ليس عندي الآن من المراجع إلا كتاب الاستقصا، فسأنقل النبذة اليسيرة التي حكاها مؤلفه رحمه الله في هذا الموضوع وأشرحها بما ييسره الله تعالى من النقول والإيضاح.
قال المحقق أبو العباس أحمد الناصري في الجزء الثامن في صفحة 68 من تجزئة الطبعة الأخيرة ما نصه: “وكان السلطان محمد بن عبد الله رحمه الله ينهى عن قراءة كتب التوحيد المؤسسة على القواعد الكلامية المحررة على مذهب الأشعرية، وكان يحض الناس على مذهب السلف من الاكتفاء بالاعتقاد المأخوذ من ظاهر الكتاب والسنة بلا تأويل، وكان يقول عن نفسه حسبما صرح في آخر كتابه الموضوع في الأحاديث المخرجة عن الأئمة الأربعة أنه مالكي مذهبا حنبلي اعتقادا، يعني أنه لا يرى الخوض في علم الكلام على طريقة المتأخرين وله في ذلك أخبار ومجريات”.
قلت وهو مصيب أيضا في هذا، فقد ذكر الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله في كتابه الإحياء أن علم الكلام إنما هو بمنزلة الدواء لا يحتاج إليه إلا عند المرض، فكذلك علم الكلام لا يحتاج إليه إلا عند حدوث البدعة.
((توضيحات))
1- سيدي محمد بن عبد الله بن إسماعيل بويع سنة ألف ومائة وواحد وسبعين، وتوفي سنة ألف ومائتين وأربع، عالم سلفي وملك عبقري عظيم وغصن جليل من دوحة الدولة العلوية الكريمة، من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم. اجتمع فيه من المزايا ما تفرق فيمن سبقه من ملوك هذه الدولة وأكثر من جاء بعده، ومن شاء أن يعرف فضله ومناقبه فليرجع إلى تاريخ المغرب ولو لم يكن له إلا هذه المنقبة التي نذكرها هنا في هذا المقال لكانت كافية في بلوغه أوج المعالي.
2- قوله وكان السلطان سيدي محمد بن عبد الله رحمه الله ينهي عن قراءة كتب التوحيد المؤسسة على القواعد الكلامية المحررة على مذهب الأشعرية وكان يحض الناس على مذهب السلف بلا تأويل الخ.
اعلم أيها القارئ الكريم أن أهل المغرب كانوا على عقيدة السلف حتى جاء محمد المهدي ابن تومرت الذي بنيت الدولة الموحدية على مذهبه، فدعا الناس إلى ترك عقيدة السلف والتمسك بعقيدة المتأخرين الذين ينفون بعض صفات الله تعالى أو يتأولونها تأويلا باطلا، ونجح في دعوته فعم ظلام بدعة علم الكلام في جميع أرجاء المغرب وألف ما يسمى بست وستين عقيدة بالعربية للمتكلمين بها وبالبربرية للقبائل التي لا تحسن العربية، وشاع القول بأن من لا يعرف هذه العقيدة فهو مقلد في الاعتقاد، والراجح عندهم أنه كافر كما بين ذلك السنوسي في عقائده الثلاث وغيره. وبقي الناس على ذلك إلا من رحمهم الله تعالى حتى جاء الإمام الملك الهمام محمد بن عبد الله رحمه الله تعالى فأنكر هذه العقيدة وهي تدرس في كل مدرسة وكل مسجد، ولم يكن أحد في زمانه يتجرأ على إنكارها. وما أشار إليه مؤلف كتاب الاستقصا من أن أولئك العلماء الذين انتخبهم السلطان محمد بن عبد الله كانوا يساعدونه ويؤلفون له الكتب، يحتاج إلى بيان فإنهم لم يكونوا يعلمونه شيئا يجهله ولم يكونوا أساتذته في هذه المنقبة بل كانوا تلاميذه وكتابا له، لم يقم بهذا الإصلاح قبله أحد في زمانه وقبله بمئات السنين لا هم ولا غيرهم.
