قال المقري في أزهار الرياض ج 1 ص 186:
ولابد أن نلم بنبذة من أخبار ابن الخطيب السلماني الوزير؛ إذ هو لسان الدين، وفخر الإسلام بالأندلس في عصره. فنقول: هو محمد بن عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن سعيد بن علي بن أحمد السلماني، قرطبي الأصل ثم لوشيه (1) يكني أبا عبد الله ويلقب من الألقاب المشرفة بلسان الدين الوزير الشهير الطائر الصيت، المثل المضروب في الكتابة والشعر والمعرفة بالعلوم على اختلاف أنواعها. تم نقل المقري عن ابن الأحمر في كتاب فرائد الجمان مدحا عظيما له ولسلفه وآبائه. وصفهم بالعلم والصلاح والرئاسة كالوزارة وغيرها من المناصب المالية. ثم قال وكان بيتهم يعرف في القديم ببني الوزير ثم في الحديث بني الخطيب. وسعيد جده الأعلى أول من تلقب بالخطيب. وكان من أهل العلم والدين والخير وكذلك سعيد جده الأقرب كان على خلال حميدة وكان صدرا في العلوم متفننا فيها. وأبوه عبد الله كان من أهل العلم والأدب والطب. وقرأ على أبي الحسن البلوطي. وأبي جعفر ابن الوزير وغيرهما. وتوفي بطريف عام واحد وأربعين وسبعمائة شهيدا يوم الاثنين السابع من جمادی الأولى، ثابت الجأش شكر الله سعيه. قال ابنه لسان الدين صاحب الترجمة: انشدت والدي أبياتا من شعري. فسر وتهلل، وارتجل رحمه الله:
الطب والشعر والكتابة *** سماتنا في بني النجابه
هي ثلاثة مبلغات *** مراتبا بعضها الحجابه
نشأته
ونشأ لسان الدين على حالة حسنة سالكا سنن أسلافه فقرأ القرآن حفظا ثم تجويدا على الأستاذ الصالح العواد ثم قرأه على أستاذ الجماعة أبي الحسن القيجاطي. وعليه قرأ العربية. وقرأ على الخطيب أبي القاسم ابن جزي ولازم قراءة العربية والفقه والتفسير على الإمام عبد الله ابن الفخار البيري شيخ النحويين لعهده. وقرأ على قاضي الجماعة أبي عبد الله ابن بكر. وتأدب بالرئيس أبي الحسن ابن الجياب. وروى عن كثير من الأعيان كالمحدث شمس الدين ابن جابر ثم ذكر جماعة من شيوخه في الحديث ثم قال: وله رواية عالية. ثم ذكر جماعة آخرين من شيوخه يطول تعدادهم. ثم قال: وروى عن أشهر أسلافنا المتأخرين القاضي أبي عبد الله المقري (1) القرشي التلمساني المولد والمنشأ والقبر قاضي الجماعة بفاس، وعن الشريف أبي على حسن بن يوسف وعن الخطيب الرئيس الراوية أبي عبد الله ابن مرزوق وعن المحدث الفاضل الحسيب أبي العباس ابن بربوع السبتي والرئیس الكاتب أبي محمد ابن عبد المهيمن الحضرمي السبتي. والشيخ المقريء أبي محمد ابن أیوب المالقي آخر الرواة عن ابن أبي الأحوص. ثم قال بعد ذكر طائفة آخرين: إلى غيرهم ممن يطول ذكرهم من أهل الأندلس والعدوة الغربية. أقول وبذلك تعلم أن المغرب والأندلس في العلم والأدب كانا كالقطر الواحد. ولاسيما بعد ما صارا مملكة واحدة في زمان المرابطين وما بعده إلى انقراض مملكة غرناطة. قال: وأخذ عن أهل المشرق وافريقية بالإجازة. أقول: والمراد بافريقية تونس وما بعدها إلى جهة المشرق ثم قال وأخذ الطب والتعاليم -يعني الفلسفة- وصناعة التعديل عن الإمام أبي زكرياء يحيى بن هذيل ولازمه.
ذكر بروكلمن في كتابه الشهير تاريخ الأدب العربي نحو ثلاثين منها الكبير الذي في مجلدات ومنها الصغير. وقد كنا نريد أن ننقل هذه التأليف وما قاله بروكلمن في هذا الإمام ولكن إدارة خزانة الكتب العامة في تطوان أبت أن تعيرنا الكتاب المذكور وتعللت بشتى الأعذار. وكان هذا الكتاب في متناول يدي منذ أربع سنين وفي الأيام الأخيرة امتنع مع أنه لا يوجد أحد يعرف لغة الكتاب الألمانية سواي في هذا البلد. وهذا من العجائب ولا نريد أن نقول أكثر من هذا.
وفي فهرست خزانة مدريد الموسومة بالخزانة الوطنية ذكر تلك التآليف التي ذكرها بروكلمن. وكذا في فهرست اسكوريال وكلها موجودة في اسكوريال وفي مدريد. وقد توجد نسخ في غير إسبانيا من مؤلفاته وأغلبها لم تطبع. أما المقري فقد ذكر هنا خمسین كتابا فزاد نحو عشرين على ما في الفهارس المتقدمة الذكر. وسنذكرها ليطلع عليها القارئ فيزيد إعجابه بهذا الرجل النابغة. ولا غرو فإن بروكلمن نفسه لم يتمالك أن يبدي تعجبه من هذا النابغة الذي لم تشغله اعباء الحكم والوزارة والسفارات والحبس والنكبات والأسفار عن تأليف تلك التآليف العظيمة الحجوم في مختلف العلوم. وإذا رأيت بروكلمن يتعجب من عالم مؤلف فاحسب لتعجبه ألف حساب؛ لأنه هو نفسه من الموفقين كل التوفيق في التآليف؛ بل من عجائب هذا العصر، لم نر له نظيرا في ذلك. وتأليف بروكلمن بلغات عديدة منها لغته الجرمانية واللاتينية والعبرانية والسريانية واليونانية والعربية وغيرها.
تقي الدين الهلالي
مجلة لسان الدين: الجزء 1 السنة 1 – شعبان 1365 / يوليو 1946 – ص 35