر يخيل إليك أنك تائه في غابة من أشجار المرمر، ففيه ثمانمائة وستون سارية من المرمر والرخام واليسر، وفيه غير ذلك ألف واثنتي عشرة سارية. وفيه تسعة عشر رواقاً، ينتهي كل منها بباب من الأبواب التسعة عشر، وله سقف خشبي منخفض نسبياً، وقد زخرف أحسن زخرفة بالأرجوان والذهب.
وفي الأعياد الكبيرة توقد مائتان وثمانون ثرياً من الفضة والنحاس، يحترق فيها الزيت والعطر، وتتلألأ فيها آلاف كثيرة من المصابيح، فتلقي أنوارها على ذلك المشهد. وأكبر ثرياً منها كان محيطها ثمانية وثلاثين قدماً (فوت) يحمل ألفاً وأربعمائة وأربعاً وخمسين مصباحاً، ولها مرآة تعكس النور، فيزيد شعاعه تسعة أضعاف. وفيها (6000) ألف طبق من الفضة مسمرة بالذهب، ومرصعة باللؤلؤ.
وكان الجامع قد شُيِّد مع مضافته في القرن الثامن والتاسع والعاشر. والمحراب الذي هو أقدس محل في مسجد المور، كان فيه حنيتان، وكان أعظم زخرفاً من سائر المساجد. وآخر المحراب يشبه صدفة من رخام، وله مدخل يتلألأ كالذهب الخالص أو الديباج بفسيفسائه الجميلة، وأحيل القارئ على كتب زخرفة البناء أو كتب الاستدلال، ليرى عجائب هذا الجامع العظيم.
وكان بناؤه من النصارى المنتمين إلى الكنيسة اليونانية، وكانت بينهم وبين المور مودة، فجلبوهم لبنائه، وهو أثر لمدينة زاهرة، لا يضاهيها اليوم شيء في الدنيا كلها وكان عبد الرحمن الأول مؤسس هذه الدولة، قد جعل مدينة قرطبة على مثال مدينة دمشق التي قضى فيها أوائل عمره، وهو الذي ابتدأ بناء الجامع وأتمه الخلفاء الذين جاءوا بعده. وبلغت نفقاته على ما حدث به مؤرخو العرب (300.000.000) دولار، وكان هذا آخر عمل عمله في حياته، وقد شيد غير هذا هو وخلفاؤه ورجال دولتهم قصوراً فخمة، ومساجد كثيرة، كانت تزيد المدينة في كل سنة جلالة وبهاء”. ا هـ
أولئك آبائي فجئني بمثلهـم
إذا جمعتنا يا جرير المجامع
لكن لا ينبغي لنا أن نقتصر على الافتخار بمجدهم، بل ينبغي لنا ويتحتم علينا أن نعمل بقول من قال:
لسنا وإن أحسابنا كرمت
يوماً على الأحســـاب نتكل
نبني كـمـا كـانـت أوائلـنـا
تبني ونفعل مثل مـــا فعلوا
فنسأل الله أن يوفقنا لإحياء ذلك المجد الشامخ، إنه على ذلك قدير.
مجلة دعوة الحق: العدد 5 – السنة 11 – محرم 1388 هـ – مارس-أبريل 1968م – ص: 61
مجلة الجامعة الإسلامية: العدد 3 – السنة 2 – محرم 1390 هـ – ص: 35