3- أما ذم أئمة السلف لعلم الكلام الذي في السنوسيات ونظم ابن عاشر والجوهرة وإضاءة الدجنة وبدء الأمالي وغيرها من كتب علم الكلام التي تدرس اليوم بالمشرق والمغرب، فحدث عن البحر ولا حرج، وقد ذكر الإمام الحافظ أبو عمر يوسف بن عبد البر النمري في كتابه جامع بيان العلم وفضله في الجزء الثاني من صفحة 92 إلى صفحة 99 أخبارا كثيرة رواها بأسانيده عن السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين. ومنها ما هو مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم اقتصر على نقل قليل منها خوفا من الإطالة. قال أبو عمر: أجمع أهل الفقه والآثار من جميع الأمصار أن أهل الكلام أهل بدع وزيغ ولا يعدون عند الجميع في جميع الأمصار في طبقات العلماء، وإنما العلماء أهل الأثر والتفقه فيه ويتفاضلون فيه بالإتقان والميز والفهم، ثم روى بسنده المتصل إلى محمد بن أحمد ابن إسحاق بن خويزمنداد المالكي أنه قال في كتاب الإجارات من كتابه في الخلاف، قال مالك: لا تجوز الإجارات في شيء من كتب الأهواء والبدع والتنجيم وذكر كتبا ثم قال، وكتب أهل الأهواء والبدع عند أصحابنا هي كتب أصحاب الكلام من المعتزلة وغيرهم وتفسخ الإجارة في ذلك، قال وكذلك كتب القضاء بالنجوم وعزائم الجن وما أشبه ذلك. وقال في كتاب الشهادات في تأويل قول مالك لا تجوز شهادة أهل البدع وأهل الأهواء، قال أهل الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل الكلام فكل متكلم فهو من أهل الأهواء والبدع أشعريا كان أم غير أشعري، ولا تقبل له شهادة في الإسلام أبدا، ويهجر ويؤدب على بدعته، فان تمادى عليها استتيب منها، قال أبو عمر ليس في الاعتقاد كله في صفات الله وأسمائه إلا ما جاء منصوصا في كتاب الله أو صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أجمعت عليه الأمة وما جاء من أخبار الآحاد في ذلك كله أو نحوه يسلم له ولا يناظر فيه، ثم روى بسنده إلى الأوزاعي قال كان مكحول والزهري يقولان أمروا هذه الأحاديث كما جاءت.
وقد روينا عن مالك بن أنس والأوزاعي وسفيان ابن عيينة ومعمر بن راشد في الأحاديث في الصفات أنهم كلهم قالوا أمروها كما جاءت نحو حديث التنزل وحديث أن الله خلق آدم على صورته وأنه يدخل قدمه في جهنم، وما كان مثل هذه الأحاديث، وقد شرحنا القول في هذا الباب من جهة النظر والأثر وبسطناه في كتاب التمهيد عند ذكر حديث التنزل، فمن أراد الوقوف عليه تأمله وبالله التوفيق، ثم روى بسنده إلى الحسن يعني (البصري) أنه كان يقول لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم ولا تسمعوا منهم، ثم روى بسنده إلى سعيد بن جبير أنه قال ما لم يعرفه البدريون فليس من الدين (المراد بالبدريين أهل غزوة بدر الذين شهدوها مع النبي صلى الله عليه وسلم وعددهم ثلاثمائة وبضعة عشر، وكانت في السنة الثانية للهجرة) ثم قال جعفر بن محمد: الناظر في القدر كالناظر في عين الشمس كلما ازداد نظرا ازداد حيرة (أقول جعفر هذا هو جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي وفاطمة رضوان الله عليهم) قال أبو عمر رواها (يعني أحاديث الصفات) السلف وسكتوا عنها وهم كانوا أعمق الناس علما وأوسعهم فهما وأقلهم تكلفا ولم يكن سكوتهم عن عي وهم كانوا أعمق الناس علما وأوسعهم فهما، فمن لم يسعه ما وسعهم فقد خاب وخسر. ثم روى بسنده عن أبي أمامة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ضل قوم بعد هدي إلا لقنوا الجدل، ثم قال (ما ضربوه لك إلا جدلا، بل هم قوم خصمون) وتناظر القوم وتجادلوا في الفقه ونهوا عن الجدال في الاعتقاد لأنه يؤول إلى الانسلاخ من الدين.
ألا ترى مناظرة بشر في قوله جل وعز (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم) حين قال هو بذاته في كل مكان، فقال له خصمه هو في قلنسوتك وفي حشك وفي جوف حمار تعالى الله عما يقولون، حكى ذلك وكيع رحمه الله وأنا والله أكره أن أحكي كلامهم قبحهم الله، فمن هذا وشبهه نهى العلماء وقال الحافظ بن عبد البر قال يونس بن عبد الأعلى سمعت الشافعي يوم ناظره حفص الفرد قال لي: يا أبا موسى لأن يلقى الله عز وجل العبد بكل ذنب ما خلا الشرك خير من أن يلقاه بشيء من الكلام، لقد سمعت من حفص كلاما لا أقدر أن أحكيه، وقال أحمد بن حنبل رحمه الله أنه لا يفلح صاحب كلام أبدا ولا تكاد ترى أحدا نظر في الكلام إلا وفي قلبه دغل اهـ.
