بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي رفع الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات، وجعل من خصائص الشعوب العالمة النور والسعادة والغبطة والحياة. وقرن أهل الجهل بالموت والشقاء واراهم أعمالهم عليهم حسرات. وجعل الحرمان والخيبة نصيبهم في الحياة وبعد الممات. فهم كالانعام المسخرات بل هم أسوأ مقيلا. ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا. والصلاة والسلام على من بعثه الله معلما للخلق وداعيا لهم إلى سبيل الحق. وعلى آله وأصحابه الذين كان أحدهم يسافر في المسألة الواحدة مسيرة شهر فيرجع وهو بها من المغتبطين. فنالوا بذلك في الدنيا حياة طيبة وكانوا في الآخرة من الفائزين، وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد فإن الأمم كبارها وصغارها قطعت في ميدان العلوم والأعمال أشواطا بعيدة ولا تزال جادة مجتهدة كادة كادحة لا تعرف الكلل ولا الملل. إلا هذه الأمة المغربية -من حدود برقة إلى حدود سينكال- التاعسة البائسة فقد منعها سوء الطالع وقرين السوء فرنسة من المشاركة في نور العلم والحياة فبقيت في ظلمات كثيفة بعضها فوق بعض.
وضرب بينها وبين العلم والنور سور ليس له باب، في ظاهره الرحمة والنعمة وفي باطنه العذاب. فمن أفلت منهم على سبيل المصادفة في غفلة الحرس وخرج إلى العالم وتعلم من علومه شيئا تبين له حينئذ ما تقاسيه أمته وعرف الدرك الأسفل الذي هي فيه والعذاب المهين الذي تعانيه بجهلها فتقطعت نفسه حسرات. وود لو أتيح له كسر قيودها وتحطيم أغلالها وتنوير ظلمتها وإحياء مواتها وبل غليلها وارواء ظمأها من معين العلم لتشفى من دائها وتقال من عثرتها وتخرج من سجنها وتنعم بالسعادة وتتذوق حلاوة الحياة فلا يجد إلى ذلك سبيلا إذ تعوزه الوسائل وتقف في وجهه العقاب الكؤد والحواجر العظام ويجد في داخل أمته وخارجها أعداء يبذلون كل قواهم لتحطيمه ومنعه من مراده؛ لان تعليم الأمة يفيت عليهم مرادهم إلا قليلا وأغلبهم ضعفاء لیس بيدهم حول ولا طول. فإن جعل نفسه هدفا لسهام هؤلاء الأعداء فلا يخفي ما يلاقيه من العناء الذي قد يفضي به إلى التلف. وإن أخذ يداجي ويحابي فشل وذهبت ريحه وتلاشت دعوته. وما أجدره أن يستعين بالله ويمضي في طريقه. مقتديا في ذلك بخير الدعاة وسيد المجاهدين محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما أن يبلغ مأموله أو يهلك في طريقه فيكون قد سهل السبيل إلى من يأتي بعده من المصلحين، ومدينة رومة لم تبن في يوم واحد كما يقول الأوربيون. وحسبه أنه أدى ما عليه وذهب إلى ربه بريئا من وصمة الخيانة والغش لأمته.
ومن أجل ذلك عزمنا على إصدار مجلة باسم نابغة الأندلس والمغرب في القرن الثامن أبي عبد الله لسان الدين محمد بن الخطيب السلماني الغرناطي ثم اللوشي ثم القرطبي المتوفى قتيلا بمدينة فاس على يد مجرمي غرناطة المتسمين بالمسلمين وإن كان هؤلاء المجرمون هم الطبقة العليا في الدولة النصيرية في ذلك الزمان. وقد سبقنا إلى إحياء ذكرى الأديب المقري صاحب نفح الطيب وأزهار الرياض وهو لعمري في نبوغه العلمي وأدبه جدير أن يكون قدوة لأبناء هذه العدوة. وسترى ترجمته في موضع آخر من هذه المجلة إن شاء الله.
ولنا وطيد الأمل بعد الله تعالى في الأمة العربية الكريمة الكبرى من حدود بلوجستان شرقا إلى حدود سينكال غربا، في علمائها وأمرائها وفقرائها وضعفائها ثم في أغنيائها أن يعضدوا هذا المشروع الإنساني العربي كل بما يستطيعه. ونحن نقدم جزيل الشكر لكل من ضرب بسهم في إخراج هذا المشروع من حيز الفكر إلى حيز العمل.
و نسأله تعالى متوسلين إليه بمحبة نبيه واتباعه أن يسدد خطانا ويبلغنا فوق ما نتمناه لأمتنا ولأنفسنا إنه سميع مجيب.
رئيس التحرير
مجلة لسان الدين: الجزء 1، السنة 1، شعبان 1365 / يوليو 1946. ص: 3
جميل جدا،اعادة نشر ما كتب على يد العلامة الهلالي،أنا من حفذة الحاج محمد بنفريحة،سمعت كثيرا عن المجلة لكني لم أعثر عن أية نسخة،أظن أن الحاج محمد بنفريحة كان من بين مؤسسي المجلة أرجو الإفادة منكم،و سلامي للجميع أفراد أسرة الهلالي و خصوصا خالتي ميمونة