و بما نقلته هنا يظهر جليا أن الإمام محمد بن عبد الله العلوي ناقد بصير بذل جهده أثابه الله رضوانه ليخرج الناس من ظلمات علم الكلام الذي شاع في المغرب، لكن من سوء الحظ أنه لم يستجب لدعوته إلا القليل، ولكن الذي يبشرنا بإزالة هذه الظلمات وطلوع شمس الاعتقاد الصحيح ورد الناس إلى ما كانوا عليه في الزمان الأول، أن جلالة الملك المعظم أبا محمد الحسن الثاني أيده الله بنصره وبالمؤمنين شرع في تجديد هذه الدعوة المباركة بإحيائه درة ثمينة من كنوز العلم والمعرفة والعقيدة الصحيحة ألا وهي طبعه لكتاب التمهيد للحافظ أبي عمر بن عبد البر، الذي قال الحافظ عماد الدين بن كثير صاحب التفسير المشهور وغيره من الكتب النفيسة، قال في أبي عمر أنه حافظ المغرب. ذكر ذلك في تفسير قوله تعالى (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) من تفسير سورة البقرة. فإن قيل أنك ادعيت أن كتب العقائد المنتشرة في المغرب كالسنوسيات وقسم من بن عاشر والجوهرة وغيرها كتب بدع وضلالات فأقم لنا الدليل على ذلك لتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون على ذلك من الشاهدين، فالجواب حبا وكرامة. ومن المعلوم أن هذا المقال لا يتسع لسرد البراهين ونقل كلام الأئمة، فاقتصر على ذكر نبذ يسيرة مما يتسع له المقال وأرجو أن أردفه بمقالات في هذا الموضوع، وأول ما أبدا به كلام حافظ المغرب أبو عمر يوسف بن عبد البر في كتاب التمهيد وهو الكلام الذي أشار إليه فيما نقلته عنه من كتاب (جامع بيان العلم وفضله) قال الحافظ شمس الدين بن القيم في كتابه (الجيوش الإسلامية في غزو المعطلة والجهمية) ما نصه، قول الإمام الحافظ ابن عمر بن عبد البر إمام السنة في زمانه رحمه الله، قال في كتاب التمهيد في شرح الحديث الثامن لابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال ينزل ربنا في كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير، فيقول من يدعوني فاستجب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فاغفر له، هذا الحديث ثابت من جهة النقل صحيح الإسناد لا يختلف أهل الحديث في صحته، وفيه دليل على أن الله عز وجل في السماء على العرش من فوق سبع سموات كما قالت الجماعة وهو حجتهم على المعتزلة والجهمية في قولهم أن الله في كل مكان وليس على العرش، والدليل على صحة ما قال أهل الحق في ذلك قوله تعالى (الرحمان على العرش استوى) وقوله تعالى (ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون) وقوله تعالى (ثم استوى إلى السماء وهي دخان) وقوله تعالى (إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا) وقوله تبارك اسمه (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) وقوله تعالى (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا) وقوله تعالى (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض) وقال تعالى (سبح اسم ربك الأعلى)، وهذا من العلو وكذلك قوله تعالى (العلي العظيم) و(الكبير المتعال) و(رفيع الدرجات ذو العرش) و(يخافون ربهم من فوقهم)، والجهمى يقول أنه أسفل، وقوله تعالى (يدبر الامر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه) (والذين عند ربك يسبحون له)، وقوله (تعرج الملائكة والروح إليه)، والعروج هو الصعود، وأما قوله (إني متوفي ورافعك إلي) وقوله تعالى (بل رفعه الله إليه) و(ليس له دافع من الله ذي المعارج تعرج الملائكة والروح إليه) وأما قوله (أأمنتم من في السماء) فمعناه من على السماء يعني العرش وقد تكون في بمعنى على ألا ترى إلى قوله تعالى (فسيحوا في الأرض) أي على الأرض وكذلك قوله تعالى (ولأصلبنكم في جذوع النخل) وهذا كله يعضده قوله تعالى (تعرج الملائكة والروح إليه). وما كان مثله مما تلونا من الآيات في هذا الباب وهذه الآيات كلها واضحات في إبطال قول المعتزلة، وأما ادعاؤهم المجاز في الاستواء وقولهم في تأويل استوى استولى فلا معنى له لأنه غير ظاهر في اللغة، ومعنى الاستيلاء في اللغة المغالبة والله تعالى لا يغالبه أحد وهو الواحد الصمد، ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته حتى تتفق الأمة أنه أريد به المجاز، إذ لا سبيل إلى اتباع ما أنزل إلينا من ربنا تعالى إلا على ذلك. وإنما يوجه كلام الله تعالى على الأشهر والأظهر من وجوهه ما لم يمنع من ذلك ما يجب له التسليم، ولو ساغ اتباع المجاز لكل مدع ما ثبت شيء من العبادات، وجل الله أن يخاطب إلا بما تفهمه العرب من معهودات ومخاطباتها مما يصح معناه عند السامعين. والاستواء معلوم في اللغة مفهوم وهو العلو والارتفاع على الشيء والاستقرار والتمكن فيه، قال أبو عبيدة في قوله تعالى (الرحمان على العرش استوى)، قال علا، قال وتقول العرب استويت فوق الدابة استويت فوق البيت، وقال غيره استوى استقر، واحتج بقوله تعالى (ولما بلغ أشده واستوى) انتهى شبابه استقر فلم يكن في شبابه مزيد، قال ابن عبد البر: الاستواء الاستقرار في العلو، وبهذا خاطبنا الله تعالى في كتابه المكنون فقال (لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه)، وقال تعالى (واستوت على الجودي)، وقال تعالى (فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك)، وقال الشاعر:
فأوردتهم ماء بفيفاء قفرة *** وقد حلق النجم اليماني فاستوى
و هذا لا يجوز أن يتأول فيه أحد استولى لأن النجم لا يستولي، وقد ذكر النضر بن شميل وكان ثقة مأمونا جليلا في علم الديانة واللغة، قال حدثني الخليل وحسبك بالخليل قال أتيت أبا ربيعة الأعرابي وكان من أعلم ما رأيت فإذا هو على سطح فسلمنا فرد السلام وقال استووا فبقينا متحيرين ولم ندر ما قال، فقال لنا أعرابي إلى جانبه إنه أمركم أن ترتفعوا فقال الخليل هو من قول الله تعالى (ثم استوى إلى السماء وهي دخان)، فصعدنا إليه. قال وأما من نازع منهم بحديث يرويه عبد الله بن داود الواسطي عن إبراهيم بن عبد الصمد عن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن بن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى (الرحمان على العرش استوى) قال استوى على جميع بريته فلا يخلو منه مكان، فالجواب أن هذا حديث منكر على بن عباس رضي الله عنهما ونقلته مجهولة وضعفاء، فأما عبد الله ابن داود الواسطي وعبد الوهاب بن مجاهد فضعيفان وإبراهيم بن عبد الصمد مجهول لا يعرف، وهم لا يقبلون أخبار الآحاد العدول فكيف يسوغ لهم الاحتجاج بمثل هذا الحديث لو عقلوا وأنصفوا، أما سمعوا الله تعالى حيث يقول (وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا) فدل على أن موسى عليه الصلاة والسلام كان يقول إلاهي في السماء وفرعون يظنه كاذبا، وقال الشاعر.
فسبحان من لا يقدر الخلق قدره *** ومن هو فوق العرش فرد موحد
مليك على عرش السماء مهيمن *** لعزته تعنو الوجوه وتسجد
وهذا الشعر لأمية بن أبي الصلت وفيه يقول في وصف الملائكة:
وساجدهم لا يرفع الدهر رأسه *** يعظم ربا فوقه ويمجد
قال فان احتجوا بقوله تعالى (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله) ويقول تعالى (وهو الله في السموات وفي الأرض) وبقوله تعالى (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) وزعموا أن الله سبحانه في كل مكان بنفسه وذاته تبارك وتعالى جده، قيل لا خلاف بيننا وبينكم وسائر الأمم أنه ليس في الأرض دون السماء بذاته، فوجب حمل الآيات على المعنى الصحيح المجمع عليه، وذلك أنه في السماء إله معبود من أهل الأرض، وكذا قال أهل العلم بالتفسير. وظاهر هذا التنزيل يشهد أنه على العرش. فالاختلاف في ذلك ساقط وأسعد الناس به من ساعده الظاهر، وأما قوله في الآية الأخرى (وفي الأرض إله) فالاجتماع والاتفاق قد بينا أن المراد أنه معبود من أهل الأرض، فتدبر هذا فإنه قاطع. ومن الحجج أيضا في أنه عز وجل على العرش فوق السماوات السبع أن الموحدين أجمعين من العرب والعجم إذا أكبرهم أمر ونزلت بهم شدة رفعوا وجوههم إلى السماء ونصبوا أيديهم رافعين مشيرين بها إلى السماء يستغيثون الله ربهم تبارك وتعالى، وهذا أشهر وأعرف عند الخاصة والعامة من أن يحتاج فيه إلى أكثر من حكايته لأنه اضطراري لا يوافقهم(1) عليه أحد ولا أنكره عليهم مسلم. وقد قال صلى الله عليه وسلم للأمة التي أراد مولاها عتقها أن كانت مؤمنة فاختبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن قال لها أين الله فأشارت إلى السماء ثم قال لها من أنا قالت أنت رسول الله، قال أعتقها فإنها مؤمنة، فاكتفى رسول الله صلى الله عليه وسلم منها برفع رأسها إلى السماء واستغنى بذلك عما سواه، قال وأما احتجاجهم بقوله تعالى (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم) فلا حجة لهم في ظاهر هذه الآية لأن علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم التأويل في القران قالوا في تأويل هذه الآية هو على العرش وعلمه في كل مكان وما خالفهم في ذلك أحد يحتج به، وذكر سنيد عن مقاتل بن حيان عن الضحاك بن مزاحم في قوله تعالى (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم)، قال هو على عرشه وعلمه معهم أينما كانوا، قال وبلغني عن سفيان الثوري مثله، قال سنيد حدثنا حماد بن زيد عن عاصم ابن بهدلة عن زر بن حبيس عن بن مسعود رضي الله عنه قال الله فوق العرش وعلمه في كل مكان لا يخفى عليه شيء من أعمالكم.
(1) اضطرار كذا في الأصل وفيه اضطراب فلعله فيه تحريف.
((عقيدة بن أبي زيد القيرواني صاحب الرسالة))
قال الحافظ بن القيم في الكتاب المذكور ذكر قول الإمام مالك الصغير أبي محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني. ثم ذكر عقيدته في الرسالة وهي مشهورة. ثم قال بن القيم وذكر أي بن أبي زيد في كتابه المفرد في السنة تقرير العلو واستواء الرب تعالى على عرشه بذاته أتم تقرير فقال: له فصل فيما اجتمعت عليه الأمة من أمور الديانة في السنن التي خلا فيها بدعة وضلالة أن الله سبحانه له الأسماء الحسنى والصفات العلى، وذكر صفات الله تعالى التي أثبتها لنفسه وأثبتها له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومضى إلى أن قال: وأن يديه مبسوطتان والأرض جميعا قبضته يوم القيامة، والسموات مطويات بيمينه، وأن يديه غير نعمته في ذلك وفي قوله تعالى (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) وأنه يجيء يوم القيامة بعد أن لم يكن جائيا والملك صفا صفا لعرض الأمم وحسابها وعقابها وثوابها، فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، وأنه يرضى ويحب الثوابين ويسخط على من كفر به ويغضب فلا يقوم شيء لغضبه، وأنه فوق سمواته على عرشه دون أرضه، وأنه في كل مكان بعلمه. ومضى في ذكر عقائد أهل السنة إلى أن قال: وكل ما قدمناه فهو قول أهل السنة وأئمة الناس في الفقه والحديث وكله قول مالك فمنه منصوص من قوله ومنه معلوم من مذهبه، ثم قال بن القيم في الكتاب المذكور: وقال يعني ابن أبي زيد القيرواني في مختصر المدونة وأنه تعالى فوق عرشه بذاته فوق سبع سمواته دون أرضه رضي الله عنه ما كان أصلبه في السنة وأقومه بها.
قال محمد تقي الدين: فان قلت أليس مؤلفو كتب الأشعرية المتأخرون الذين طعنت في عقائدهم قد أخذوا عقائدهم عن الإمام الأشعري وهو علم من أعلام السنة، فالجواب أن أبا الحسن الأشعري رحمه الله برئ منهم براءة الذئب من دم يعقوب، فإنه رحمه الله ذكر عقيدته التي هي عقيدة جميع أهل السنة في كتابه “مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين” وهو مطبوع موجود في الأسواق وذكر عقيدته أيضا في كتابه “الإبانة في أصول الديانة” وهو مطبوع كذلك في حيدر أباد الهند، وذكر الحافظ بن عساكر عقيدة الإمام أبي الحسن الأشعري في كتابه “تبين كذب المفترى فيما نسب إلى فن أبي الحسن الاشعري” فهذه الكتب الثلاثة تبرئ أبا الحسن الأشعري من عقيدة الجهمية التي نسبها إليه المتأخرون كذبا وافتراء. وينبغي أن يعلم أن هذا الإمام مرت عليه ثلاثة أطوار كان في أول أمره معتزليا ثم صار كلابيا، ثم انتقل إلى عقيدة السلف وألف ما تقدم فلا يحل لأحد أن ينسب إليه شيئا من العقائد التي تاب منها ورجع عنها. وسأنقل هنا نبذة يسيرة من كلام الإمام رحمه الله تعالى، قال الإمام أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري المتوفى سنة 330 من الهجرة في الكتاب المذكور أعلاه صفحة 320 طبعة مكتبة النهضة المصرية سنة 1369 ما نصه: (حكاية جملة قول أصحاب الحديث والسنة الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله وما جاء من عند الله وما رواه الثقاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يردون من ذلك شيئا وأن الله سبحانه إله واحد فرد صمد ثم مضى في ذكر صفات الله تعالى إلى أن قال وأن الله سبحانه على عرشه كما قال (الرحمان على العرش استوى) وأن له يدين بلا كيف كما قال (خلقت بيدي) وكما قال (بل يداه مبسوطتان) وأن له عينين بلا كيف وكما قال (تجري بأعيننا) وأن له وجها كما قال (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) ومضى إلى أن قال ويقولون أن القرءان كلام الله غير مخلوق والكلام في الوقف واللفظ من قال باللفظ أو بالوقف فهو مبتدع عندهم لا يقال اللفظ بالقرءان مخلوق ولا يقال غير مخلوق، ويقولون أن الله سبحانه يرى بالأبصار يوم القيامة كما يرى القمر ليلة البدر يراه المؤمنون ولا يراه الكافرون لأنهم عن الله محجوبون، قال الله عز وجل (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) ومضى إلى أن قال: ويصدقون بالأحاديث التي جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الله سبحانه ينزل إلى السماء الدنيا فيقول هل من مستغفر كما جاء في الحديث ويأخذون بالكتاب والسنة كما قال الله تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول).
و يرون اتباع من سلف من أئمة الدين وألا يبتدعوا في دينهم ما لم يأذن به الله ويقرون أن الله يجيء يوم القيامة كما قال (وجاء ربك والملك صفا صفا) وأن الله يقرب من خلقه كيف يشاء كما قال (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) ويرون العيد والجمعة خلف كل إمام بر وفاجر ومضى إلى أن قال في آخر المقال ولكل ما ذكرنا من قولهم نقول وإليه نذهب وما توفيقنا إلا بالله وهو حسبنا ونعم الوكيل وبه نستعين وعليه نتوكل وإليه المصير. انتهى.
قال محمد تقي الدين الهلالي فقد تبين ووضح وضوح الشمس في الضحى أن السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين من أصحاب مالك وغيرهم يمرون آيات الصفات وأحاديثها على ما تفهم العرب في كلامها على ظواهرها من غير تحريف ولا تأويل ولا تشبيه ولا تمثيل، وعلمت أن الإمام محمد بن عبد الله بن إسماعيل العلوي رحمه الله تصدى لإصلاح عظيم وهو إصلاح العقيدة التي ينبني عليها دين المؤمن وسائر أعماله وأن خلفه جلالة الملك الحسن الثاني أيده الله بروح من عنده ينسج على منواله، ونرجو أن يوفقه الله تعالى لإتمام هذا الإصلاح، وما ذلك على همته العالية بعزيز، وقال الإمام أبو محمد عبد الله بن يوسف الجويني والد إمام الحرمين المتوفى في سنة 438 هـ في رسالته الموسومة برسالة إثبات الاستواء والفوقية ومسألة الحرف والصوت وتنزيه الباري عن الحصر والتمثيل والكيفية ما نصه: اعلموا أيدكم الله ووفقكم لطاعته أنني كنت برهة من الدهر متحيرا في ثلاث مسائل، مسألة الصفات ومسألة الفوقية ومسألة الحرف والصوت في القران المجيد، وكنت متحيرا في الأقوال المختلفة الموجودة في كتب أهل العصر في جميع ذلك من تأويل الصفات وتحريفها أو إمرارها والوقوف فيها أو إثباتها بلا تأويل ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل فأجد النصوص في كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ناطقة منبئة بحقائق هذه الصفات، وكذلك في إثبات العلو والفوقية وكذلك في الحرف والصوت ثم أجد المتأخرين من المتكلمين في كتبهم منهم من يؤول الاستواء بالقهر والاستيلاء، ويؤول القدم بقدم صدق عند ربهم، ويؤول النزول بنزول الأمر، ويؤول اليدين بالقدرتين أو النعمتين وأمثال ذلك. ثم أجدهم مع ذلك يجعلون كلام الله تعالى معنى قائما بالذات بلا حرف ولا صوت ويجعلون هذه الحروف عبارة عن ذلك المعنى القائم. وممن ذهب إلى هذه الأقوال أو بعضها قوم لهم في صدري منزلة مثل طائفة من فقهاء الأشعرية الشافعيين لأني على مذهب الشافعي رضي الله عنه، عرفت فرائض ديني وأحكامه فأجد مثل هؤلاء الشيوخ الأجلة يذهبون إلى مثل هذه الأقوال وهم شيوخي ولي فيهم الاعتقاد التام، لفضلهم وعلمهم، ثم أنني مع ذلك أجد في قلبي من هذه التأويلات حزازات لا يطمئن قلبي إليها وأجد الكدر والظلمة منها، وأجد ضيق الصدر وعدم انشراحه مقرونا بها فكنت كالمتحير المضطرب في تحيره المتململ من قلبه في تقلبه وتغيره وكنت أخاف من إطلاق القول بإثبات العلو والاستواء والنزول مخافة الحصر والتشبيه، ومع ذلك فإذا طالعت النصوص الواردة في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أجدها نصوصا تشير إلى حقائق هذه المعاني وأجد الرسول صلى الله عليه وسلم قد صرح بها مخبرا عن ربه واصفا له بها وأعلم بالاضطرار أنه صلى الله عليه وسلم كان يحضر في مجلسه الشريف والعالم والجاهل والذكي والبليد والأعرابي والجافي، ثم لا أجد شيئا يعقب تلك النصوص التي كان يصف ربه بها لا نصا ولا ظاهرا مما يصرفها عن حقائقها ويؤولها كما تؤولها هؤلاء مشايخي الفقهاء المتكلمين مثل تأويلهم الاستواء بالاستيلاء والنزول بنزول الأمر وغير ذلك، ولم أجد عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يحذر الناس من الإيمان بما يظهر من كلامه في صفته لله من الفوقية واليدين وغيرها، ولم ينقل عنه مقالة تدل على أن لهذه الصفات صفات أخر باطنة غير ما يظهر من مدلولها مثل فوقية القهرية ويد القدرة والنعمة وغير ذلك وأجد الله عز وجل يقول: (الرحمان على العرش استوى) (خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش) (يخافون ربهم من فوقهم) (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض) (أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا) (قل نزله روح القدس من ربك) (وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب، أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا) وهذا يدل على أن موسى أخبره بأن ربه تعالى فوق السماء، ولهذا قال وإني لأظنه كاذبا، وقوله تعالى (ذي المعارج تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) ثم أجد الرسول صلى الله عليه وسلم لما أراد الله أن يخصه بقربه عرج به من سماء إلى سماء حتى كان قاب قوسين أو أدنى ثم قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح للجارية (أين الله فقلت في السماء) فلم ينكر عليها بحضرة أصحابه، وقال أعتقها فإنها مؤمنة. وفي حديث جبير بن مطعم قال النبي صلى الله عليه وسلم الله فوق عرشه فوق سمواته وسمواته فوق أرضه مثل القبة وأشار النبي الله صلى الله عليه وسلم بيده مثل القبة، وقوله صلى الله عليه وسلم (الراحمون يرحمهم الرحمان، ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء) أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح، وعن أبي الدرداء قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من اشتكى منكم شيئا أو اشتكى أخ له فليقل ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض كما رحمتك في السماء اغفر لنا حوبنا وخطايانا أنت رب الطيبين أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على الوجع فيبرأ) أخرجه أبو داود.
وعن أبي سعيد الخدري قال بعث علي من اليمن بذهيبة في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أربعة زيد الخير والأقرع ابن حابس وعيينة بن حصن وعلقمة بن علاثة أو عامر بن الطفيل شك عمارة فوجد من ذلك بعض الصحابة من الأنصار وغيرهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر من في السماء صباحا مساء) أخرجه البخاري ومسلم، ثم ذكر حديث أبي هريرة الذي رواه الإمام أحمد والحاكم وقال على شرطهما، وفيه صفة قبض روح المؤمن وأن الملائكة يصعدون بها من سماء إلى سماء حتى تنتهي إلى التي فيها الله عز وجل، ثم ذكر حديث البخاري ومسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها)، وسرد أحاديث أخرى لا يتسع المقام لذكرها إلى أن قال ومن عرف هيئة العالم ومركزه من علم الهيئة وأنه ليس له إلا جهتا العلو والسفل ثم اعتقد بينونة خالقه عن العالم فمن لوازم البينونة أن يكون فوقه لأن جميع جهات العالم فوق وليس السفل إلا المركز وهو الوسط، ومضى في تقرير ما تقدم توضيحه إلى أن قال وأما مسألة الحرف والصوت فتساق هذا المساق فإن الله تعالى قد تكلم بالقرآن المجيد وبجميع حروفه فقال تعالى (ألم) وقال (ألمص) وقال (ق والقران المجيد) وكذلك جاء في الحديث فينادي يوم القيامة بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب، وفي الحديث لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف لام حرف ميم حرف فهؤلاء ما فهموا من كلام الله تعالى إلا ما فهموه من كلام المخلوقين فقالوا إن قلنا بالحروف فذلك يؤدي إلى القول بالجوارح واللهوات وكذلك إذا قلنا بالصوت أدى ذلك إلى الحلق والحنجرة عملوا في هذا من التخبط كما عملوا فيما تقدم من الصفات، والتحقيق هو أن الله تعالى قد تكلم بالحروف كما يليق لجلاله وعظمته فإنه قادر والقادر لا يحتاج إلى جوارح ولا إلى لهوات، وكذلك له صوت كما يليق به يسمع ولا يفتقر ذلك الصوت المقدس إلى الحلق والحنجرة. كلام الله تعالى كما يليق به ثم قال فإن قيل فهذا الذي يقرأه القارئ هو عين قراءة الله تعالى وعين تكلمه هو قلنا لا بل القارئ يؤدي كلام الله تعالى والكلام إنما ينسب إلى من قاله مبتدئا لا إلى من قاله مؤديا مبلغا ولفظ القارئ في غير القرءان مخلوق وفي القرءان لا يتميز اللفظ المؤدي عن الكلام المؤدى عنه، ولهذا منع السلف عن قول لفظي بالقرءان مخلوق لأنه لا يتميز كما منعوا عن قول لفظي بالقرءان غير مخلوق فإن لفظ العبد في غير التلاوة مخلوق وفي التلاوة مسكوت عنه كيلا يؤدي الكلام في ذلك إلى القول بخلق القرءان وما أمر السلف بالسكوت عنه يجب السكوت عنه والله الموفق.
قال محمد تقي الدين قوله ولهذا منع السلف عن قول لفظي بالقرءان مخلوق لأنه لا يتميز. رب مشاغب يقول كيف لا يتميز كلام الخالق من كلام المخلوق، أليس هذا هو التشبيه الذي فررتم منه أو اتحاد الكلامين، فالجواب أن الكلام ينسب إلى قائله الأول كما أشار إليه الشيخ فيما تقدم، فما تقول أيها المشاغب في قوله تعالى في سورة التوبة (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه) وهذا المستجير إنما يسمع كلام الله من لسان النبي صلى الله عليه وسلم لا من الله تعالى ومن ذلك سماه الله كلامه، فالقرءان كلام الله إذا تكلم الله به أو تكلم به رسوله صلى الله عليه وسلم أو غيره من القراء هو في ذلك كله كلام الله واللفظية المبتدعون ينكرون ذلك وهم محجوجون بهذه الآية وغيرها من الحجج المتقدمة، وكان بودي أن أوضح مواضع أخرى مما نقلته لكني رأيت أن هذا المقال قد طال، وأختمه بأن أتضرع إلى الله تعالى متوسلا إليه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا وبمحبتنا لنبيه الكريم واتباعنا له، أن يطيل عمر مليكنا الهمام أبي محمد الحسن الثاني وولي عهده سيدي محمد ويبارك فيه وفي ذريته وأهل بيته ويوفقه لبناء صروح المعالي ويحرصه بعينه التي لا تنام من كيد الكائدين ومكر الماكرين إنه سميع مجيب.
و صلى الله على خير خلقه محمد وآله الطيبين وصحبته الأكرمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المدينة المنورة: د محمد تقي الدين الهلالي
مجلة دعوة الحق – السنة السادسة عشرة – العدد الرابع والخامس، صفر 1394 هـ – مارس 1974 م ص: 67-73